589
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

وقوله : (فأولئك) إلى قوله : (لا يحتسبون) ؛ يدلّ على أنّ المراد بالرزق في الآية الرزق الروحاني، وهو العلم بالشريعة والعمل به، وإن كان ظاهره الرزق الجسماني .
وبالجملة كما يتقوّى البدن بالرزق الجسماني، وتبقى حياته به، كذلك الروح يتقوّى وتبقى حياته بالأغذية الروحانيّة التي هي العلم والحكمة والإيمان والهداية ، وبدونها ميّت في صورة الأحياء، كما روي من أنّ فقد العلم فقد الحياة، ولا يقاس إلّا بالأموات .
فمراده عليه السلام كما دلّت الآية على أنّ التقوى سبب للرزق الجسمانيّة، وحصوله وتيسّره من غير احتساب، كذلك تدلّ على أنّها تصير سببا لحصول الرزق الروحاني وتيسّره، وهو العلم، وحكمة أهل العصمة من غير احتساب .
قوله تعالى : «هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ»۱ .
قال البيضاوي : «الغاشية: الداهية التي تغشى الناس بشدائدها؛ يعني يوم القيامة، أو النار، من قوله : «وَتَغْشى وُجُوهَهُمْ النَّارُ»۲ » . ۳
وقال الجوهري : «الغاشية: القيامة؛ لأنّها تغشى بإفزاعها . الأصمعي : يقال: رماه اللّه بغاشية، وهي داء يأخذ في الجوف» . ۴
وقوله عليه السلام : (الذين يَغشون الإمام) ؛ يحتمل أن يكون من الغشيان، أو الإغشاء، أو التغشية .
قال الجوهري : «تقول : غشّيت الشيء تغشية، إذا غطّيته . وغَشيتَهُ غشيانا؛ أي جاءه. وأغشاه إيّاه غيره» ۵ انتهى ؛ أي الذين يجيئون الإمام المنصوب من اللّه ورسوله بالسوء؛ أي يصيرون سببا لمجيء الناس إيّاهم به، أو الذين يسترون ويخفون فضله عليه السلام ، فالآية لبيان عقوباتهم الاُخرويّة .
وهنا احتمال آخر أدقّ، وهو أن يراد بالغاشية على هذا البطن الشيعة الخلّص الذين يغشون الإمام؛ أي يأتونه لتأدية حقّه، والاقتباس من علمه ، فقوله تعالى : «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ» إلى قوله : «لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ»۶ استئناف كلام لبيان حال مخالفيهم ومعانديهم، وعقوباتهم في الدُّنيا والآخرة .

1.الغاشية (۸۸) : ۱ .

2.إبراهيم (۱۴) : ۵۰ .

3.تفسير البيضاوي ، ج ۵ ، ص ۴۸۳ .

4.الصحاح ، ج ۶ ، ص ۲۴۴۶ (غشا) .

5.المصدر ، ص ۲۴۴۷ .

6.الغاشية (۸۸) : ۲ - ۷ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
588

«وَيَرْزُقْهُ» فرجا «مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» من وجه لا يخطر بباله، ولم يتوقّع له، ولم يعتدّ به .
وقوله عليه السلام : (هؤلاء) إشارة إلى مَنْ الموصولة في الآية . والجمع باعتبار المعنى .
وقوله : (ضعفاء) ؛ يعني فقراء لا مال لهم، كما يدلّ عليه قوله : (ليس عندهم ما يتحمّلون به إلينا) ؛ يعني ليس عندهم شيء يتمكّنون به من الارتحال إلينا من الزاد والراحلة وسائر أسباب السفر .
قال الجوهري : «تحمّلوا واحتملوا بمعنى؛ أي ارتحلوا» . ۱
وقوله : (فيسمعون حديثنا) ؛ متفرّع على المنفي .
(ويقتبسون من علمنا) .
اقتبس منه نارا وعلما؛ أي استفاده .
وقوله : (قوم فوقَهم) ؛ يعني بحسب المال والغناء .
وقيل : لعلّ المراد بالقوم أهل الخلاف كالزيديّة والإسماعيليّة ، ولو اُريد بهم الإماميّة فقط، أو الإماميّة أيضا، ينبغي حمل التضييع على تضييع العمل بالمروي، أو على الأعمّ منه ومن إنكاره إلّا أنّه يرد أنّ الإماميّة الناقلين إن عملوا به كانوا مندرجين تحت الآية كالضعفاء، بل هم أولى بالدخول، والضعفاء إن لم يعملوا كانوا خارجين عنها ، فالفرق بينهما بأنّ الناقلين خارجون، والمنقول إليهم داخلون غير واضح . فلتأمّل . ۲
(وينفقون أموالهم) ؛ بتجهيز أسباب السفر .
(ويُتعبون أبدانهم) .
تَعِبَ تَعَبا ؛ أي أعيا، وأتعبه غيره .
وقوله : (فينقلوه) أي حديثنا .
(إليهم) أي إلى الضعفاء من الشيعة .
(فيَعيه هؤلاء) أي فيحفظه تلك الضعفاء . يُقال : وَعَيْت الحديثَ أعِيهِ وَعْيا، إذا حفظته .
(ويضيّعه هؤلاء) أي الأغنياء الناقلين .

1.الصحاح ، ج ۴ ، ص ۱۶۷۷ (رحل) .

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۲۲۰ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 181028
صفحه از 624
پرینت  ارسال به