95
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

يسمع الصوت ويرى الضوء ، ومنه ما يأتي به كصَلصَلَة ۱ الجرس ، ومنه ما يلقيه روح القدس في روعه ، إلى غير ذلك ممّا لم نقف .
ويكون مجموع الطرق سبعين، فتكون الرؤيا التي هي ضربُ مثالٍ جزءا من ذلك العدد من أجزاء الوحي.
والحاصل أنّ للنبيّ طرقا إلى العلم ، وإحدى تلك الطرق الرؤيا، ونسبتها إلى تلك الطرق أنّها جزء من سبعين جزءا، ولا يلزم أن يبيّن تلك الأجزاء؛ لأنّه لا يلزم العلماء أن يعلموا كلّ شيء جملةً وتفصيلاً ، وقد جعل اللّه سبحانه لهم في ذلك حدّا يوقف عنده ؛ فمنها ما لا يعلم أصلاً ، ومنها ما يعلم جملةً ولا يعلم تفصيلاً ـ وهذا منه ـ ومنها ما يعلم جملةً وتفصيلاً لا سيّما فيما طريقه السمع وبيّنه الشارع .
وقيل : مجموع خصال النبوّة سبعون، وإن لم نعلمها تفصيلاً ، ومنها الرؤيا ، والمنام الصادق من المؤمن خصلة واحدة لها هذه النسبة مع تلك الخصال .
ويحتمل أن يكون المراد أنّ ثمرة رؤيا المؤمن ـ أعني الإخبار بالغيب ـ في جنب فوائدها المقصودة يسيرة نسبتها إلى ما أطلعه اللّه تعالى على نبيّه من فوائدها بذلك القدر؛ لأنّه يعلم من فوائد مناماتِهِ بنور نبوّته ما لا نعلمه من حقائق مناماتنا، وأن يكون المراد أنّ دلالة رؤيا المؤمن على الإخبار بالغيب جزء من دلالة رؤيا النبيّ ، والنسبة بذلك القدر ؛ لأنّ المنامات إنّما هي دلالات، والدلالات منها خفيّ ومنها جليّ، والخفيّ له نسبة مخصوصة مع الجليّ في نفس الأمر، فبيّنها عليه السلام بأنّها بذلك القدر .
والفرق بين هذين التوجيهين: أنّ الأوّل منهما باعتبار التفاوت في الثمرات، والثاني باعتبار التفاوت في الدلالات . والمراد بأجزاء النبوّة فيهما أجزاء رؤيا النبيّ، وليس المراد بها جميع أجزاء النبوّة . وهذا وإن كان بعيدا بحسب اللفظ، لكنّه غير مستبعد بحسب الواقع ؛ إذ الظاهر أنّ خصال النبوّة غير منحصرة في السبعين .
ومن طريق العامّة أيضا: «أنّ رؤيا المؤمن جزء من ستّة وأربعين جزءا من أجزاء النبوّة» . ۲

1.في الحاشية: «قال الجوهري: صلصلة اللجام: صوته. وقال: الجرس: ما يعلّق [في عنق] البعير، والذي يضرب به أيضا. منه». اُنظر : الصحاح ، ج ۵ ، ص ۱۷۴۵ (صلصل) ؛ و ج ۳ ، ص ۹۱۲ (جرس).

2.كتاب الموطّأ لمالك ، ج ۲ ، ص ۹۵۶ ؛ مسند أحمد ، ج ۲ ، ص ۲۳۳ و ۲۶۹ و ۴۳۸ و ۵۰۷ و ... ؛ سنن الدارمي ، ج ۲ ، ص ۱۲۳ ؛ صحيح البخاري ، ج ۸ ، ص ۶۸ ؛ صحيح مسلم ، ج ۷ ، ص ۵۲ ؛ سنن ابن ماجة ، ج ۲ ، ص ۱۲۸۲ ، ح ۳۸۹۳ و ۳۸۹۴ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
94

ثمّ إنّه لابدّ هنا من شيئين :
أحدهما : بيان السبب؛ لكون رؤيا المؤمن جزءا من أجزاء النبوّة .
وثانيهما : بيان السبب لهذه النسبة المخصوصة ؛ أعني كونها جزءا من سبعين جزءا .
أمّا الأوّل، فنقول: الرؤيا الصادقة من المؤمن الصالح جزءٌ من أجزاء النبوّة؛ لما فيها من الإعلام الذي هو على معنى النبوّة على أحد الوجهين .
وقد قال كثير من الأفاضل : إنّ للرؤيا الصادقة مَلكا وكّل بها يرى الرائي من ذلك ما فيه تنبيه على ما يكون له، أو يقدر عليه من خير أو شرّ، وهذا معنى النبوّة ؛ لأنّ لفظ «النبيّ» قد يكون فعيلاً بمعنى مفعول ؛ أي يُعلمه اللّه ، ويُطلِعه في منامه من غيبه ما لا يُظهِر عليه أحد إلّا من ارتضى من رسول . وقد يكون بمعنى فاعل؛ أي يُعلِم غيرَه بما اُلقي إليه ، وهذا أيضا صورة صاحب الرؤيا .
وقال القرطبي : «الرؤيا لا تكون من أجزاء النبوّة إلّا إذا وقعت من مسلم صالح صادق؛ لأنّه الذي يناسب حاله حال النبيّ، وكفى بالرؤيا شوقا أنّها نوع ممّا أكرمت به الأنبياء، وهو الاطّلاع على شيء من علم الغيب، كما قال صلى الله عليه و آله : «لم يبق من مبشّرات النبوّة إلّا الرؤيا الصادقة يراها الرجل المسلم» ۱ ، وأمّا الكافر والكاذب والمخلّط، وإن صدقت رؤياهم في بعض الأحيان؛ فإنّها لا تكون من الوحي، ولا من النبوّة؛ إذ ليس كلّ من صدق في حديث عن غيب يكون خبره نبوّة بدليل الكاهن والمنجّم؛ فإنّ أحدهم قد يحدّث ويصدق، لكن على الندرة ، وكذلك الكافر قد تصدق رؤياه كرؤيا العزيز سبع بقرات، ورؤيا الفتيان في السجن، ورؤيا العاتكة عمّة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهي كافرة ، ولكن ذلك قليل بالنسبة إلى مناماتهم المخلّطة الفاسدة .
وأمّا الثاني، فقيل : يحتمل أن تكون هذه التجزئة من طرق الوحي، منه ما سمع بواسطة الملك، ومنه ما يلقى في القلب، كما قال اللّه تعالى : «إِنْ هُوَ إِلَا وَحْىٌ يُوحَى»۲ ؛ أي إلهام ، ومنه ما يأتي به الملك وهو على صورته ، ومنه ما يأتيه [به ]وهو على صورة آدميّ ، ومنه ما يأتيه في منامه بحقيقته ، ومنه ما يأتيه بمثال أحيانا

1.مسند أحمد ، ج ۱ ، ص ۲۱۹ ؛ سنن الدارمي ، ج ۱ ، ص ۳۰۴ ؛ صحيح مسلم ، ج ۲ ، ص ۴۸ ؛ سنن ابن ماجة ، ج ۲ ، ص ۱۲۸۳ ، ح ۳۸۹۹ ؛ سنن أبي داود ، ج ۱ ، ص ۲۰۱ ، ح ۸۷۶ .

2.النجم (۵۳) : ۴ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 161290
صفحه از 624
پرینت  ارسال به