183
شرح فروع الکافي ج3

شرح فروع الکافي ج3
182

باب من أحدث قبل التسليم

ظاهر المصنّف شمول قبل التسليم لما قبل الشهادة أيضا، والخبران المذكوران صريح في ذلك، ويؤكّدهما ما رواه الشيخ في الموثّق عن ابن بكير، عن زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : الرجل يحدث بعدما يرفع رأسه من السجود الأخير، فقال: «تمّت صلاته، وإنّما التشهّد سنّة، فيتوضّأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد». ۱ وظاهر المصنّف العمل بها.
واحتمل في الوافي ۲ حملها على الرخصة، ويحتمل ورودها على التقيّة، والأكثر ـ ومنهم الشيخ في الاستبصار ـ حملوها على من أحدث بعد التشهّد الواجب وقبل زياداته المندوبة؛ للجمع بينها وبين خبر الحسن بن الجهم، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل صلّى الظهر والعصر، فأحدث حين جلس في الرابعة، فقال: «إن كان قال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه فلا يعيد، وإن كان لم يشهد قبل أن يحدث فليعد». ۳
ويؤيّده ما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال: سئل عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حبّ القرع، كيف يصنع؟ قال: «ان خرج نظيفا من العذرة فليس عليه شيء ولم ينقض وضوءه، وإن خرج متلطّخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، وإن كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة». ۴
وإليه ذهب الشيخ في الخلاف، قال: «إذا سبقه الحدث ففيه روايتان: إحداهما يعيد الصلاة، والاُخرى يعيد الوضوء ويبني على صلاته ـ إلى قوله ـ : والّذي أعمل عليه وأفتي به الرواية الاُولى». ۵
وعدّة في المبسوط أحوط، ۶ وبه قال السيّد المرتضى في الناصريّات، ۷ وحكاه عن جديد الشافعيّ؛ ۸ محتجّا بالإجماع والاحتياط، وبما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله من قوله: «إنّ الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فينفخ بين إليتية، فلا ينصرف حتّى يسمع صوتا أو يجد ريحا». ۹
وما روي عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «لا صلاة إلّا بطهور». ۱۰
وما رواه أبو داود بإسناده عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال: «إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضّأ، وليعد صلاته». ۱۱
وربّما احتجّ عليه بأن الطّهارة شرط في الصلاة، وبزوال الشرط يزول المشروط، ۱۲ وبأن الإجماع واقع على أن الفعل الكثير يبطل الصلاة، وهو حاصل هنا بالطهارة. ۱۳
واُجيب عن الأوّل منهما بأنّه أن اُريد باشتراط الصلاة بالطهارة اشتراط وقوع جميع أجزاء الصلاة مع الطهارة فالشرط حاصل على تقدير البناء أيضا، وإن أُريد اشتراط بقاء الطهارة الّتي دخل بها في الصلاة إلى آخرها فهو عين المدّعى.
وعن الثاني منهما بالمنع من كون الطّهارة فعلاً كثيرا، ثمّ يمنع كون كلّ فعل كثيرٍ مبطلاً.
وما ادّعى من الإجماع غير مسموع؛ لكونه دعوى الإجماع في موضع يتنازع فيه.
وفصّل المفيد والشيخ في قول آخر بين المصلّي بالتيمّم والطهارة المائيّة، ففي المقنعة:
ولو كان متيمّما دخل في الصلاة فأحدث ما ينقض الوضوء من غير تعمّد ووجد الماء كان عليه أن يتطهّر بالماء ويبني على ما مضى من صلاته ما لم ينحرف عن القبلة إلى استدبارها، أو تكلّم عامدا بما ليس من الصلاة. ۱۴
ومثله في نهاية الشيخ، ۱۵ وبذلك جمع بين الأخبار في التهذيب، وهو منقول عن ابن أبي عقيل. ۱۶
واستندوا في ذلك بصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام، قال: قلت له: رجل دخل في الصلاة وهو متيمّم، فصلّى ركعة ثمّ أحدث فأصاب الماء، قال: «يخرج ويتوضّأ ثمّ يبني على ما مضى من صلاته الّتي صلّى بالتيمم». ۱۷
وصحيحتهما الاُخرى، قال: قلت له: رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة، فتيمّم وصلّى ركعتين، ثمّ أصاب الماء أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضّأ ثمّ يصلّي؟ قال: «لا، ولكنّه يمضي في صلاته ولا ينقضها؛ لمكان أنّه دخلها وهو على طهور بتيمّم»، قال زرارة: فقلت له: دخلها وهو متيمّم فصلّى ركعة وأحدث، فأصاب ماء؟ قال: «يخرج ويتوضّأ ويبني على ما مضى من صلاته الّتي صلّى بالتيمّم». ۱۸ ولم يعمل بهما الأكثر.
ونقل في شرح الفقيه ۱۹ عن بعض الأصحاب أنّه حمل الأحداث فيهما على الأمطار، وهو ليس ببعيد، فقد ذكر الجوهريّ أنّ الأحداث أمطار أوّل السنّة، ۲۰ ومثله في القاموس. ۲۱
ويؤيّده التفريع في قوله: فأصاب الماء.
وفي الخلاف: والرواية الاُخرى رواها الفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام : أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذىً أو ضربانا؟ فقال: «انصرف ثمّ توضّأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّدا، وإن تكلّمت ناسيا فلا شيء عليك، فهو بمنزلة من تكلّم في الصلاة ناسيا»، قلت: فإن قلب وجهه عن القبلة؟ قال: «نعم وإن قلب وجهه عن القبلة». ۲۲ وهي صحيحة.
ومثلها خبر أبي سعيد القمّاط، قال: سمعت رجلاً يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل وجد في بطنه غمزا وأذىً أو عصرا من البول وهو في الصلاة المكتوبة في الركعة الاُولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة، قال: فقال: «إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجته تلك، فيتوضّأ ثمّ ينصرف إلى مصلّاه الّذي كان يصلّي [فيه]، فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بكلام». قال: قلت: وإن التفت يمينا وشمالاً أو ولّى عن القبلة؟ قال: «نعم كلّ ذلك واسع، إنّما هو بمنزلة رجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاثة من المكتوبة، فإنّما عليه أن يبني على صلاته». ۲۳
وهما دالّتان على البناء مطلقا ولو كان مصلّيا بالطهارة المائيّة، وهو منسوب في الناصريات ۲۴ إلى مالك وأبي حنيفة والشافعيّ في القديم، ۲۵ وحملتا في المشهور على التقيّة، وقد نقل عن بعض الأصحاب حمل الأمر بالوضوء فيهما على الاستحباب بناء على أنّ الأزّ والغمز ليسا بحدثين ناقضين للطّهارة.
وردّ بأنّ تجديد الوضوء مع بقاء الطهارة الاُولى هنا غير مفيد لدفع ضرر الأزّ والغمز، بل هو أعظم محذورا من إتمام الصلاة بالوضوء الأوّل كما كان؛ للزوم زيادة الصبر عليهما في الصلاة فبالضرورة يكونان كنايتين عن وقوع الحدث.
ولعلّ هذا مراد السيّد رضى الله عنهبقوله: «لو لم يكن الأزّ والغمز ناقضا للطهارة لم يأمره بالانصراف والوضوء» ۲۶ على ما سنحكي عنه، وإلّا فلم يقل أحد بنقضهما للوضوء.
ويستفاد من المدارك أنّ السيّد المرتضى والشيخ حكما بمضمون الخبرين في قول، حيث قال ـ بعدما نقل القولين الأوّلين ـ:
ونُقل عن الشيخ والمرتضى أنّهما قالا: «يتطهّر ويبني على ما مضى من صلاته». ۲۷ ثمّ قال: واحتجّ القائلون بالبناء مطلقا بصحيحة الفضيل بن يسار، وذكر الخبر، قال: وقال المرتضى: لو لم يكن الأزّ والغمز ناقضا للطهارة لم يأمره بالانصراف [والوضوء]. ۲۸
ولا يبعد القول بالتخيير مطلقا للجمع، لكنه لم ينقل عن أحد.
والظاهر على القول بالبناء اشتراطه بعدم وقوع حدث آخر عنه بعد ذلك؛ لأنّه لا نصّ على المعفو عنه، وهو منسوب في الخلاف ۲۹ إلى أبي حنيفة، وحكى فيه عن الشافعيّ أنّه قال في قوله القديم بالبناء هنا أيضا معلّلاً بأن هذا الحديث قد طرأ على حدث، فلم يكن له حكم.

1.تهذيب الأحكام ، ج ۲ ، ص ۳۱۸ ، ح ۱۳۰۰ ؛ الاستبصار ، ج ۱ ، ص ۳۴۲ ، ح ۱۲۹۰، و ص ۱۴۰۲ ، ح ۱۵۳۴ و فيه : «عبيد بن زرارة» بدل «زرارة» ؛ وسائل الشيعة ، ج ۶ ، ص ۴۱۱ ، ح ۸۳۰۵ .

2.الوافي ، ج ۸ ، ص ۸۶۷ .

3.تهذيب الأحكام ، ج ۱ ، ص ۲۰۵ ، ح ۵۹۶ ؛ وج ۲ ، ص ۳۵۴ ، ح ۱۴۶۷ ؛ الاستبصار ، ج ۱ ، ص ۴۰۱ ، ح ۱۵۳۱ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۷ ، ص ۲۳۴ ـ ۲۳۵ ، ح ۹۲۰۶ .

4.تهذيب الأحكام ، ج ۱ ، ص ۱۱ ، ح ۲۰ ؛ الاستبصار ، ج ۱ ، ص ۸۲ ، ح ۲۵۸ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱ ، ص ۲۵۹ ، ح ۶۷۲ .

5.الخلاف ، ج ۱ ، ص ۴۰۹ ـ ۴۱۰ ، المسألة ۱۵۷ .

6.المبسوط ، ج ۱ ، ص ۱۱۷ .

7.الناصريّات ، ص ۲۳۲ .

8.المجموع للنووي ، ج ۴ ، ص ۷۴ ـ ۷۵ ؛ مغني المحتاج ، ج ۱ ، ص ۱۸۷ .

9.مسند أحمد ، ج ۳ ، ص ۹۶ ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج ۲ ، ص ۲۵۴ ، مع مغايرة في اللفظ .

10.الفقيه ، ج ۱ ، ص ۳۳ ، ح ۶۷ ؛ تهذيب الأحكام ، ج ۱ ، ص ۴۹ ـ ۵۰ ، ح ۱۴۴ ، و ص ۲۰۹ ، ح ۶۰۵ ؛ وج ۲ ، ص ۱۴۰ ، ح ۵۴۵ و ۵۴۶ ؛ الاستبصار ، ج ۱ ، ص ۵۵ ، ح ۱۶۰ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱ ، ص ۳۱۵ ، ح ۸۲۹ ، وص ۳۶۵ ، ح ۹۶۰ ، وص ۳۶۶ ، ح ۹۶۵ ، وص ۳۷۲ ، ح ۹۸۱ ؛ وج ۲ ، ص ۲۰۳ ، ح ۱۹۲۹ .

11.سنن أبي داود ، ج ۱ ، ص ۲۲۷ ، ح ۱۰۰۵ ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج ۲ ، ص ۲۵۵ ؛ صحيح ابن حبّان ، ج ۶ ، ص ۸ .

12.المعتبر، ج ۲، ص ۲۵۱.

13.مدارك الأحكام ، ج ۳ ، ص ۴۵۶ .

14.المقنعة ، ص ۶۱ .

15.النهاية ، ص ۴۸ .

16.حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج ۱ ، ص ۴۴۱ .

17.تهذيب الأحكام ، ج ۱ ، ص ۲۰۴ ـ ۲۰۵ ، ح ۵۹۴ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۷ ، ص ۲۳۶ ، ح ۹۲۱۰ .

18.تهذيب الأحكام ، ج ۱ ، ص ۲۰۵ ، ح ۵۹۵ ؛ الاستبصار ، ج ۱ ، ص ۱۶۷ ـ ۱۶۸ ، ح ۵۸۰ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۳ ، ص ۳۸۲ ، ح ۳۹۲۶ .

19.لم أعثر عليه في روضة المتّقين ، وتجده في ملاذ الأخيار ، ج ۲ ، ص ۱۷۵ .

20.لم أعثر عليه في صحاح اللغة .

21.القاموس المحيط ، ج ۱ ، ص ۱۶۴ (حدث) .

22.الخلاف ، ج ۱ ، ص ۴۱۱ إلى قوله : «ناسيا» . والحديث بتمامه رواه في تهذيب الأحكام ، ج ۲ ، ص ۳۳۲ ، ح ۱۳۷۰ ؛ والاستبصار ، ج ۱ ، ص ۴۰۱ ، ح ۱۵۳۳ . و رواه الصدوق في الفقيه ، ج ۱ ، ص ۳۶۷ ، ح ۱۰۶۰ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۷ ، ص ۲۳۶ ، ح ۹۲۰۹ .

23.تهذيب الأحكام ، ج ۲ ، ص ۳۵۵ ، ح ۱۴۶۸ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۷ ، ص ۲۳۷ ، ح ۹۲۱۱ .

24.الناصريّات ، ص ۲۳۲ .

25.المجموع للنووي ، ج ۴ ، ص ۷۴ ؛ فتح العزيز ، ج ۴ ، ص ۲ .

26.حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج ۲ ، ص ۲۵۱ ـ ۲۵۲ .

27.قاله الشيخ في الخلاف ، ج ۱ ، ص ۴۱۰ . وعنه وعن المرتضى في المعتبر ، ج ۲ ، ص ۲۵۰ . وجعل الشيخ البطلان أحوط .

28.مدارك الأحكام ، ج ۳ ، ص ۴۵۵ ـ ۴۵۷ .

29.الخلاف ، ج ۱ ، ص ۴۱۲ ، المسألة ۱۵۸ . وانظر : المجموع للنووي ، ج ۴ ، ص ۷۴ .

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج3
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 210303
صفحه از 550
پرینت  ارسال به