429
شرح فروع الکافي ج3

شرح فروع الکافي ج3
428

باب أدب المصدّق

قد عرفت أنّ المصدّق على صيغة الفاعل من التفعيل إنّما يطلق على آخذ الصدقات وهو العامل ، وأمّا مُعطيها فيُقال له: المتصدّق على صيغة الفاعل من المتفعّل ، والمصّدق بتشديد الصاد أيضاً . على أنّ أصله المتصدّق فقُلبت التاء صاداً واُدغمت. ۱
قوله في حسنة بُريد بن معاوية : (ثمّ احدر كلّما اجتمع عندك من كلّ نادي إلينا) إلى آخره .[ح1/5866] «إلينا» متعلّق ب «أحدر» على وزن اضرب . قال الجوهري : يُقال: حدرت السفينة أحدرها، إذا أرسلتها إلى أسفل ، ولا يقال أحدرتها. ۲
وقال الجوهري : يُقال أوعزت إليه في كذا، أي تقدّمت، وكذلك وعزّت إليه توعيزاً ، وقد يخفّف فيُقال: وعزت إليه وعزاً. ۳ والمصر ۴ ـ على ما قال ابن السكّيت ـ : حلب كلّ ما في الضرع .
وقال ابن إدريس رضى الله عنه :
سمعت من يقول: ترويح وتغبق بالغين المعجمة والباء، ويعتقد أنّه من الغبوق، وهو الشرب بالعشيّ ، وهذا تصحيف فاحش وخطأ قبيح، وإنّما هو بالعين غير المعجمة والنون المفتوحة، وهو ضرب من سير الإبل[و هو سير] شديد .
والمعنى : أنّه لا يُعدل بهنّ عن نبت الأرض إلى جوادّ الطرق في الساعات التي فيها راحة، ولا في الساعات التي فيها مشقّة ، ولأجل هذا قال : تريح من الراحة، ولو كان من الرواح لقال: تروح، وما كان يقول تريح ۵ ؛ ولأنّ الرواح يكون عند العشي أو قريب منه ، والغبوق: هو شرب العشي فلم يبق له معنى ، وأنّ المعنى ما قلناه. ۶
وقال الجوهري : يُقال : سحت الشاة تسيح بالكسر سحوحاً وسحوحة سمنت ، وغنم سِحاح. ۷
قوله : (عن محمّد بن خالد) . [ح5/5870] هو محمّد بن خالد بن عبداللّه البجلي الكوفي الذي ولّاه المنصور المدينة، وهو مجهول الحال. ۸
قوله في خبر عبداللّه بن زمعة : (من بلغت عنده [من الإبل] صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقّة، فإنّه تُقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إلى عشرين درهماً) إلى آخره . [ح7/5872] ومثله ما روي من طريق العامّة عن أنس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «ومَن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقّة، فإنّها تُقبل منه الحقّة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً ، ومَن بلغت عنده صدقة الحقّة وليست عنده إلّا بنت لبون فإنّها تقبل منه بنت لبون، ويعطي شاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت صدقة بنت لبون وعنده حقّة فإنّها تُقبل منه الحقة، ويعطيه المصدّق عشرين درهماً أو شاتين ، ومَن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض، فإنّها تقبل منه بنت مخاض، ويعطي المصّدق معها عشرين درهماً أو شاتين. ۹
والحكم هو المشهور بين الأصحاب، منهم الصدوق رضى الله عنهفي الفقيه ، ۱۰ بل قال في المنتهى : «ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال الشافعي والنخعي وأحمد ومالك». ۱۱ ونقل في المختلف ۱۲ عن عليّ بن بابويه، ۱۳ وعن أبيه في المقنع رضي اللّه عنهما أنّهما جعلا التفاوت بين بنت المخاض وبنت اللبون شاة يأخذها المصدّق أو يعطيها ، ۱۴ وكأنّه إنّما جعل الشارع عشرين درهماً معادلاً للشاتين ؛ لأنّ قيمة الشاة كان في ذلك العصر عشرة دراهم ، ويؤيّده جعل عشرة آلاف درهم في باب الديات معادلاً لألف شاة، حيث جعلت دية النفس مئة من الإبل، أو مئتا بقرة، أو مئة حلّة، أو ألف ديناراً، أو ألف شاة، أو عشرة آلاف درهم .
ونقل في المنتهى ۱۵ عن الثوري أنّه جعل التخيير بين الشاتين وعشرة دراهم ۱۶ محتجّاً بأنّ قيمة الشاة في الشرع خمسة دراهم؛ مستنداً في ذلك بأنّ نصاب الغنم أربعون ونصاب الدراهم مئتان ، وبما رواه عاصم بن ضمرة، عن عليّ عليه السلام أنّه قال : «إذا أخذ الساعي مِن الإبل سنّاً فوق سنّ أعطى شاتين أو عشرة دراهم». ۱۷
والجواب عن الأوّل: أنّ التساوي في القيمة غير معتبر في نصب الأشياء التسعة الزكوية؛ لما نرى أنّ أوّل نصب الإبل خمسة وأوّل نصابي الذهب عشرون ديناراً ، مع أنّ البعير ليس مقوّماً بأربعة دنانير بل مقوّماً بعشرة، كما يظهر من باب الدية الملازم مساواة أفراد الواجب فيها .
وعن الثاني بأنّ الخبر مع ضعفه معارض بما عرفت .
وزعم أبو حنيفة أنّه يخرج قيمة ما وجب عليه أو دون السنّ الواجبة مع التفاضل من الدراهم أيّ قدر كان؛ للجمع بين الحقّين. ۱۸
ثمّ المشهور أنّه مع التفاوت بأكثر من درجة يعتبر القيمة السوقيّة وهو الظاهر؛ لعدم نصّ فيه، فليعتبر قيمة ما وجب عليه أيّاً ما كان .
وقال أبو الصلاح على ما نُقل عنه : «إنّه يتضاعف الجبران الشرعي ، فلو وجب عليه بنت مخاض وعنده حقّة دفعها واستردّ أربع شياه أو أربعين درهماً، وبالعكس يدفع بنت مخاض وأربع شياه أو أربعين درهماً، وعلى هذا القياس في البواقي». ۱۹
وهو ظاهر الشيخ في المبسوط حيث قال : «ويجوز النزول من الجذعة إلى بنت المخاض والصعود من بنت المخاض إلى الجذعة على ما قدّر في الشرع بين الأسنان». ۲۰
واستقربه العلّامة في المختلف ، ۲۱ ولو استغربه لكان أقرب .
هذا ، وظاهر هذه الأخبار تعيّن هذه التبادل في الأنعام وعدم إجزاء قيمة ما وجب عليه من جنس آخر ، وأمّا غير الأنعام من الأجناس الزكويّة فقد دلّ على جواز إخراج قيمة ما وجب عليه فيها من جنس آخر صحيحة البرقي، قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام : هل يجوز ـ جعلت فداك ـ أن يخرج ما يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما تسوى أم لا يجوز إلّا أن يخرج من كلّ شيء ما فيه؟ فأجابه عليه السلام : «أيّما تيسّر يخرج». ۲۲
وصحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن الرجل يعطي من زكاته عن الدراهم دنانير وعن الدنانير دراهم بالقيمة ، أيحلّ ذلك له؟ قال : «لا بأس». ۲۳
وبهذا التفصيل ذهب المفيد قدس سره حيث قال في المقنعة :
ولا بأس بإخراج الذهب عن الفضّة بالقيمة وإخراج الفضّة عن الذهب بالقيمة، وإخراج الشعير عن الحنطة بقيمتها وإخراج الحنطة عن الشعير بقيمته ، ولا يجوز إخراج القيمة في زكاة الأنعام إلّا أن تعدم الأسنان المخصوصة في الزكاة. ۲۴
إلّا أنّ ظاهره جواز إخراج القيمة مع فقد الأسنان المخصوصة ولو من غير الإبل، والأولى الاقتصار على مورد النصّ، فيخصّ التبادل في النقدين أحدهما بالآخر ، وكذا في الحنطة والشعير، وفي الإبل سنّاً منها بسنّ آخر منها كما هو مدلول النصّ، وعدم جواز التبادل في التمر والزبيب والبقر والغنم مطلقاً ، إلّا إذا تعذّر ما وجب عليه؛ لأنّ الزكاة إنّما تتعلّق بالأعيان ، والواجب شرعاً إنّما يكون منها، فتبديلها بغيرها يحتاج إلى دليل يعتدّ به .
وحكى في المختلف عن السيّد المرتضى ۲۵ وابن إدريس ۲۶ جواز أخذ القيمة في الجميع ، واستوجهه محتجّاً بأنّ المقصود دفع حاجة الفقير، وهو يحصل بدفعها أيضاً ، وبأنّ الصحيحين يدلّان على جواز دفع القيمة في غير الأنعام ، فينبغي أن يجوز فيها أيضاً ؛ لأنّ إخراج القيمة إمّا أن يكون محصّلاً للمصالح المطلوبة شرعاً من الزكاة أو لا ، فإن كان الأوّل أجزأ مطلقاً، وإن كان الثاني امتنع مطلقاً. ۲۷
وهذا القول هو ظاهر ابن الجنيد، فإنّه قال على ما حكى عنه في المختلف : «ولا بأس بأن يخرج عن الواجب من الصدقة ذهباً وورقاً بقيمة الواجب يوم أخذه». ۲۸

1.صحاح اللغة ، ج ۴ ، ص ۱۵۰۶ ـ ۱۵۰۷ (صدوق).

2.صحاح اللغة ، ج ۲ ، ص ۶۲۵ (حدر).

3.صحاح اللغة ، ج ۳ ، ص ۹۰۱ (وعز).

4.ترتيب إصلاح المنطق، ص ۳۴۵؛ صحاح اللغة، ج ۲، ص ۸۱۷ (مصر).

5.المثبت من المصدر، و في الأصل: «ترويح».

6.السرائر ، ج ۱ ، ص ۴۶۵.

7.صحاح اللغة ، ج ۱ ، ص ۳۷۳ (سحح).

8.اُنظر: رجال الطوسي ، ص ۲۸۱ ، الرقم ۴۰۷۰.

9.صحيح البخاري ، ج ۲ ، ص ۱۲۳؛ سنن ابن ماجة ، ج ۱ ، ص ۵۷۵ ، ح ۱۸۰۰؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج ۴ ، ص ۸۵ ؛ صحيح ابن حبّان ، ج ۸ ، ص ۵۸ ؛ سنن الدارقطني ، ج ۲ ، ص ۹۸ ، ح ۱۹۵۶.

10.الفقيه ، ج ۲ ، ص ۲۳ ، ذيل ح ۱۶۰۴.

11.منتهى المطلب ، ج ۱ ، ص ۴۸۳. و انظر: المغني لابن قدامة ، ج ۲ ، ص ۴۵۶ ـ ۴۵۷؛ المجموع للنووي ، ج ۵ ، ص ۴۰۵ و ۴۱۰.

12.مختلف الشيعة ، ج ۳ ، ص ۱۷۵.

13.فقه الرضا عليه السلام ، ص ۱۹۶ ـ ۱۹۷.

14.المقنع ، ص ۱۵۸.

15.منتهى المطلب ، ج ۱ ، ص ۴۸۳ ـ ۴۸۴.

16.المغني، ج ۲، ص ۴۵۷؛ الشرح الكبير، ج۲، ص ۴۹۰.

17.المصنّف لعبد الرزّاق ، ج ۴ ، ص ۳۹ ، ح ۶۹۰۲ .

18.تذكرة الفقهاء ، ج ۵ ، ص ۶۷ ؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج ۲ ، ص ۴۵۷؛ الشرح الكبير ، ج ۲ ، ص ۴۹۰.

19.الكافي في الفقه ، ص ۱۶۷. و حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج ۳ ، ص ۱۷۶ ـ ۱۷۷ ، اللفظ له.

20.المبسوط ، ج ۱ ، ص۱۹۵.

21.مختلف الشيعة ، ج ۳ ، ص ۱۷۷.

22.الكافي ، باب الرجل يعطي عن زكاته العوض ، ح۱؛ الفقيه ، ج ۲ ، ص ۳۲ ، ح ۱۶۲۳؛ تهذيب الأحكام ، ج ۴ ، ص ۹۵ ، ح ۲۷۱؛ وسائل الشيعة ، ج ۹ ، ص ۱۶۷ ، ح ۱۱۷۵۳.

23.الكافي ، باب الرجل يعطي عن زكاته العوض ، ح ۲؛ الفقيه ، ج ۲ ، ص ۳۱ ، ح ۱۶۲۲؛ تهذيب الأحكام ، ج ۴ ، ص ۹۵ ، ح ۲۷۲؛ وسائل الشيعة ، ج ۹ ، ص ۱۶۷ ، ح ۱۱۷۵۴.

24.المقنعة ، ص ۲۵۳.

25.الانتصار ، ص ۲۱۵؛ جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى ، ج ۲ ، ص ۷۵).

26.السرائر ، ج ۱ ، ص ۴۴۶.

27.مختلف الشيعة ، ج ۳ ، ص ۲۳۰ ـ ۲۳۱.

28.مختلف الشيعة ، ج۳ ، ص ۲۲۹ ـ ۲۳۰.

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج3
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 171499
صفحه از 550
پرینت  ارسال به