باب وقت الصلاة على الجنائز
أجمع الأصحاب على عدم كراهة تلك الصلاة في الأوقات الّتي تكره النوافل المبتدأة فيها ولا في غيرها من الأوقات.
ويدلّ عليه مرسلة محمّد بن مسلم، ۱ و صحيحته، ۲ وصحيحة عبيداللّه الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا بأس بالصلاة على الجنائز حين تغيب الشمس وحين تطلع، إنّما هو استغفار». ۳
ويؤيّدها ما رواه العامّة: أنّ أبا هريرة صلّى على عقيل حين اصفرّت الشمس ۴ ولم ينكر عليه ذلك أحد من الصحابة، وأنّه صلّى على الجنائز والشمس على أطراف الجدر؛ ۵ ولأنّها ذات سبب موجب، فليست محلّاً لتوهّم كراهتها فيها. وهو منقول عن الشافعي، ۶ وفي إحدى الروايتين عن أحمد. ۷
وفي رواية اُخرى عنه وعن أبي حنيفة وابن عمر وعطاء والنخعي والثوري وإسحاق كراهتها عند طلوع الشمس وغروبها، وفي نصف النهار. ۸
واحتجّوا عليه على ما حكى عنهم في المنتهى ۹ بما رواه مسلم عن عقبة بن عامر الجهني أنّه يقول : ثلاث ساعات كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ينهانا أن نصلّي فيهنّ أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتّى ترتفع، وحين تقوم قائم الظهيرة حتّى تميل الشمس، وحين تصيف الشمس، أي تميل إلى الغروب. ۱۰
وأجاب عنه بأنّه محمول على أنّه نهى أن يتحرّى لها هذه الأوقات، والأظهر حمل الصلاة فيه على النافلة، بل هو الأظهر كما لا يخفى.
فإن تمسّكوا بالنهي عن الصلاة فيها كما هو ظاهر استدلالهم فهو لا يدلّ على مدّعاهم.
وإن تمسّكوا بالنهي عن دفن الموتى في هذه الساعات؛ حملاً للنهي عن الصلاة عليه كما فعله بعضهم فهو في غاية البعد؛ لعدم جامع بينهما، فكيف الاستدلال به؟!
قال طاب ثراه:
قال القرطبي: يُحتمل أن يريد بالنهي عن قبرهم في هذه الأوقات النهي عن الصلاة عليهم فيها، ويُحتمل حمله على ظاهره، وهو النهي عن دفنهم فيها؛ لأنّه لمّا منعت العبادة احتيط للمسلم أن لا يدفن فيها. وقال المارزي: احتمال الصلاة ضعيف؛ إذ لا خلاف في جواز الصلاة عند قائم الظهيرة وهو وقت الاستواء.
وأمّا ما رواه الشيخ عن عبد الرحمان بن أبي عبد اللّه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «يكره الصلاة على الجنائز حين تصفرّ الشمس وحين تطلع»، ۱۱ فهو مع شذوذه ومخالفته للأخبار الصحيحة، محمولة على التقيّة.
1.هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۳۲۱ ، ح ۹۹۷؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۶۹، ص ۱۸۱۳؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۱۰۹، ح ۳۱۵۵ .
2.هو الحديث ۲ من هذا الباب من الكافي . تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۲۰۲ ۲۰۳، ح ۴۷۴ ؛ و ص ۳۲۱ ، ح ۹۹۸؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۷۰، ح ۱۸۱۴ ؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۹۰، ح ۳۰۱۲ ؛ و ص ۱۰۸، ح ۳۱۵۴ .
3.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۳۲۱ ، ح ۹۹۹؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۷۰، ح ۱۸۱۵؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۱۰۸، ح ۳۱۵۳ .
4.كتاب الاُمّ، ج ۱، ص ۳۱۸ ، السنن الكبرى للبيهقي، ج ۴، ص ۳۲ ؛ معرفة السنن والآثار، ج ۳ ، ص ۱۶۱، ح ۲۱۳۳.
5.المصنّف لابن أبي شيبة، ج ۳ ، ص ۱۷۲، ما قالوا في الجنازة يصلّى عليها عند طلوع الشمس و عند غروبها، ح ۲؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۲، ص ۴۶۰ ؛ معرفة السنن والآثار، ج ۲، ص ۲۷۴، ح ۱۳۱۳؛ و ج ۳ ، ص ۱۶۱، ح ۲۱۳۳؛ تاريخ ابن معين، ج ۲، ص ۱۵۱، الرقم ۳۸۹۸ .
6.كتاب الاُمّ، ج ۱، ص ۳۱۸ ؛ الجوهر النقي، ج ۴، ص ۳۱ ؛ الشرح الكبير، ج ۱، ص ۷۹۹.
7.المغني، ج ۱، ص ۷۴۹.
8.حكاه عنهم العلّامة في تذكرة الفقهاء، ج ۳ ، ص ۸۱ . و انظر: المدوّنة الكبرى، ج ۱، ص ۱۹۰؛ المغني، ج ۲، ص ۴۱۶ ۴۱۷ ؛ بدائع الصنائع، ج ۱، ص ۳۱۶ ، المجموع للنووي، ج ۵ ، ص ۳۰۲ ؛ الشرح الكبير، ج ۱، ص ۷۹۹.
9.منتهى المطلب، ج ۴، ص ۱۴۱ و ۱۵۱ . و راجع أيضا : تذكرة الفقهاء، ج ۲، ص ۸۱ و ۳۳۴ .
10.مسند أحمد، ج ۴، ص ۱۵۲؛ سنن الدارمي، ج ۱، ص ۳۳۳ ؛ صحيح مسلم، ج ۲، ص ۲۰۸؛ سنن ابن ماجة، ج ۱، ص ۴۸۶ ۴۸۷، ح ۱۵۱۹؛ سنن أبي داود، ج ۲، ص ۷۷، ح ۳۱۱۲ ؛ سنن النسائي، ج ۱، ص ۲۷۵ و ۲۷۷؛ و ج ۴، ص ۸۲ ؛ السنن الكبرى له أيضا، ج ۱، ص ۴۸۲، ح ۱۵۴۳، و ص ۴۸۴، ح ۱۵۴۸، و ص ۶۴۹، ح ۲۱۴۰؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۴، ص ۳۲ ؛ مسند الطيالسي، ص ۱۳۵؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج ۲، ص ۲۴۸ ۲۴۹، الباب ۱۸۹، من كتاب الصلاة، ح ۲ ؛ مسند أبييعلى، ج ۳ ، ص ۲۹۲ ۲۹۳، ح ۱۷۵۵ (مع مغايرة في ألفاظ بعضها) .
11.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۳۲۱ ، ح ۱۰۰۰؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۷۰، ح ۱۸۱۶؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۱۰۹، ح ۳۱۵۷ .