551
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

الْمُحِبِّينَ لَهَا، الْمُطْمَئِنِّينَ إِلَيْهَا، الْمَفْتُونِينَ بِهَا، أَنْ تَكُونَ كَمَا قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمّا يَأْكُلُ النّاسُ وَالْأَنْعامُ»۱ الْايَةَ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبِ امْرُؤٌ مِنْكُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيَا حَبْرَةً ۲ إِلَا أَوْرَثَتْهُ عَبْرَةً، وَلَا يُصْبِحُ فِيهَا فِي جَنَاحٍ آمِنٍ إِلَا وَهُوَ يَخَافُ فِيهَا نُزُولَ جَائِحَةٍ، أَوْ تَغَيُّرَ نِعْمَةٍ، أَوْ زَوَالَ عَافِيَةٍ، مَعَ أَنَّ الْمَوْتَ مِنْ وَرَاءِ ذلِكَ، وَهَوْلَ الْمُطَّلَعِ، وَالْوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيِ الْحَكَمِ الْعَدْلِ، تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا عَمِلَتْ، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُوا بِما عَمِلُوا، وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنى.
فَاتَّقُوا اللّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ، وَسَارِعُوا إِلى رِضْوَانِ اللّهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِكُلِّ مَا فِيهِ الرِّضَا؛ فَإِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ، جَعَلَنَا اللّهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَعْمَلُ بِمَحَابِّهِ، وَيَجْتَنِبُ سَخَطَهُ.
ثُمَّ إِنَّ أَحْسَنَ الْقَصَصِ، وَأَبْلَغَ الْمَوْعِظَةِ، وَأَنْفَعَ التَّذَكُّرِ كِتَابُ اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ؛ قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»۳ ، أَسْتَعِيذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْاءِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ»۴ ، «إِنَّ اللّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيما»۵ ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَبَارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَتَحَنَّنْ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَسَلِّمْ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَأَفْضَلِ مَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ وَتَحَنَّنْتَ وَسَلَّمْتَ عَلى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللّهُمَّ أَعْطِ مُحَمَّدا الْوَسِيلَةَ وَالشَّرَفَ وَالْفَضِيلَةَ وَالْمَنْزِلَةَ الْكَرِيمَةَ، اللّهُمَّ اجْعَلْ مُحَمَّدا وَآلَ مُحَمَّدٍ أَعْظَمَ الْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ، شَرَفا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَقْرَبَهُمْ مِنْكَ مَقْعَدا، وَأَوْجَهَهُمْ عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَاها، وَأَفْضَلَهُمْ عِنْدَكَ مَنْزِلَةً وَنَصِيبا.
اللّهُمَّ أَعْطِ مُحَمَّدا أَشْرَفَ الْمَقَامِ، وَحِبَاءَ السَّلَامُ، وَشَفَاعَةَ الْاءِسْلَامِ. اللّهُمَّ وَأَلْحِقْنَا بِهِ غَيْرَ خَزَايَا، وَلَا نَاكِبِينَ، وَلَا نَادِمِينَ، وَلَا مُبَدِّلِينَ، إِلهَ الْحَقِّ آمِينَ.
ثُمَّ جَلَسَ قَلِيلاً، ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلّهِ أَحَقَّ مَنْ خُشِيَ وَحُمِدَ، وَأَفْضَلَ مَنِ اتُّقِيَ وَعُبِدَ، وَأَوْلى مَنْ

1.يونس (۱۰) : ۲۴ .

2.في الحاشية عن بعض النسخ: «خيرة».

3.الأعراف (۷) : ۲۰۴ .

4.العصر (۱۰۳) : ۱ ـ ۴ .

5.الأحزاب (۳۳) : ۵۶ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
550

«الْحَمْدُ لِلّهِ أَهْلِ الْحَمْدِ وَوَلِيِّهِ، وَمُنْتَهَى الْحَمْدِ وَمَحَلِّهِ ، الْبَدِيءِ الْبَدِيعِ، الْأَجَلِّ الْأَعْظَمِ، الْأَعَزِّ الْأَكْرَمِ، الْمُتَوَحِّدِ بِالْكِبْرِيَاءِ، وَالْمُتَفَرِّدِ بِالْالَاءِ، الْقَاهِرِ بِعِزِّهِ، وَالْمُتَسَلِّطِ ۱ بِقَهْرِهِ، الْمُمْتَنِعِ بِقُوَّتِهِ، الْمُهَيْمِنِ بِقُدْرَتِهِ، وَالْمُتَعَالِي فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ بِجَبَرُوتِهِ، الْمَحْمُودِ بِامْتِنَانِهِ وَبِإِحْسَانِهِ، الْمُتَفَضِّلِ بِعَطَائِهِ وَجَزِيلِ فَوَائِدِهِ، الْمُوَسِّعِ بِرِزْقِهِ، الْمُسْبِغِ بِنِعْمَتِهِ. ۲
نَحْمَدُهُ عَلى آلَائِهِ، وَتَظَاهُرِ نَعْمَائِهِ، حَمْدا يَزِنُ عَظَمَةَ جَلَالِهِ، وَيَمْلَأُ قَدْرَ آلَائِهِ وَكِبْرِيَائِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَا اللّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، الَّذِي كَانَ فِي أَوَّلِيَّتِهِ مُتَقَادِما، وَفِي دَيْمُومِيَّتِهِ مُتَسَيْطِرا، خَضَعَ الْخَلَائِقُ لِوَحْدَانِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَقَدِيمِ أَزَلِيَّتِهِ، وَدَانُوا لِدَوَامِ أَبَدِيَّتِهِ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخِيَرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، اخْتَارَهُ بِعِلْمِهِ، وَاصْطَفَاهُ لِوَحْيِهِ، وَائْتَمَنَهُ عَلى سِرِّهِ، وَارْتَضَاهُ لِخَلْقِهِ، وَانْتَدَبَهُ لِعَظِيمِ أَمْرِهِ، وَلِضِيَاءِ مَعَالِمِ دِينِهِ وَمَنَاهِجِ سَبِيلِهِ وَمِفْتَاحِ وَحْيِهِ، وَسَبَبا لِبَابِ رَحْمَتِهِ، ابْتَعَثَهُ عَلى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَهَدْأَةٍ مِنَ الْعِلْمِ، وَاخْتِلَافٍ مِنَ الْمِلَلِ، وَضَلَالٍ عَنِ الْحَقِّ، وَجَهَالَةٍ بِالرَّبِّ، وَكُفْرٍ بِالْبَعْثِ وَالْوَعْدِ، أَرْسَلَهُ إِلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ، رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، بِكِتَابٍ كَرِيمٍ، قَدْ فَضَّلَهُ، وَفَصَّلَهُ، وَبَيَّنَهُ، وَأَوْضَحَهُ، وَأَعَزَّهُ، وَحَفِظَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَهُ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٍ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، ضَرَبَ لِلنَّاسِ فِيهِ الْأَمْثَالَ، وَصَرَّفَ فِيهِ الْايَاتِ لَعَلَّهُمْ يَعْقِلُونَ، أَحَلَّ فِيهِ الْحَلَالَ، وَحَرَّمَ فِيهِ الْحَرَامَ، وَشَرَعَ فِيهِ الدِّينَ لِعِبَادِهِ، عُذْرا وَنُذْرا، لِئَلَا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، وَيَكُونَ بَلَاغا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ.
فَبَلَّغَ رِسَالَتَهُ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ، وَعَبَدَهُ حَتّى أَتَاهُ الْيَقِينُ، صَلَّى اللّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيما كَثِيرا.
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللّهِ وَأُوصِي نَفْسِي بِتَقْوَى اللّهِ، الَّذِي ابْتَدَأَ [بَدْأَ] ۳ الْأُمُورَ بِعِلْمِهِ، وَإِلَيْهِ يَصِيرُ غَدا مِيعَادُهَا، وَبِيَدِهِ فَنَاؤُهَا وَفَنَاؤُكُمْ، وَتَصَرُّمُ أَيَّامِكُمْ، وَفَنَاءُ آجَالِكُمْ، وَانْقِطَاعِ مُدَّتِكُمْ، فَكَأَنْ قَدْ زَالَتْ عَنْ قَلِيلٍ عَنَّا وَعَنْكُمْ، كَمَا زَالَتْ عَمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَاجْعَلُوا عِبَادَ اللّهِ اجْتِهَادَكُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيَا التَّزَوُّدَ مِنْ يَوْمِهَا الْقَصِيرِ لِيَوْمِ الْاخِرَةِ الطَّوِيلِ؛ فَإِنَّهَا دَارُ عَمَلٍ، وَالْاخِرَةَ دَارُ الْقَرَارِ وَالْجَزَاءِ.
فَتَجَافَوْا عَنْهَا؛ فَإِنَّ الْمُغْتَرَّ مَنِ اغْتَرَّ بِهَا، لَنْ تَعْدُوَالدُّنْيَا إِذَا تَنَاهَتْ إِلَيْهَا أُمْنِيَّةُ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِيهَا،

1.في الطبعة القديمة : «والمسلّط» .

2.في الطبعة القديمة : «بنعمه» .

3.في الطبعة القديمة : - «[بدأ]».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 179528
صفحه از 624
پرینت  ارسال به