وفرّقوا بين الدم في هذا الحكم وبين سائر النجاسات من بول وعذرة ومنيّ ، وحرّموا الصلاة في قليل ذلك وكثيره ، وكأنّ التفرقة بين الدم وبين سائر النجاسات في هذا الحكم هو الذي تفرّدوا به ، فإنّ أباحنيفة يعتبر مقدار الدرهم في جميع النجاسات ، ولايفرّق بين بعضها وبعض ۱ ، والشافعي لايعتبر الدرهم في جميع النجاسات ۲ ، فاعتبارها ۳ في بعضها هو التفرّد ، ويمكن القول بأنّ الشيعة غير متفرّدة بهذه التفرقة ؛ لأنّ زفر كان يراعي في الدم أن يكون أكثر من درهم ولا يراعي مثل ذلك في البول ، بل يحكم بفساد الصلاة بقليله وكثيرة ، وهذا نظير قول الإماميّة ، وروي عن الحسن بن صالح بن حيّ أنّه كان يقول في الدم : «إذا كان على الثوب مقدار الدرهم يعيد الصلاة ، وإن كان أقلّ من ذلك لم يعد» ، وكان يوجب الإعادة في البول والغائط قليلهما وكثيرهما ۴ ، وهذا مضاه لقول الإماميّة ۵ .
هذا كلامه أعلى اللّه مقامه .
الثاني : لافرق على المشهور في وجوب غسل النجس للتطهير بين الجسم الصقيل وغيره ، وهو الظاهر من إطلاق الأمر بالغسل في الأخبار .
وحكى في المختلف عن السيّد المرتضى أنّه قال : «الجسم الصقيل كالسيف والمرآة والقارورة إذا أصابته نجاسة يطهر بالمسح بحيث تزول عين النجاسة عن المحلّ» ، محتجّا بأنّ الموجب للنجاسة في المحلّ بقاء عين النجاسة فيه ، ومع المسح تزول العلّة فينتفي الحكم .
وأجاب عنه بمنع المقدّمة الاُولى ؛ مستندا بأنّ الطهارة والنجاسة أمران شرعيّان متوقّفان على النصّ ، والنصّ مطلق في الغسل ۶ .
1.. تحفة الفقهاء ، ج ۱ ، ص ۶۴ ؛ المبسوط للسرخسي ، ج ۱ ، ص ۴۶ ؛ بدائع الصنائع ، ج ۱ ، ص ۱۹ و۸۰ ؛ البحر الرائق ، ج ۱ ، ص ۳۹۵ .
2.. بدائع الصنائع ، ج ۱ ، ص ۷۹ ؛ تحفة الفقهاء ، ج ۱ ، ص ۶۴ .
3.. في المصدر : «فاعتباره» .
4.. المثبت من المصدر ، وفي النسخ : «قليلها وكثيرها» .
5.. الانتصار ، ص ۹۳ ـ ۹۴ ، الدم المعفوّ عنه في الصلاة .
6.. مختلف الشيعة ، ج ۱ ، ص ۴۹۲ . وحكاه أيضا في تحرير الأحكام ، ج ۱ ، ص ۱۶۳ ، المسألة ۵۳۰ ؛ ومنتهى ف المطلب ، ج ۳ ، ص ۲۸۶ . وحكاه أيضا الشيخ في الخلاف ، ج ۱ ، ص ۴۷۹ ، المسألة ۲۲۲ ؛ والمحقّق في المعتبر ، ج ۱ ، ص ۴۵۰ .