395
شرح فروع الکافي ج3

شرح فروع الکافي ج3
394

باب المال الذي لا يحول عليه الحول في يد صاحبه

قد اتّفق أهل العلم إلّا نادراً من العامّة على اعتبار الحول في الأنعام والنقدين ، ۱ والأخبار عليه متظافرة من الطريقين ، منها: ما رواه المصنّف قدس سرهفي الباب وفي الأبواب السابقة .
ومنها: ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : «الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحرّكه». ۲
وحكى في المنتهى ۳ عن ابن عبّاس وابن مسعود أنّهما قالا : «إذا استفاد المال زكّاه في الحال، ثمّ تتكرّر بتكرّر الحول ». ۴ وردّه بما رواه الجمهور عن عائشة أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمقال : «لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول». ۵
وعن ابن عبّاس عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «ليس في مال المستفيد زكاة حتّى يحول عليه الحول». ۶
واعلم أنّ الحول المعتبر في الزكاة إنّما هو أحد عشر شهراً هلالية، ويحلّ باستهلال الثاني عشر عند علمائنا على ما نسبه العلّامة في المنتهي ۷ وغيره. ۸
ويدلّ عليه بعض ما اُشير إليه من الأخبار كحسنة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام التي رواها المصنّف في الباب، ۹ وفي حسنة اُخرى عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : رجل كانت له مئة درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده وأهله فراراً من الزكاة فعل ذلك قبل حلّها بشهر؟ فقال : «إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول ووجبت عليه فيها الزكاة». ۱۰
ثمّ ظاهر الخبرين استقرار الوجوب بذلك من غير توقّف على تمام الشهر الثاني عشر من الحول الثاني دون الأوّل، وهو المستفاد أيضاً ممّا رواه المصنّف في باب أوقات الزكاة عن خالد بن الحجّاج الكرخي من قوله عليه السلام : «فإذا حال الحول من الشهر الذي زكّيت فيه فاستقبل بمثل ما صنعت» ، ۱۱ وهو ظاهر الفاء التعقيبيّة في قولهم عليهم السلام : «فإذا حال الحول فزكّه». ۱۲
ويظهر من الشهيد في الدروس توقّفه عليه حيث قال باحتساب الحول الثاني من آخر الثاني عشر، ۱۳ وكأنّه استند في ذلك بأصالة عدم النقل فيما لا نصّ عليه ، وقد توقّف بعض في ذلك لما اُشير إليه من الوجهين ، وضعفهما واضح ، فتدبّر .
قوله في حسنة زرارة : (قلت لأبي جعفر عليه السلام ) الحديث .[ح 4/5836] رواه الشيخ في التهذيب بهذا السند مثله بعينه ، ۱۴ ورواه الصدوق في العلل بسند آخر بزيادة قال في باب نوادر علل الزكاة: أبي رحمه الله قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن معروف، عن أبي الفضل، عن عليّ بن مهزيار، عن إسماعيل بن سهل، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : رجل كانت عنده دراهم أشهر، فحوّلها دنانير، فحالَ عليها منذ يوم ملكها دراهم حولها ، أيُزكّيها؟ قال : «لا» . ثمّ قال : «أرأيت لو أنّ رجلاً دفع إليك مئة بعير وأخذ منك مئتي بقرة، فلبثت عنده أشهراً ولبثت عندك أشهراً، فَمَوَّتَتْ عندك إبله، ومَوَّتَتْ عنده بقرك، أكنتما تزكّيانها؟» فقلت : لا ، قال : «كذلك الذهب والفضّة» . ثمّ قال : «وإن حوّلت برّاً أو شعيراً، ثمّ قلبته ذهباً أو فضّة، فليس عليك فيه شيء، إلّا أن يرجع ذلك الذهب أو تلك الفضّة بعينها أو عينه، فإن رجع ذلك إليك فإنّ عليك الزكاة؛ لأنّك قد ملكتها حولاً» . قلت له : فإن لم يخرج ذلك الذهب من يدي يوماً؟ قال : «إن خلط بغيره فيها فلا بأس، ولا شيء فيما رجع إليك منه» . ثمّ قال : «إن رجع إليك بأسره بعد إياس منه فلا شيء عليك فيه حولاً» .
قال : فقال زرارة عن أبي جعفر عليه السلام : «ليس عليك في النيف شيء حتّى يبلغ ما يجب فيه واحداً، ولا في الصدقة والزكاة كسور، ولا تكون شاة ونصف، ولا بعير ونصف، ولا خمسة دراهم ونصف، ولا دينار ونصف ، ولكن يؤخذ الواحد ويطرح ما سوى ذلك حتّى يبلغ ما يؤخذ منه واحد، فيؤخذ من جميع ماله» .
قال: وقال زرارة وابن مسلم : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «أيّما رجل كان له مال وحالَ عليه الحول فإنّه يزكّيه» . قلت له : فإن وهبه قبل حوله بشهر أو بيوم؟ قال : «ليس عليه شيء إذن» .
قال: وقال زرارة عنه أنّه قال : «إنّما هذه بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوماً في إقامته، ثمّ خرج في آخر النهار في سفر، فأراد بذلك ۱۵ إبطال الكفّارة التي وجبت عليه» ، وقال : «إنّه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة، ولكنّه لو كان يوهبها قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شيء، بمنزلة من خرج ثمّ أفطر، إنّما لا تمنع الحال عليه، فأمّا ما لم يحلّ عليه فله منعه، ولا يحلّ له منع مال غيره فيما قد يحلّ عليه» .
قال زرارة : قلت له : مئتا درهم من خمس اُناس أو عشرة حال عليه الحول وهي عندهم، أيجب عليهم زكاتها؟ قال : «لا ، هي بمنزلة تلك، ليس عليهم شيء حتّى يتمّ لكلّ إنسان منهم مئتا درهم» . قلت : وكذلك في الشاة والإبل والبقر والذهب والفضّة وجميع الأموال؟ قال : «نعم» .
قال زرارة : وقلت له : رجل كانت عنده مئتا درهم، فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله؛ فراراً[بها] من الزكاة فعل ذلك قبل حلّها بشهر، إلى آخرها. ۱۶ رواه المصنّف بعينه. ۱۷
وأنت خبير بتشويش الخبر واضطرابه وتضادّ بعض منها لبعض، بحيث لا يقبل تأويلاً يعتدّ به ، وأظنّ أنّه سقط كلام من بعض الرواة في مواضع متعدّدة ، فتأمّل تعرف .
ولا يتكلّف في تأويله فقد قال طاب ثراه في قوله : «إنّما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان» إلى آخره : التمثيل هذا تفصيل للحكم في هذا المقام، وهو أنّه لو وهب قبل الحول لا شيء عليه، مثل من خرج وأفطر، ولو وهب بعده كان عليه الزكاة مثل من أفطر وخرج لإسقاط الكفّارة، فإنّها لا تسقط.
وليس هذا تعليلاً للسابق ولا تنظيراً له ، وكأنّه أشار إلى أنّ في المقام سقط كما أشرنا إليه .
وقال في قوله : «ما أدخل على نفسه أعظم ممّا منع من زكاتها»: حيث وهب كلّ ماله فراراً من إخراج بعضه على وجه الزكاة، فدفع ذلك زرارة وقال: إنّه يقدر على ردّ ماله؛ لأنّه شرط ذلك في عقد الهبة .
أقول : ويمكن أن يكون المعنى ما أدخل على نفسه من فوات ثواب الزكاة وبركة المال، حيث فعل ما يوجب سقوطها أعظم ممّا حصل له من منعها من العشر أو نصفه ، فقال زرارة : وكيف تسقط عنه الزكاة والحال أنّه قادر على ردّ ماله بسبب الشرط المذكور؟ فكأنّه لم يهبها .
وأجاب عليه السلام بأنّ ذلك الشرط فاسد؛ وذلك لمنافاته للهبة، ففيه دلالة على أنّ الشرط الفاسد في ضمن العقد اللازم لا يوجب فساد العقد، بل لا يعتبر ذلك الشرط، وتكون صحّة العقد على حالها .
وقال في ذيل قول زرارة : فإن أحدث فيها قبل الحول، قبل إتمام الحول اللغوي بعد دخول الشهر الثاني عشر لكن لا يلائمه .
وقوله عليه السلام : «إنّما ذلك إذا اشترى بها داراً»، فإنّه إذا دخل الشهر الثاني عشر، فقد وجب فيه الزكاة، إلّا أن يُراد بقوله عليه السلام : «إذا اشترى» قبل دخول الثاني عشر، وفيه بُعد ؛ لأنّ الكلام على وتيرة واحدة ، فتقييد بعضه بالدخول و بعضه بعدمه خلاف الظاهر، ويأتي القول في مسألة الفرار من الزكاة في بابه إن شاء اللّه تعالى .

1.اُنظر: المقنعة ، ص ۲۳۹؛ جامع الخلاف و الوفاق ، ص ۱۲۳؛ الخلاف ، ج ۲ ، ص ۱۲ ، المسألة ۶ ؛ السرائر ، ج ۱ ، ص ۴۲۹ ؛ المجموع للنووي ، ج ۵ ، ص ۳۷۴؛ فتح العزيز ، ج ۵ ، ص ۳۱۵؛ روضة الطالبين ، ج ۲ ، ص ۶ .

2.تهذيب الأحكام ، ج ۴ ، ص ۳۵ ، ح ۹۰؛ وسائل الشيعة ، ج ۹ ، ص ۷۵ ، ح ۱۱۵۵۷؛ و ص ۱۷۰ ، ح ۱۱۷۶۰.

3.منتهى المطلب ، ج ۱ ، ص ۴۸۶. و حكاه أيضا في تذكرة الفقهاء ، ج ۵ ، ص ۵۰ ، المسألة ۳۱.

4.اُنظر: الخلاف ، ج ۲ ، ص ۱۲، المسألة ۶ ؛ المجموع للنووي ، ج ۵ ، ص ۳۶۱؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج ۲ ، ص ۴۹۶؛ الشرح الكبير ، ج ۲ ، ص ۴۵۸.

5.سنن ابن ماجة ، ج ۱ ، ص ۵۷۱ ، ح ۱۷۹۲؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج ۴ ، ص ۹۵؛ المصنّف لابن أبي شيبة ، ج ۳ ، ص ۵۰ ، من قال يزكّيه إذا استفاذ ، ح ۹؛ كنزالعمّال ، ج ۶ ، ص ۲۲۳ ، ح ۱۵۸۶۱.

6.السنن الكبرى للبيهقي ، ج ۴ ، ص ۱۰۴؛ سنن الدارقطني ، ج ۲ ، ص ۷۶ ، ح ۱۸۷۱؛ كنزالعمّال ، ج ۶ ، ص ۳۲۳ ، ح ۱۵۸۵۹ ، و في الجميع: «ابن عمر» بدل «ابن عبّاس».

7.منتهى المطلب ، ج ۱ ، ص ۴۸۷.

8.اُنظر: المعتبر ، ج ۲ ، ص ۵۰۷ .

9.هو الحديث الرابع من هذا الباب.

10.نفس المصدر؛ تهذيب الأحكام ، ج ۴ ، ص ۳۵ ، ح ۹۲؛ وسائل الشيعة ، ج ۹ ، ص ۱۶۳ـ ۱۶۴ ، ح ۱۱۷۴۹.

11.الكافي ، باب أوقات الزكاة ، ح ۱؛ وسائل الشيعة ، ج ۹ ، ص ۱۶۶ ، ح ۱۱۷۵۲.

12.الكافي ، باب ما لا يجب فيه الزكاة ممّا تبت الأرض من الخضر و غيرها ، ح ۳.

13.الدروس الشرعيّة ، ج ۱ ، ص ۲۳۲ ، الدرس ۶۱ .

14.تهذيب الأحكام ، ج ۴ ، ص ۳۵ ، ح ۹۲؛ وسائل الشيعة ، ج ۹ ، ص ۱۵۲ ، ح ۱۱۷۲۱.

15.في المصدر: «فأراد بسفره ذلك».

16.علل الشرائع ، ص ۳۷۴ ـ ۳۷۵ ، الباب ۱۰۳ ، ح ۱.

17.هو الحديث الرابع من هذا الباب.

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج3
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 174869
صفحه از 550
پرینت  ارسال به