باب العلّة في وضع الزكاة على ما وضع لم يزد ولم ينقص شيء
إنّ العلّة في ذلك علمه سبحانه بكفاية هذا القدر المقرّر لمعونة الفقراء ونظرائهم من أصناف المستحقّين .
قوله : (عن ابن إسماعيل الميثمي) . [ح 2/5764] الظاهر أنّه عليّ بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم بن يحيى التمّار ، وهو من وجوه المتكلِّمين من أصحابنا، وأوّل مَن تكلّم على مذهب الإماميّة رضي اللّه عنهم ، وصنّف كتباً في الإمامة ، وكلّم أبا الهذيل العلّاف والنظّام في الإمامة. ۱
ويحتمل أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم التمّار ، وهو واقفي موثّق. ۲
ولا يضرّ ضعف السند بسلمة بن الخطّاب ۳ والحسن بن راشد ۴ ؛ لقوة دلالة المتن على أنّه من كلام المعصوم عليه السلام .
ومحصّل سؤال المنصور أنّ الواجب في النصاب الأوّل إنّما كان في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله خمسة دراهم فلِمَ صار اليوم سبعة ؟ وعجز الفقهاء عن جوابه ، إنّما كان لأنّهم حسبوا أنّ دراهم النصاب الأوّل في ذلك اليوم كان باقياً على ما كان في عهده صلى الله عليه و آله .
وملخّص جوابه عليه السلام : أنّ عدد الواجب كما تغيّر اليوم فقد تغيّر دراهم النصاب أيضاً ، وذلك لتغيّر وزن الدرهم؛ إذ الدرهم كان في عهده صلى الله عليه و آله موازناً لستّة دوانيق كما صرّح به العلّامة في المنتهى ، قال :
الدراهم في بدو الإسلام كانت على صنفين : بغلية وهي السود ، وطبرية ، وكانت السود كلّ درهم منها ثمانية دوانيق ، فجمعها في الإسلام وجُعلا درهمين متساويين ، وزن كلّ درهم ستّة دوانيق ، فصار وزن كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل بمثقال الوقت ، وكلّ درهم نصف مثقال وخمسة ، وهو الدرهم الذي قدّر به النبيّ صلى الله عليه و آله المقادير الشرعيّة في نصاب الزكاة والقطع ومقدار الديات وغير ذلك. ۵
ومثله قال في أكثر كتبه ، ۶ ونحوه قال المحقّق أيضاً في المعتبر. ۷
وفي عهد المنصور نقص من الدرهم سبعاه وكان وزن الدرهم أربعة دوانيق وسبعي دانق ، فكان النصاب الأوّل ـ أعني المئتين ـ موازناً لمئتي درهم وثمانين درهماً بتلك الدراهم الناقصة ، والخمسة في الزكاة موازنة لسبعة دراهم .
وأشار عليه السلام على أنّ الواجب ربع العشر سواء في ذلك النصاب الأوّل وما فوقه ، وبيّن ذلك بالاُوقية ، وقال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله جعل في كلّ أربعين اُوقية اُوقية ؛ لأنّ الاُوقية لم تتغيّر عمّا كان في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله .
قال الجوهري : الاُوقية في الحديث أربعون درهماً، وكذلك كان فيما مضى. ۸
وتمّ الجواب بهذا ، لكنّه عليه السلام أشار إلى معنى آخر زائد عليه بقوله : «وكانت الدراهم خمسة دوانيق» .
وحاصله : أنّ هذا التغيّر المذكور ليس بأوّل تغيير وقع في الإسلام في الدراهم ، بل قد وقع تغيير آخر قبل ذلك بنقص سدس عمّا كان في عهده صلى الله عليه و آله وصار وزن كلّ درهم خمسة دوانيق، فكان نصاب الأوّل مئتين وأربعين درهماً ، والواجب فيه ستّة دراهم و محمّد خالد مثل هذا قطّ تعجّباً منه عليه السلام في توريته في قوله : «إنّي أخبرتك أنّي قرأته ، ولم اُخبرك أنّه عندي»؛ عذراً لعدم إرسال كتاب فاطمة صلوات اللّه عليها .
هذا خلاصة ما ذكره طاب ثراه ، ثمّ قال طاب ثراه : الاُوقية بضمّ الهمزة وشدّ الياء ويجمع على أواقي ، ومنهم مَن أنكر أن يُقال: وقية بفتح الواو . وحكى الجبائي أنّه يقال: وتجمع على وقايا. ۹
وقال الآبي في إكمال الإكمال : قال أبو عبيدة الاُوقية : اسم لوزن مبلغ أربعون درهماً. ۱۰
وبذلك صرّح الجوهري أيضاً ، قال : الاُوقية في الحديث : أربعون درهماً ، وكذلك كان فيما مضى ، فأمّا اليوم فيما يتعارفها الناس ويُقَدِّرُ عليه الأطبّاء فالاُوقية عندهم وزن عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم. ۱۱
وقال صاحب المغرب أيضاً : الاُوقيّة ـ بالتشديدـ : أربعون درهماً ، وهي اُفعولة من الوقاية ؛ لأنّها تقي صاحبها من الضرّ . ۱۲
وقيل : هي فعيلة من الأوق ، وهو الثقل ، والجمع : الأواقي بالتشديد والتخفيف .
وقد صرّح بذلك بعض علمائنا منهم العلّامة ، قال في النهاية : الاُوقية أربعون درهماً. ۱۳
إذا عرفت هذا فنقول : معنى الحديث أنّ في كلّ ألف وستمئة درهم أربعون درهماً ، وهذا مثل قولهم عليهم السلام : «في كلّ ألف درهم خمسة وعشرون درهماً». ۱۴
1.رجال النجاشي ، ص ۲۵۱ ، الرقم ۶۶۱ ؛ خلاصة الأقوال ، ص ۱۷۶.
2.رجال النجاشي ، ص ۷۴ ، الرقم ۱۷۹.
3.رجال النجاشي ، ص ۱۸۷ ، الرقم ۴۹۸؛ خلاصة الأقوال ، ص ۳۵۴.
4.رجال النجاشي ، ص ۳۸ ، الرقم ۷۶؛ خلاصة الأقوال ، ص ۳۳۴ ـ ۳۳۵.
5.منتهى المطلب ، ج ۱ ، ص ۴۹۳.
6.اُنظر: تحرير الأحكام ، ج ۱ ، ص ۳۷۱؛ نهاية الإحكام ، ج ۲ ، ص ۳۴۱.
7.المعتبر ، ج ۲ ، ص ۵۲۹ .
8.صحاح اللغة ، ج ۶ ، ص ۲۵۲۷ (وقي).
9.حكاه عنه في عمدة القاري ، ج ۸ ، ص ۲۵۶.
10.حكاه عنه أيضا ابن عبدالبّر في الاستذكار ، ج ۳ ، ص ۱۲۷.
11.صحاح اللغة ، ج ۶ ، ص ۲۵۲۷ ـ ۲۵۲۸ (وقي).
12.المغرب ، ص ۲۶۸ (وقي).
13.نهاية الإحكام ، ج ۲ ، ص ۳۴۱.
14.الخصال ، ص ۵۳۱، أبواب الثلاثين و ما فوقه ، ح ۹؛ وسائل الشيعة ، ج ۱ ، ص۲۴ ، ح ۲۷.