93
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا، ورؤيا المؤمن جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوّة» . ۱
ومن طريق آخر لهم : «أنّها جزء من سبعين جزءا من النبوّة» . ۲
قال محيي الدِّين البغوي : فسّر أبو داود تقارب الزمان باعتدال الليل والنهار، ووجّه ذلك باعتدال الأمزجة حينئذٍ، فلا يكون في المنام أضغاث أحلام؛ فإنّ موجبها إنّما هو غلبة خلط على المزاج .
وفسّره غيره بقرب القيامة . ويشهد الثاني أنّ هذا الخبر جاء من طريق أبي هريرة أنّه قال : «في آخر الزمان لا تكذب رؤيا المؤمن» . ۳
وقال القرطبي : «المراد بآخر الزمان الزمان الذي فيه الطائفة التي تبقى مع عيسى عليه السلام بعد قتل دجّال، تبقى سبع سنين ليس بين اثنين منهم عداوة، فهم أحسن الاُمّة حالاً، وأصدقهم قولاً، وكانت رؤياهم لا تكذب» .
وقد قال صلى الله عليه و آله : «أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا» .
وردَّ ابن العربي التفسير الأوّل بأنّه لا أثر لاعتدال الزمان في صدق الرؤيا إلّا على ما يقوله الفلاسفة من اعتدال الأمزجة حينئذٍ ، ثمّ إنّه وإن كان هذا في الاعتدال الأوّل، لكن في الاعتدال الثاني حين تحلّ الشمس برأس الميزان الأمر بالعكس ؛ لأنّه تسقط حينئذٍ الأوراق، ويتغلّس الماء من الثمار .
ثمّ قال : والصحيح التفسير الثاني؛ لأنّ القيامة هي الحاقّة التي تحقّ فيها الحقائق، وكلّ ما قرب منها فهو أخصّ بها .
وقال الآبيّ : فسّره بعض الشافعيّة بثالث، هو من قوله عليه السلام : «يتقارب الزمان حتّى تكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة» ، قالوا : وذلك عند خروج المهديّ عليه السلام ، وهو زمان يقصر ويتقارب أجزاؤه للاستلذاذ به .
هذا كلامهم . ثمّ قال الشارح :

1.مسند أحمد ، ج ۲ ، ص ۵۰۷ ؛ صحيح مسلم ، ج ۷ ، ص ۵۲ ؛ الجامع الصغير، ج ۲ ، ص ۷۴ ، ح ۴۶۶ ؛ كنزالعمّال ، ج ۱۵ ، ص ۳۷۱ ، ح ۴۱۴۲۷ .

2.مسند أحمد ، ج ۱ ، ص ۳۱۵ ؛ و ج ۲ ، ص ۱۱۹ ؛ صحيح مسلم ، ح ۷ ، ص ۵۴ ؛ سنن ابن ماجة ، ج ۲ ، ص ۱۲۸۲ ، ح ۳۸۹۵ ؛ مجمع الزوائد ، ح ۷ ، ص ۱۷۲ .

3.اُنظر : فتح الباري لابن حجر ، ج ۱۲ ، ص ۳۵۶ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
92

قوله : (رأيُ المؤمن ورؤياه في آخر الزمان) .
قيل: لمّا غيّب اللّه في آخر الزمان عن الناس حجّتهم، تفضّل عليهم ، وأعطاهم رأيا قويّا في استنباط الأحكام الشرعيّة ممّا وصل إليهم من الآثار النبويّة ، ولمّا حجب عنهم الوحي وخزّانه ، أعطاهم الرؤيا الصادقة أزيد ممّا كان لغيرهم؛ ليظهر عليهم بعض الحوادث قبل وقوعها وحدوثها . ۱
أقول : لا وجه لتخصيص الرأي بما ذكر ، بل الظاهر تعميمه في مطلق فراسة المؤمن وإدراكاته الحقّة . وكذا لا وجه لتخصيص آخر الزمان بزمان الغيبة .
قال الفاضل الإسترآبادي :
المراد بالأوّل ما يخلق اللّه في قلبه من الصور العلميّة في حال اليقظة ، وبالثاني ما يخلق اللّه في قلبه في حال النوم ، وكأنّ المراد بآخر الزمان زمان ظهور الصاحب عليه السلام ؛ فإنّ في بعض الأحاديث وقع التصريح بأنّ في زمن ظهوره عليه السلام يجمع اللّه قلوب المؤمنين على الصواب في كلّ باب .
ولفظة «على» هاهنا نهجيّة؛ أي على نهج سبعين جزءا؛ يعني يكونان مثل الوحي موافقا للواقع دائما، وهما نوع من الوحي يتفضّل اللّه به زمن ظهور المهديّ عليه السلام . انتهى . ۲
وقيل : لعلّ المراد بقوله : (على سبعين جزءا من أجزاء النبوّة) أنّ للنبوّة أجزاء كثيرة سبعون منها من قبل الرأي؛ أي الاستنباط اليقيني، لا الاجتهاد والتظنّي والرؤيا الصادقة ، فهذا المعنى الحاصل لأهل آخر الزمان على نحو تلك السبعين ومشابه لها، وإن كان في النبيّ أقوى .
قال : ويحتمل أن يكون المراد على نحو بعض أجزاء السبعين، كما ورد أنّ الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءا من النبوّة. ۳
وقال بعض الشارحين :
ومن طريق العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «إذا اقترب الزمان، لم تكن رؤيا المسلم

1.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۰۳ .

2.نقل عنه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۱ ، ص ۴۴۴ .

3.القائل هو العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول ، ج ۲۵ ، ص ۲۰۳ و ۲۰۴ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 181330
صفحه از 624
پرینت  ارسال به