459
شرح فروع الکافي ج3

باب أنّه يعطى عيال المؤمنين من الزكاة إذا كانوا صغاراً و يقضي عن المؤمنين الدِّيون من الزكاة

فيه مسألتان:
الاُولى: أجمع الأصحاب على جواز دفع الزكاة إلى أطفال المؤمنين، ۱ وبه قال أكثر العامّة. ۲
ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى إطلاق الكتاب والسنّة ـ ما رواه المصنّف قدس سرهفي هذا في الحسن عن أبي بصير، ۳ وعن أبي خديجة، ۴ وهو سالم بن مكرم، وقد اختلف كلام الأصحاب في توثيقه وتضعيفه، ۵ واستقرب في الخلاصة التوقّف في قبول روايته؛ للتعارض، ۶ وظاهر الأدلّة جواز تسليمها إليهم، ولا يبعد جوازه إذا علم أنّهم يصرفونها في المباحات، وقد صرّح به بعض الأصحاب.
وصرّح العلّامة في التذكرة بعدم جواز دفعها إليهم وإن كانوا مميّزين مستدلّاً بأنّ الصغير ليس محلّاً لاستيفاء ماله من الغرماء، فكذا هنا، واشترط دفعها إلى الأولياء أو من يقوم مقامهم في القيام باُمورهم. ۷
وكذا الظاهر جواز دفعها إليهم، أي وإن كان آباؤهم فسّاقاً واشترطنا العدالة في المستحقّ كما صرّح به السيّد المرتضى رحمه الله ۸ واستحسنه العلّامة في المنتهى محتجّاً بأنّ الأولاد في حكم آبائهم في الإيمان والكفر لا في جميع الأحكام. ۹
وقال الشيخ قدس سره:
و هذاـ يعني جواز إعطائها الأطفال ـ إنّما يتمّ إذا لم نعتبر العدالة في المستحقّ، أمّا لو اعتبرناها أمكن عدم الجواز مطلقاً؛ لعدم اتّصافهم بها، والجواز؛ لأنّ المانع الفسق وهو منفيّ عنهم. ۱۰
الثانية: لقد أجمعوا أيضاً على جواز قضاء ديون المؤمنين منها إذا كانت في غير معصية، ۱۱ أحياء كانوا أم أمواتاً، من سهم الغارمين وإن كانوا واجبي النفقة للمعطي، وإليه ذهب أكثر العامّة ۱۲ ؛ لعموم الآية في الغارمين، وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، ۱۳ ولما روي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنّه قال: «قضى ما عليه من سهم الغارمين إذا أنفقه في طاعة اللّه عزّ وجلّ، وإذا كان أنفقه في معصية اللّه فلا شيء له على الإمام». ۱۴
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم عن العالم عليه السلام : «الغارمون قومٌ قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف، فيجب على الإمام أن يقضي عنهم». ۱۵
ولحسنة زرارة قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل حلّت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دين، أيؤدّي زكاته في دين أبيه وللابن مالٌ كثير؟ فقال: «إن كان أبوه أورثه مالاً ثمّ ظهر عليه دَين لم يعلم به يومئذٍ فيقضيه عنه، قضاه من جميع الميراث ولم يقضه من زكاته، وإن لم يكن أورثه مالاً لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دَين أبيه، فإذا أدّاها من دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه». ۱۶
ويؤيّدها الأخبار الواردة في قصاص الزكاة بالدَّين، وسيأتي في مقامه.
واعلم أنّ مهور النساء مطلقاً داخل تحت الدِّيون؛ لعدم مخصّص، خلافاً لابن الجنيد رحمه اللهحيث منع من قضائها إذا كان بالأزواج غنى عنهنّ؛ محتجّاً بأنّ فيه نوع إسراف فلا يعطى؛ لما مرّ في بعض الأخبار من اشتراط عدم صرف الدّين إسرافاً. ۱۷
واُجيب بمنع كونه إسرافاً، والمشهور بينهم أنّه إنّما يجوز قضاء دين الميّت عنها إذا لم يكن له تركة كما يدلّ عليه هذه الحسنة، وصرّح به ابن الجنيد ۱۸ والشيخ في المبسوط. ۱۹
وقال في المختلف: «لا يعتبر ذلك؛ لعموم الأمر باحتساب الدَّين على الميّت من الزكاة، ولأنّه بموته انتقلت التركة إلى ورثته، فصار في الحقيقة عاجزاً». ۲۰ وضعفه ظاهر. ۲۱
وإن صرفوها في المعصية فظاهر العلّامة في المنتهى إجماع الأصحاب على عدم جواز قضائها من سهم الغارمين مطلقاً وإن تابوا، ۲۲ واحتجّ عليه بإطلاق الروايتين المذكورتين عن الرضا والعالم عليهماالسلام. ۲۳
وربّما استدلّ عليه بقبح إعانة المستدين في المعصية، وبأنّ قضاء دينه إغراء بالغارم على المعصية؛ لأنّه إذا علم أنّه يقضى عنه عاود الاستدانة للمعصية، ولكن جوّزه المحقّق في المعتبر ۲۴ مع التوبة، ومنشأوه اطّراحه للخبرين؛ لإرسالهما وعدم وقوعهما مسندة في شيء من الاُصول، وعدم اعتماده على الأدلّة العقليّة.
على أنّها إنّما تتمّ مع عدم التوبة؛ ولإطلاق باقي الأخبار، وبه قال الشافعي أيضاً. ۲۵
وإن جهل حالهم، هل صرفوها في المعصية أو في الطاعة؟ فالمشهور بين الأصحاب جوازه من سهم الغارمين؛ حملاً لتصرّف المسلم على المشروع ۲۶ وإطلاق الأخبار مع عدم مخصّص صالح.
ومنعه الشيخ؛ لما رواه عن رجل من أهل الجزيرة عن الرضا عليه السلام قال: قلت: فهو لا يعلم في ماذا أنفقه، في طاعة اللّه أم في معصية اللّه ؟ قال: «يسعى في ماله فيردّه عليه وهو صاغر». ۲۷
ولاشتراط العلم بانفاقها في الطاعة.
وردّ الأوّل بالإرسال، والثاني بالمنع، فإنّ ما يدلّ على اعتبار الصرف في الطاعة على تقدير التسليم لا يدلّ على اعتبار العلم، بل ظاهره كفاية الظنّ، وهو حاصل فيما إذا لم يعلم صرفها في المعصية بناءً على حمل أفعال المؤمنين على الصحّة.
ثمّ المشهور بين الأصحاب جواز قضائها وإن صرفت في المعصية من سهم الفقراء بعد التوبة أو قبلها بناءً على الخلاف في اشتراط العدالة في الفقير، ومن سهم سبيل اللّه وإن لم يتب. ۲۸
وذهب أحمد من العامّة إلى عدم جواز قضاء الدَّين عن الميّت مطلقاً محتجّاً بأنّ الغارم هو الميّت ولا يمكن الدفع إليه، والغريم ليس بغارم. ۲۹
واُجيب عنه بأنّ القصد من سهم الغارمين إبراء ذمّة الغارم لا التمليك، ولهذا يجوز للإمام أن يقضي دين الغارم من غير أن يدفعها إليه، والإبراء متحقّق هاهنا. ۳۰

1.اُنظر: المقنعة ، ص ۲۵۹؛ النهاية ، ص ۱۸۶؛ السرائر ، ج۱ ، ص ۴۶۰؛ شرائع الإسلام ، ج۱ ، ص ۱۲۳؛ تذكرة الفقهاء ، ج۵ ، ص ۲۷۹ ؛ مسالك الأفهام ، ج۱ ، ص ۴۲۱ ـ۴۲۲؛ مدارك الأحكام ، ج۵ ، ص ۲۴۰ ـ ۲۴۱.

2.اُنظر: المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج۲ ، ص ۵۱۰ ؛ المجموع للنووي ، ج۶ ، ص ۱۵۹؛ روضة الطالبين ، ج۲ ، ص ۷۶ ـ ۷۷؛ كشف القناع ، ج۴ ، ص ۳۶۴.

3.هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.

4.هو الحديث الثالث من هذا الباب.

5.قال النجاشي في رجاله ، ص ۱۸۸ ، الرقم ۵۰۱: «ثقة ثقة». وضعفّه الشيخ في الفهرست ، ص ۱۴۱ ، الرقم ۳۳۷؛ و ابن شهر آشوب في معالم العلماء ، ص ۹۲ ، الرقم ۳۸۱.

6.خلاصة الأقوال ، ص ۳۵۴ ـ ۳۵۵.

7.تذكرة الفقهاء ، ج۵ ، ص ۲۷۹ ـ ۲۸۰.

8.حكاه عنه ابن إدريس في السرائر ، ج۱ ، ص ۴۶۰.

9.منتهى المطلب ، ج۱ ، ص ۵۲۴ .

10.لم أعثر عليه في كتب الشيخ ، و هذه العبارة بعينها موجودة في مسالك الأفهام للشهيد الثاني ، ج۱ ، ص ۴۲۱ ـ ۴۲۲. فيحتمل أن يكون كلمة «الشيخ» مصحّفا عن كلمة «الشهيد».

11.اُنظر: المبسوط ، ج۱ ، ص ۲۵۱؛ النهاية ، ص ۳۰۶؛ الوسيلة ، ص ۱۲۹ و ۲۷۴؛ السرائر ، ج۲ ، ص ۳۴؛ المعتبر ، ج۲ ، ص ۵۷۵ ؛ شرائع الإسلام ، ج۱ ، ص ۱۲۲؛ الجامع للشرائع ، ص ۲۸۵؛ كشف الرموز ، ج۱ ، ص ۲۵۴؛ تذكرة الفقهاء ، ج۵ ، ص ۲۵۷؛ شرح اللمعة ، ج۲ ، ص ۴۷؛ مدارك الأحكام ، ج۵ ، ص ۲۲۲.

12.اُنظر: المجموع للنووي ، ج۶ ، ص۲۰۸؛ روضة الطالبين ، ج۲ ، ص ۱۸۰ ، بداية المجتهد ، ج۱ ، ص ۲۲۱؛ تفسير البغوي ، ج۲ ، ص ۳۰۴؛ تفسير الرازي ، ج ۱۶ ، ص ۱۱۲؛ تفسير الجلالين ، ص ۲۵۰.

13.هو الحديث الثاني من هذا الباب.

14.الكافي، كتاب المعيشة ، باب الدين، ح ۵ ؛ تهذيب الأحكام ، ج۶ ، ص ۱۸۵ـ ۱۸۶ ، ح۳۸۵؛ وسائل الشيعة ، ج۱۸ ، ص ۳۳۶ ، ح ۲۳۷۹۶.

15.تفسير القمّي ، ج۱ ، ص ۲۹۹؛ تهذيب الأحكام ، ج۴ ، ص ۴۹ـ۵۰ ، ح ۱۲۹؛ وسائل الشيعة ، ج۹ ، ص ۲۱۱ ـ ۲۱۲ ، ح ۱۱۸۶۲.

16.هذا هو الحديث الثالث من «باب نادر» من كتاب الزكاة من الكافي؛ وسائل الشيعة ، ج۹ ، ص۲۵۰ ، ح ۱۱۹۴۹.

17.حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج۳ ، ص ۲۱۴.

18.حكاه عنه في مختلف الشيعة ، ج ۳ ص ۲۱۲.

19.المبسوط للطوسي ، ج۱ ، ص ۲۵۲.

20.مختلف الشيعة ، ج۳ ، ص ۲۱۲ ، و فيه: «و الأقرب عندي عدم الاشتراط ، لنا عموم الأمر بجواز احتساب الدين...».

21.وجه الضعف تقدثيم الدَّين على الميراث.

22.منتهى المطلب ، ج۱ ، ص ۵۲۱ .

23.وسائل الشيعة ، ج۱۸ ، ص ۳۳۶ ، ح ۲۳۷۹۶.

24.المعتبر ، ج۲ ، ص ۵۷۵ .

25.الخلاف ، ج۲ ، ص ۲۳۵ ، المسألة ۲۰؛ المجموع للنووي ، ج۶ ، ص ۲۰۶.

26.هذا هو الظاهر، و هذه الكلمة في الأصل غير واضحة.

27.النهاية ، ص ۳۰۶. و الحديث في تهذيب الأحكام ، ج۶ ، ص ۱۸۵ ـ ۱۸۶ ، ح ۳۸۵.

28.اُنظر: مدارك الأحكام ، ج۵ ، ص ۲۲۴.

29.المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج۲ ، ص ۵۲۷ ـ ۵۲۸ .

30.المعتبر ، ج۲ ، ص ۵۷۶ ؛ منتهى المطلب ، ج۱ ، ص ۵۲۱ .


شرح فروع الکافي ج3
458
  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج3
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 171377
صفحه از 550
پرینت  ارسال به