وقوله : (فأولئك) إلى قوله : (لا يحتسبون) ؛ يدلّ على أنّ المراد بالرزق في الآية الرزق الروحاني، وهو العلم بالشريعة والعمل به، وإن كان ظاهره الرزق الجسماني .
وبالجملة كما يتقوّى البدن بالرزق الجسماني، وتبقى حياته به، كذلك الروح يتقوّى وتبقى حياته بالأغذية الروحانيّة التي هي العلم والحكمة والإيمان والهداية ، وبدونها ميّت في صورة الأحياء، كما روي من أنّ فقد العلم فقد الحياة، ولا يقاس إلّا بالأموات .
فمراده عليه السلام كما دلّت الآية على أنّ التقوى سبب للرزق الجسمانيّة، وحصوله وتيسّره من غير احتساب، كذلك تدلّ على أنّها تصير سببا لحصول الرزق الروحاني وتيسّره، وهو العلم، وحكمة أهل العصمة من غير احتساب .
قوله تعالى : «هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ»۱ .
قال البيضاوي : «الغاشية: الداهية التي تغشى الناس بشدائدها؛ يعني يوم القيامة، أو النار، من قوله : «وَتَغْشى وُجُوهَهُمْ النَّارُ»۲ » . ۳
وقال الجوهري : «الغاشية: القيامة؛ لأنّها تغشى بإفزاعها . الأصمعي : يقال: رماه اللّه بغاشية، وهي داء يأخذ في الجوف» . ۴
وقوله عليه السلام : (الذين يَغشون الإمام) ؛ يحتمل أن يكون من الغشيان، أو الإغشاء، أو التغشية .
قال الجوهري : «تقول : غشّيت الشيء تغشية، إذا غطّيته . وغَشيتَهُ غشيانا؛ أي جاءه. وأغشاه إيّاه غيره» ۵ انتهى ؛ أي الذين يجيئون الإمام المنصوب من اللّه ورسوله بالسوء؛ أي يصيرون سببا لمجيء الناس إيّاهم به، أو الذين يسترون ويخفون فضله عليه السلام ، فالآية لبيان عقوباتهم الاُخرويّة .
وهنا احتمال آخر أدقّ، وهو أن يراد بالغاشية على هذا البطن الشيعة الخلّص الذين يغشون الإمام؛ أي يأتونه لتأدية حقّه، والاقتباس من علمه ، فقوله تعالى : «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ» إلى قوله : «لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ»۶ استئناف كلام لبيان حال مخالفيهم ومعانديهم، وعقوباتهم في الدُّنيا والآخرة .