279
شرح فروع الکافي ج3

شرح فروع الکافي ج3
278

باب التسليم على المصلّي والعطاس في الصلاة

المشهور جواز السّلام على المصلّي من غير كراهية ، ووجوب الرّد عليه ، حتّى أنّه قال بعض: لولم يردّ واشتغل بالصّلاة بطلت صلاته ؛ لاقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه ، واستلزام النهي في العبادات الفساد .
وفيه تأمّل ؛ لعدم ثبوت المقدّمتين على ما تقرّر في الاُصول . وقد نقل المحقّق الشيخ إجماع الأصحاب على وجوب الردّ . ۱
ويدلّ عليه قوله سبحانه: «وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ» . ۲
وخصوص خبر سماعة، ۳ وصحيحة محمّد بن مسلم ، قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو في الصلاة فقلت : السّلام عليك ، فقال: «السلام عليك»، فقلت : كيف أصبحت ؟ فسكت ، فلمّا انصرف قلت : أيردّ السّلام وهو في الصلاة ؟ فقال : «نعم مثل ما قيل له ». ۴
وصحيحة منصور بن حازم عن [أبي] عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا سلّم عليك الرّجل تردّه ۵ خفيا كما قال ». ۶
ورواية البزنطيّ في جامعه عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام : «أنّ عمّارا سلّم على رسول اللّه صلى الله عليه و آله فردّ عليه». ۷
ورواية عمّار السّاباطيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن المصلّي ، فقال : «إذا سلّم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة فردّ عليه فيما بينك وبين نفسك ، ولا ترفع صوتك ». ۸
وإنّما حملنا الأخبار على الوجوب مع أنّ ظاهرها إنّما هو مطلق الرجحان ؛ لأنّ وجوب الردّ قد ثبت بالدليل فصار كالأصل ، ولا مخصّص له بغير الصلاة ، فرجحانه ـ بل جوازه ـ مستتبع لوجوبه. والظاهر جواز السّلام له بكلّ لفظ من ألفاظه ، وأن ما ورد في خبر سماعة ۹ من التعيين من باب الأفضليّة .
وقال طاب ثراه :
والعلّامة تردّد في المنتهى ۱۰ في وجوب الردّ عن غير «سلام عليكم» من صيغه الاُخَر ، ومن الأصحاب من جزم بعدم جوازه ؛ لأنّه خلاف ما نطق به القرآن ، فيكون كلاما أجنبيّا لا يجوز في الصلاة إلّا أن يقصد الدعاء ويكون المخاطب مستحقّا له ، فحينئذٍ يجوز له الردّ لجواز الدعاء في الصلاة . ۱۱ انتهى.
وعبارة المنتهى هكذا :
لو سلّم عليه بغير قولهُ «سلام عليكم» قيل لا تجوز إجابته إلّا أن يقصد الدعاء ويكون مستحقّا ، وعندي فيه تردّد ينشأ من قول الباقر عليه السلام : «يقول مثل ما قيل له» ۱۲ وذلك عامّ.
لا يقال : إنّ مقصوده عليه السلام قوله «سلام عليكم» ؛ لأنّه منطوق القرآن .
لأنّا نمنع ذلك ، لأنّ كيفيّة التسليم عليه عليه السلام في صلاته كانت «السّلام عليكم» ، وبه أجاب عليه السلام وليس هو منطوق القرآن . ۱۳
وظاهره ترجيح الجواز ، وأراد بمنطوق القرآن قوله سبحانه في بيان تسليم ملائكة الرّحمة على المؤمنين : «سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ» ، ۱۴«سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ» ، ۱۵«سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ» ، ۱۶«سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ» ، ۱۷«[و]سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ» ، ۱۸ ونظائرها . ۱۹
وكلّما وقع التسليم فيه فهو بهذه الصيغة، ولعلّ وجه ترجيح هذه الصيغة فيه إفادته التعظيم ؛ إذ لابدّ من جعل التنكير فيه لذلك لتصحيح وقوع النكرة مبتدأ ، فهو كالنصّ فيه بخلاف المعرفة ، ولا يخفى أنّه لا يدلّ على تعيينه ، فكيف يعارض العموم المذكور .
ثمّ قال طاب ثراه :
وفي صحيحة محمّد بن مسلم ۲۰ دلالة على أنّه لا يجوز له الرّد في نحو كيف أصبحت ، وكيف أمسيت ممّا هو تلطّف وسؤال عن الحال .
وأمّا الردّ في نحو صباحك الخير ، ومساؤك الخير ، فقيل : يجوز بل يجب ؛ لأنّه تحيّة عرفا ، فيندرج تحت الآية .
والجواب: إنّه لا نسلّم أنّه تحيّة في عرف الشرع ، بل قيل : إنّه تحيّة الجاهليّة ، ۲۱ ولو سلّم فلا نسلّم اندراجه تحت الآية ؛ لانّ التحيّة في الآية فسّرت بالسّلام ، وكذا في اللغة ، ففي مجمع البيان : التحيّة : السّلام ، ۲۲ وفي القاموس مثله. ۲۳
والحقّ عدم الجواز ؛ لأنّ كلّ ما ليس بصلاة فهو حرام فيها ، إلّا ما دلّ الدليل على جوازه فيها كالدّعاء والسلام ، وهذا لم يقم الدليل على جوازه فيها ، وكذا الظاهر جواز رفع الصوت إلى حدّ يسمع المسلّم عليه تحقّقا أو تقديرا ، بل هو أحوط؛ لانّ المشهور بين الأصحاب وجوب إسماع الردّ بأحد المعنيين ، وهو المفهوم من كلام العلّامة في المنتهى ؛ لأنّ مقصود الشارع جبر خاطره والعوض له، ولأنّه قصد المسلّم وهو إنّما يتمّ مع الإسماع ، ولأنّه المتبادر من وجوب الردّ.
وظاهر الأدلّة المذكوره أنّه لا فرق في وجوب الردّ بين أن يكون المسلّم بالغا أو مميّزا أو امرأة ذات محرم أو أجنبية . ومن الأصحاب من قال بعدم وجوب ردّ سلام الأجنبيّة ؛ لأنّ استماع صوتها حرام ، والشارع لا يأمر بردّ الجواب عن الحرام. ۲۴
ولا يكره السّلام على المصلّي بل يستحبّ ؛ لعموم قوله تعالى: «وَإذا دَخَلْتُمْ بُيُوتا فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ» ، ۲۵ أي على أهل دينكم، ۲۶ أو بعضكم على بعض. ۲۷
وصرّح بعض المتأخّرين بأنّ الأولى هو الترك إذا استشعر أنّ المصلّي ممّن يضطرّ به أدنى شيء ويشوّشه . ۲۸
ولا خلاف بين الأصحاب في جواز تحميد المصلّي ، والصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله عند عطاسه وعطاس غيره ، أمّا التحميد ففي المنتهى: «هو مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وبه قال الشافعيّ وأبو يوسف وأحمد ، وقال أبو حنيفة : تبطل صلاته ». ۲۹
ويدلّ عليه حسنة الحلبيّ، ۳۰ وموثّقة أبي بصير، ۳۱ وعموم صحيحة الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا عطس الرّجل [فيالصلاة] فليقل الحمد للّه » . ۳۲
وروى أبو داود بإسناده عن عامر بن ربيعة ، قال عطس شابّ من الأنصار خلف رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو في الصلاة ، فقال: «الحمد للّه حمدا كثيرا طيّبا مباركا حتّى يرضى ربّنا وبعد الرضى من أمر الدنيا والآخرة »،[فلمّا انصرف رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: «من القائل كلمة، فإنّه لم يقل بأسا»]. ۳۳
ويؤيّدها ما دلّ على رجحان مناجاة الرّب تبارك وتعالى .
وأمّا الصلاة عليه وآله عليه السلام فيدلّ على استحبابه عموم ما تقدّم ممّا دلّ على استحبابها ، وفي الصلاة خصوصا وخصوص موثّقة أبي بصير . ۳۴
وكذا يستحبّ تسميت العاطس بقوله: يرحمك اللّه وأمثاله إذا كان مؤمنا؛ لما دلّ على جواز الدعاء في الصلاة .
قوله: (عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام ) .[ح1 / 5215] قال طاب ثراه :
نقل في التهذيب ۳۵ هذا الحديث عن عثمان بن عيسى عنه عليه السلام بلا واسطة ، وما في الكتاب أصحّ ؛ إذ لم ينقل أحد من أصحاب الرّجال رواية عثمان عنه عليه السلام بلا واسطة ، ولم يعدّوه من أصحابه عليه السلام .

1.جامع المقاصد ، ج ۲ ، ص ۳۵۵ .

2.النساء (۴) : ۸۶ .

3.الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .

4.تهذيب الأحكام ، ج ۲ ، ص ۳۲۹ ، ح ۱۳۴۹ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۷ ، ص ۲۶۷ ، ح ۹۳۰۲ .

5.كذا بالأصل، وفي المصدر: «ترد عليه».

6.تهذيب الأحكام ، ج ۲ ، ص ۳۳۲ ، ح ۱۳۶۶ . ونحوه في الفقيه ، ج ۱ ، ص ۳۶۸ ، ح ۱۰۶۵ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۷ ، ص ۲۶۸ ، ح ۹۳۰۴ .

7.المعتبر ، ج ۲ ، ص ۲۶۳ ؛ منتهى المطلب ، ج ۵ ، ص ۳۱۶ .

8.تهذيب الأحكام ، ج ۲ ، ص ۳۳۱ ، ح ۱۳۶۵ . ورواه الصدوق في الفقيه ، ج ۱ ، ص ۳۶۸ ، ح ۱۰۶۴ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۷ ، ص ۲۶۸ ، ح ۹۳۰۵ .

9.الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .

10.منتهى المطلب ، ج ۵ ، ص ۳۱۸ .

11.قاله المحقّق في المعتبر ، ج ۲ ، ص ۲۶۴ ـ ۲۶۵ .

12.وسائل الشيعة ، ج ۷ ، ص ۲۶۷ ، ح ۹۳۰۲ .

13.منتهى المطلب ، ج ۵ ، ص ۳۱۸ .

14.الزمر (۳۹) : ۷۳ .

15.النحل (۱۶) : ۳۲ .

16.الصافّات (۳۷) : ۷۹ .

17.الصافّات (۳۷) : ۱۰۹ .

18.الصافّات (۳۷) : ۱۸۱ .

19.مثل الآية ۵۴ من سورة الأنعام (۶) ؛ والآية ۶۴ من سورة الأعراف (۷) .

20.وسائل الشيعة ، ج ۷ ، ص ۲۶۷ ، ح ۹۳۰۲ .

21.جامع المقاصد ، ج ۲ ، ص ۳۵۷ .

22.مجمع البيان ، ج ۳ ، ص ۱۴۷ .

23.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۳۲۲ .

24.مجمع الفائدة والبرهان ، ج ۳ ، ص ۱۲۱ .

25.النور (۲۴) : ۶۱ .

26.فقه القرآن ، ج ۱ ، ص ۱۵۶ .

27.مجمع البيان ، ج ۱ ، ص ۲۹۱ ؛ و ج ۷ ، ص ۲۷۴ .

28.مجمع الفائدة والبرهان ، ج ۳ ، ص ۱۲۱ .

29.منتهى المطلب ، ج ۵ ، ص ۳۱۳ . وانظر : المغني لابن قدامة ، ج ۱ ، ص ۷۰۹ ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج ۱ ، ص ۶۱۸ ـ ۶۱۹ ؛ تحفة الفقهاء ، ج ۱ ، ص ۲۲۱ ؛ بدائع الصنائع ، ج ۱ ، ص ۲۳۵ .

30.الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .

31.الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .

32.تهذيب الأحكام ، ج ۲ ، ص ۳۳۲ ، ح ۱۳۶۷ ، ومابين الحاصرتين منه ؛ وسائل الشيعة ، ج ۷ ، ص ۲۷۱ ، ح ۹۳۱۲ .

33.سنن أبي داود ، ج ۱ ، ص ۱۷۹ ، ح ۷۷۴ .

34.الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .

35.تهذيب الأحكام ، ج ۲ ، ص ۳۲۸ ، ح ۱۳۴۸ ، ونقل في هامشه عن نسخة زيادة «عن سماعة» ؛ وسائل الشيعة ، ج ۷ ، ص ۲۶۷ ـ ۲۶۸ ، ح ۹۳۰۳ .

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج3
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 171465
صفحه از 550
پرینت  ارسال به