باب البكاء والدعاء في الصلاة
البكاء لأمر اُخروي من أفضل العبادات لاسيّما في الصلاة ؛ لما رواه المصنّف عن بيّاع السابري ۱ ، وما رواه الشيخ في الاستبصار عن النعمان ، عن عبد السلام ، عن أبي حنيفة ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البكاء في الصلاة ، أيقطع الصلاة؟ قال : «إن بكى لذكر جنّة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة ، وإن كان ذكر ميّتاً فصلاته فاسدة» ۲
 . 
 وما رواه الصدوق عن منصور بن يونس بزرج أنّه سأل الصادق عليه السلام عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتّى يبكي ، قال : «قرّة عين واللّه ». وقال : «إذا كان ذلك فاذكرني عنده» ۳ . 
 ويؤيّدها عموم البكاء فيما وصّى به رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «كثرة البكاء للّه يبني لك بكلّ دمعة ألف بيت في الجنّة» ۴ . 
 وما روي من أنّه : «ما من شيء إلّا وله كيل ووزن إلّا البكاء من خشية اللّه عزّ وجلّ ، فإنّ القطرة منه تطفئ بحارا من النيران ، ولو أنّ باكياً بكى في اُمّة لرحموا ، وكلّ عين باكية يوم القيامة إلّا ثلاث أعين : عين بكت من خشية اللّه ، وعين غضّت عن محارم اللّه ، وعين باتت ساهرة في سبيل اللّه » ۵ . 
 وأمّا البكاء للاُمور الدنيويّة فهو مكروه مطلقاً خصوصاً في الصلاة ، بل قد يحرم فيها وذلك إذا اشتمل على صوت وعويل ، بل قالوا : إنّه حينئذٍ يفسد الصلاة . 
 واستدلّ عليه بأنّه فعل خارج عن الصلاة فيكون قاطعاً كالكلام ، وظاهر خبر أبي حنيفة المتقدّم بطلان الصلاة به مطلقاً وإن لم يشتمل على صوت وعويل . 
 ولكن الخبر ضعيف ؛ لاشتماله على عدّة من الضعفاء . 
 وحمل المشتمل منه على الصوت على الكلام قياس محض ، فالأظهر الكراهة مطلقاً ؛ حملاً للرواية عليها. 
 وأمّا الدعاء فيجوز ، بل يستحبّ في الصلاة . 
 واحتجّ عليه السيّد المرتضى في الانتصار ۶ بإجماع الطائفة ، وبعموم الأمر في قوله سبحانه: «قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَآءُ الْحُسْنَى»۷ . وقوله تعالى: «ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ»۸ . 
 و يدلّ عليه خصوص أكثر ما رواه المصنّف في الباب . 
 ويتأكّد عند تلاوة آية رحمة سؤالها وعند قراءة آية غضب الاستعاذة منه ؛ لخبر سماعة في مرسلة البرقي: «ينبغي للعبد إذا صلّى أن يرتّل في قراءته ، فإذا مرّ بآية فيها ذكر الجنّة أو ذكر النار سأل اللّه الجنّة وتعوّذ باللّه من النار». ۹
 ويستحبّ ذلك للمأموم أيضاً عند سماع الآيتين من الإمام ؛ لحسنة الحلبي ۱۰ . 
 ويظهر من الانتصار وفاق غير مالك من العامّة على عدم جوازه، حيث قال : 
 وممّا يظنّ انفراد الإماميّة به وهو مذهب مالك عدم جواز الدعاء في الصلاة المكتوبة أين شاء المصلّى منها ، وحكى ابن وهب عن مالك أنّه قال : لا بأس بالدعاء في الصلاة المكتوبة في أوّلها وأوسطها وآخرها ۱۱ ، وقال ابن القاسم : كان مالك يكره الدعاء في الركوع ولا يرى به بأساً في السجود ۱۲ . انتهى ۱۳ . 
 ويجوز الدعاء بغير العربية من اللغات أيضاً فيها ؛ لعموم قوله عليه السلام : «كلّما كلّمت اللّه به في الصلاة الفريضة فلا بأس» ۱۴ ، فإنّه كما شمل المطالب يشمل اللغات أيضاً ، ومثله قول أبي جعفر الثاني عليه السلام : «لا بأس أن يتكلّم الرجل في صلاة الفريضة بكلّ شيء يناجى ربّه عزّ وجلّ». ۱۵
 وبه قال الصدوق في الفقيه ، واحتجّ عليه بهذا الخبر ، ثمّ قال : 
 ولو لم يرد هذا الخبر لكنت اُجيزه بالخبر الّذي روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال : «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» ۱۶ ، والنهي عن الدعاء بالفارسيّة غير موجود . 
 وحكاه عن شيخه محمّد بن حسن الصفّار ، ونقل عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن سعد بن عبد اللّه أنّه كان يقول : «لا يجوز الدعاء في القنوت بالفارسيّة» ۱۷ . 
 وفي المنتهى : «ولا نعرف حجّة سعد في ذلك» ۱۸ .
1.هو الحديث ۲ من هذا الباب .
2.تهذيب الأحكام ، ج ۲ ، ص ۳۱۷ ، ح ۱۲۹۵ ؛ الاستبصار ، ج ۱ ، ص ۴۰۸ ، ح ۱۵۵۸ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۷ ، ص ۲۴۸ ، ح ۹۲۴۳ .
3.الفقيه ، ج ۱ ، ص ۳۱۷ ، ح ۹۴۰ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۷ ، ص ۲۴۷ ، ح ۹۲۴۰ .
4.الكافي ، ج ۸ ، ص ۷۹ ، ح ۳۳ ؛ تهذيب الأحكام ، ج ۹ ، ص ۱۷۵ ، ح ۷۱۳ ؛ دعائم الإسلام ، ج ۲ ، ص ۳۴۷ ، ح ۱۲۹۶ .
5.الفقيه ، ج ۱ ، ص ۳۱۸ـ۳۱۹ ، ۹۴۱ـ۹۴۲؛ وروى الفقرة الاُولى من الحديث إلى قوله : لرحموا الكليني في الكافي ، باب البكاء من كتاب الدعاء ، ح ۱ ؛ والصدوق في ثواب الأعمال ، ص ۱۶۷ ، باب ثواب البكاء من خشية اللّه .
6.الانتصار ، ص ۱۵۳ .
7.الإسراء (۱۷) : ۱۱۰ .
8.غافر (۴۰) : ۶۰ .
9.تهذيب الأحكام ، ج ۲ ، ص ۱۲۴ ، ح ۴۷۱ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۶ ، ص ۶۸ـ۶۹ ، ح ۷۳۶۸ .
10.هو الحديث ۳ من هذا الباب .
11.سنن أبي داود ، ج ۱ ، ص ۱۷۸ ، ح ۷۶۹ ؛ عمدة القاري ، ج ۵ ، ص ۲۹۷ .
12.المدوّنة الكبرى ، ج ۱ ، ص ۷۲ .
13.الانتصار ، ص ۱۵۲ـ۱۵۳ .
14.هو الحديث ۵ من هذا الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج ۲ ، ص ۳۲۵ ، ح ۱۳۳۰ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۷ ، ص ۲۶۴ ، ح ۹۲۹۰ .
15.الفقيه ، ج ۱ ، ص ۳۱۶ ، ح ۹۳۶ ؛ تهذيب الأحكام ، ج ۲ ، ص ۳۲۶ ، ح ۱۳۳۷ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۶ ، ص ۲۸۹ ، ح ۷۹۹۵ و ۷۹۹۶ .
16.الفقيه ، ج ۱ ، ص ۳۱۷ ، ح ۹۳۷ .
17.الفقيه ، ج ۱ ، ص ۳۱۶ .
18.منتهى المطلب ، ج ۱ ، ص ۳۰۰ (ط قديم) .