301
شرح فروع الکافي ج2

شرح فروع الکافي ج2
300

باب التعزّي

يعنى التسلّي والتصبّر على المصاب، ۱ وحكى طاب ثراه عن الغزالي أنّه قال : «وممّا يتسلّى به عن موت الولد أن يقدّر أنّه أراد النقلة إلى بلد يسكنها، وبعث ولده ذلك ليرتاد له المسكن».

باب الصبر والجزع والاسترجاع

الصبر على المصائب: هو الرضا بقضاء اللّه والوقوف معها بحسن الأدب وعدم الشكاية عنها إلى غيره تعالى.
ولا ينافيه إظهارها إليه تعالى استدعاءا لرفعها، ومنه قول أيّوب عليه السلام : «رَبِّ أَنِّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَ أَنتَ أَرْحَمُ الرَّ حِمِينَ»۲ ، وقد قال سبحانه فيه : «إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ»۳ . والجزع منها نقيضه، وقد جزع من الشيء وأجزعه غيره. ۴
والاسترجاع: هو قول : «إنّا للّه وإنّا إليه راجعون» عند نزول مصيبة.
وكفاك في فضل الصبر والاسترجاع قوله سبحانه : «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْ ءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَ لِ وَ الْأَنفُسِ وَ الثَّمَرَ تِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّـآ إِلَيْهِ رَ جِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَ تٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ»۵ .
قوله في خبر جابر: (الصراخ بالويل والعويل) إلخ. [ح 1 / 4656] الويل: كلمة عذاب. ۶ وقيل: هو وادٍ في جهنّم. ۷ والصراخ به هو قول : واويلاه، ونحوه.
والعويل عطف على الصراخ، وهو: اسم بمعنى البكاء والصراخ من أعول إعوالاً، إذا بكى وصرخ. ۸
ويدلّ الخبر على تحريم لطم الوجه والصدر وجزّ الشعر ونحوها في المصائب، وادّعى الإجماع عليه في المبسوط، ۹ بل له كفّارة تجيء في محلّه.
ومعنى قوله: (ومن لم يفعل ذلك) ، إلى آخره [ح 1 / 4656]: أنّه إذا صدر عنه ما يخالف الشريعة فقد جرى عليه القضاء وحبط أجره.
ولا ينافي ذلك ما سبق من ثبوت الأجر له صبرا ولم يصبر؛ لما عرفت من أنّ ذلك إذا لم يصدر عنه أمر يخالف الشريع.
وقال طاب ثراه: «وقيل: أي من لم يصبر وجزع لا يكون له ثواب وإن كان له عوض، فيحبط عدم الصبر أجره الّذي هو الثواب دون العوض، بخلاف من صبر فإنّ له الثواب والعوض جميعاً».
وكذا الكلام في قوله: «ضرب المسلم يده على فخذه إحباط لأجره» في الخبر الآتي. ۱۰
قوله: (غفر [اللّه ] له كلّ ذنب اكتسب فيما بينهما) . [ح 4 / 4659] أي فيما بين حدوث المصيبة وذكرها، والذنب بعمومه يشمل الكبائر، فتدبّر .
قوله: (عن داوود بن رزين) . [ح 5 / 4660] هو غير مذكور فيكتب الرجال، وفي بعض النسخ داوود بن زُربي، وصُحّح في الخلاصة بضمّ الزاي المعجمة والراء الساكنة بعدها والباء الموحّدة، وربّما اُعرب بكسر الزاء، وقد نقل هذا عن ضبط الشهيد الثاني على الخلاصة، ۱۱ ووثّقه الشيخ المفيد في الإرشاد ۱۲ على ما حكى عنه الفاضل الاسترآبادي في رجاله، ووثّقه النجاشي على ما نقل عن الخلاصة ۱۳ ورجال ابن داوود، ۱۴ ولم أجد نصّاً عليه من النجاشي وإنّما قال : «داود بن زربي أبو سليمان الخندقيّ البندار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ذكره ابن عقدة» ثمّ ذكر أنّ راوي كتابه عليّ بن خالد العاقولي. انتهى. ۱۵
ولا من الروايات ما يدلّ عليه، وإنّما يدلّ بعض الأخبار على مدحه، رواه الشيخ الكشّي عليه الرحمة عن حمدويه وإبراهيم بإسنادهما إلى داوود الرقّي في قصّة أمر أبي عبد اللّه عليه السلام داوود بن زربي بغسل أعضاء الوضوء ثلاثاً ثلاثاً؛ صيانة له عن أبي جعفر المنصور، وفيه دعاؤه عليه السلام له ولإخوانه المؤمنين بدخول الجنّة، ۱۶ وقد سبق في محلّه.
وهو أحد ممّن روى النصّ على الرضا عليه السلام عن أبيه، روى الكشّي عن حمدويه بإسناده عن الضحّاك بن الأشعث، قال : أخبرني داود بن زربي، قال : حملت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام مالاً فأخذ بعضه وترك بعضه، فقلت له: لِمَ لا تأخذ الباقي؟ قال : إنّ صاحب هذا الأمر يطلبه منك»، فلمّا مضى بعث إليّ أبو الحسن الرضا عليه السلام فأخذه منّي. ۱۷
وقال طاب ثراه:
تقول آجَره اللّه يَأجُره ويَأجِره من باب نصر وضرب، وأجَرَه إيجارا: أعطاه ثواب عمله. وهمزة الأمر في : «اللّهمّ أجرني على مصيبتي» على الأوّل ساكنة؛ لسقوط همزة الوصل وعود المنقلبة بحالها، والجيم إمّا مضمومة أو مكسورة، وعلى الثاني همزة قطع ممدودة كما في أمِن.
وقال المازري: أخلِف بقطع الهمزة وكسر اللّام، يقال لمن ذهب منه ما يتوقّع حصول مثله كالمال والولد: أخلَفَ اللّه عليك، ولمن ذهب منه ما لا يتوقّع مثله كالوالد: خَلَف اللّه عليك بغير همزة، أي كان اللّه عزّ وجلّ خليفة منه عليك. ۱۸
وقوله عليه السلام : «كان له من الأجر مثل ما كان عند أوّل صدمة» بالنظر إلى استجابة قوله : «اللّهمّ أجرني على مصيبتي»، فلا يبعد أن يقال : يخلف اللّه تعالى عليه أفضل منها بالنظر إلى استجابة ما بعده أيضاً؛ لبعد استجابة بعض الدعاء دون بعض، وإنّما لم يذكره عليه السلام اكتفاءً عنه بما ذكره للدلالة عليه.
ويؤيّده ما رواه مسلم عن اُمّ سلمة، قالت: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : «ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره اللّه عزّ وجلّ: إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، اللّهمّ أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها، إلّا أخلف اللّه له خيرا منها». ۱۹
وأصل الصدم الضرب الشديد في الشيء الصلب، ثمّ استعير للأمر المكروه الّذي يأتي فجأة. ۲۰
والمساواة بين الصدمة الاُولى وما بعدها من ذكر المصيبة في الأجر تفضّل من اللّه سبحانه، وإلّا فمشقّة الصبر إنّما هو عند هجوم المصيبة وفي أوّل صدمتها؛ ومنه قيل: «يجب على العاقل أن يلتزم عند مصابه ما لابدّ للأحقّ منه بعد ثلاث أو أزيد» .
قوله في خبر عليّ بن عقبة: (ولا شقّ الثياب) . [ح 7 / 4662] لا خلاف بين الأصحاب في تحريم شقّ الثوب على غير الأب والأخ، ۲۱ وإن اختلفوا في وجوب الكفّارة له على ما يأتي في محلّه .
قوله في مرسلة يونس بن يعقوب: (وجعل لا يقرّ) . [ح 13 / 4668] من القرار، يعني أنّه عليه السلام كان مضطرباً شديدا حتّى إنّا نتخوّف منه ما نكره من موته عليه السلام فجأة ونحوه، وإنّما كان عليه السلام مضطرباً كذلك لشفقته على صبيّه، واستدعاؤه من اللّه تعالى شفاءه، وهو ممدوح قبل عروض الموت، وربّما فسّر «ما نكره» بالويل والثبور والصياح وشقّ الثوب وأمثالها ممّا يوجب حبط الأجر .

1.اُنظر: تاج العروس، ج ۱۹، ص ۶۷۴ (عزي) .

2.الأنبياء (۲۱) : ۸۳ .

3.ص (۳۸) : ۴۴ .

4.صحاح اللغة، ج ۳ ، ص ۱۱۹۶ (جزع) .

5.البقرة (۲) : ۱۵۵ ۱۵۷ .

6.صحاح اللغة، ج ۱، ص ۴۱۷ (ويح)؛ و ج ۵ ، ص ۱۸۴۶ (ويل) .

7.اُنظر: مسند أحمد، ج ۳ ، ص ۷۵؛ سنن الترمذي، ج ۵ ، ص ۳ ۴، ح ۳۲۱۲ ؛ المستدرك للحاكم، ج ۲، ص ۵۰۷ و ۵۴۳ ؛ و ج ۴، ص ۵۹۶ ؛ التبيان، ج ۱، ص ۳۲۱ ؛ مجمع البيان، ج ۱، ص ۲۷۸، كلّهم عن أبي سعيد الخدري.

8.شرح الشافية لرضى الدين الاستراباذى، ج ۴، ص ۶۶.

9.المبسوط، ج ۱، ص ۱۸۹.

10.هو الحديث ۴ من هذا الباب.

11.خلاصة الأقوال، ص ۱۴۲، و المذكور في المطبوعة منها: «بالزاي المضمومة، و الراء الساكنة، و الباء المنقطة تحتها نقطة». و كسرالراء نقله ابن داود في رجاله، ص ۹۰، الرقم ۵۸۵ .

12.الإرشاد، ج ۲، ص ۲۴۸.

13.خلاصة الأقوال، ص ۱۴۲.

14.رجال ابن داود، ص ۹۰، الرقم ۵۸۵ .

15.رجال النجاشي، ص ۱۶۰، الرقم ۴۲۴. والتوثيق موجود في النسخ المحقّقه، حيث ورد فيها: «... ثقة، ذكره ابن عقدة.

16.اختيار معرفة الرجال، ج ۲، ص ۶۰۰ ۶۰۱، الرقم ۵۶۴ .

17.اختيار معرفة الرجال، ج ۲، ص ۶۰۱، الرقم ۵۶۵ .

18.لم أعثر على كلام المازري، لكن هذا الكلام مذكور في شرح صحيح مسلم للنووي، ج ۶، ص ۲۲۰ نقلاً عن أهل اللغة.

19.صحيح مسلم، ج ۳ ، ص ۳۷ . و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج ۴، ص ۶۵؛ و ابن راهويه في مسنده، ج ۴، ص ۱۲.

20.مجمع البحرين، ج ۲، ص ۵۹۷ (صدم) .

21.اُنظر: المقنعة، ص ۵۷۳ ؛ النهاية، ص ۵۷۳ ؛ المهذّب، ج ۲، ص ۴۲۴ ؛ السرائر، ج ۳ ، ص ۷۸؛ شرائع الإسلام، ج ۱، ص ۳۶ ؛ تحرير الأحكام، ج ۴، ص ۳۷۰ ؛ مختلف الشيعة، ج ۸ ، ص ۲۲۱؛ نهاية الإحكام، ج ۲، ص ۲۸۹ ۲۹۰؛ الدروس، ج ۲، ص ۱۷۸، درس ۱۵۴؛ الذكرى، ج ۲، ص ۵۶ ؛ المهذّب البارع، ج ۳ ، ص ۵۶۶ ؛ شرح اللمعة، ج ۳ ، ص ۱۷؛ مسالك الأفهام، ج ۱، ص ۱۰۴؛ مدارك الأحكام، ج ۲، ص ۱۵۵.

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 203022
صفحه از 575
پرینت  ارسال به