479
شرح فروع الکافي ج3

شرح فروع الکافي ج3
478

باب من فرَّ بماله من الزكاة

المشهور بين الأصحاب سقوط الزكاة عمّا يشترط فيه الحول بنقص أحد الشرائط قبل انقضاء الحول ولو كان بفعل المالك؛ فراراً من الزكاة، ۱ وبه قال الشيخ في كتابي الأخبار ۲ والنهاية، ۳ والشيخ المفيد، ۴ ونقل عن السيّد المرتضى في المسائل الطبريّة ۵ وابن البرّاج ۶ وابن إدريس ۷ وابن الجنيد، ۸ ومن العامّة وافقهم الشافعي وأبو حنيفة ۹ ؛ لحسنة عمر بن يزيد وحسنة هارون بن خارجة عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قلت له: إنّ أخي يوسف ولي لهؤلاء القوم أعمالاً أصاب فيها أموالاً كثيرة، وأنّه جعل ذلك المال حليّاً أراد أن يفرّ به من الزكاة، أعليه الزكاة؟ قال: «ليس على الحليّ زكاة، وما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه ومنعه نفسه فضله أكثر ممّا يخاف من الزكاة». ۱۰
وقد سبق ذلك فيما رواه المصنّف قدس سره في باب المال الذي لا يحول عليه الحول من حسنة زرارة لكن فيها تشويش يمنع من العمل بها.
ويؤيّدها إطلاق بعض الأصحاب وعمومها في عدم وجوب الزكاة فيما لم يحلّ الحول على النصاب، وأصالة عدم الوجوب.
وذهب السيّد في الانتصار ۱۱ والشيخ في الجمل ۱۲ إلى وجوبها لو كان التبديل بقصد الفرار منها وإن بادلها بغير جنسها، وبه قال مالك وأحمد. ۱۳
ويدلّ عليه ما رواه الشيخ عن عليّ بن الحسن، عن محمّد بن عبداللّه ، عن محمّد بن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال: قلت له: الرجل يجعل لأهله الحليّ من المئة دينار والمئتي دينار، وأراني قد قلت ثلاثمئة، قال: «ليس فيه الزكاة»، قال: قلت: فإنّه فرَّ به من الزكاة؟ قال: «إن كان فرَّ به من الزكاة [فعليه الزكاة]، ۱۴ وإن كان إنّما فعله ليتجمّل به فليس عليه زكاة». ۱۵
وعن عليّ بن الحسن، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الحليّ فيه زكاة؟ قال: «لا، إلّا ما فرَّ به من الزكاة». ۱۶
والشيخ حملهما تارةً على الاستحباب، وتارةً على ما لو فرَّ به من الزكاة بعد حلول الحول، وأيّده بما ورد في حسنة زرارة التي رواها المصنّف في باب المال الذي لا يحول عليه الحول، من قوله عليه السلام : «صدق أبي عليه السلام عليه أن يؤدّي ما وجب عليه، وما لم يجب فلا شيء عليه فيه». لمّا قال زرارة: قلت: فإنّ أباك قال لي: «مَن فرّ بها من الزكاة فعليه أن يؤدّيها». ۱۷
وأنت خبير بأنّ الخبرين الأوّلين على فرض صراحتهما في الوجوب لا يقبلان المعارضة للأخبار الكثيرة المذكورة؛ لضعفهما لوجود عليّ بن الحسن فيهما، وهو مشترك، ولجهالة طريق الشيخ إلى عليّ بن الحسن بن رباط البجلي، وكذا عليّ بن الحسن الصيرفي، وضعف طريقه إلى عليّ بن الحسن بن فضّال، ۱۸ وكذا إلى عليّ بن الحسن الطاطري ۱۹ مع وجود محمّد بن عبداللّه في سند الأوّل، وهو أيضاً مشترك.
واحتجّ السيّد بإجماع الطائفة، ثمّ قال:
فإن قيل: قد ذكر أبو عليّ بن الجنيد أنّ الزكاة لا تلزم الفارّ منها وذلك ينقض ما ذكرناه.
قلنا: الإجماع قد تقدّم على ابن الجنيد وتأخّر عنه، وإنّما عوّل ابن الجنيد على أخبار رُويت عن أئمّتنا عليهم السلام تتضمّن أنّه لا زكاة عليه إن فرّ بماله، وبإزاء تلك الأخبار ما هو أظهر وأقوى وأوضح طرقاً. ۲۰
وكأنّ الاخبار التي عدّها أوضح طرقاً إشارة إلى الخبرين اللّذين رويناهما عن الشيخ، وقد عرفت حالهما، والإجماع الذي ادّعاه قبل ابن الجنيد وبعده ممنوع؛ لوجود القول بالسقوط قبله وبعده كما عرفت.
وفصّل في المبسوط فذهب إلى عدم السقوط فيما إذا زال السكّة عن النقدين وفيما إذا بادلهما أو بادل الأنعام بغير الجنس للفرار، وبعدم السقوط مطلقاً وإن لم يقصد الفرار إذا بادل إيّاها بجنسها، فقال في موضع:
إذا بادل جنساً بجنس مخالف، مثل: إبل ببقر أو بقر بغنم أو غنم بذهب أو ذهب بفضّة أو فضّة بذهب، استأنف الحول وانقطع حول الأوّل، وإن فعل ذلك فراراً من الزكاة لزمته الزكاة، وإن بادل بجنسه لزمته الزكاة، مثل: ذهب بذهب أو فضّة بفضّة أو غنم بغنم وما أشبه ذلك.
فأمّا سبائك الذهب والفضّة فإنّه لا يجب فيها الزكاة إلّا إذا قصد بذلك الفرار. ۲۱
وكأنّه استند في الشقّ الأوّل بما عرفت في القول الثاني، وقد عرفت حاله، واحتجّ في الشقّ الثاني بما نقل عنه بأنّ من عارض أربعين سائمة بأربعين سائمة يصدق عليه أنّه ملك أربعين سائمة طول الحول، فيجب عليه فيها الزكاة. ۲۲
وفيه: أنّ كلّاً من الأربعينين لم يحلّ عليه الحول.
وقال في الخلاف بلزوم الزكاة على تقدير المبادلة بالجنس، وبسقوطها على تقدير المبادلة بغير الجنس في النقدين، وبسقوطها بالمبادلة مطلقاً من غير فرق فيها بين قصد الفرار وعدمه، حيث قال:
من كان معه نصاب فبادله بغيره لا يخلو أن يبادل بجنس مثله، مثل أن بادل إبلاً بإبل، أو بقراً ببقر، أو غنماً بغنم، أو ذهباً بذهب، أو فضّةً بفضّة، فإنّه لا ينقطع الحول ويبني، وإن كان بغيره مثل أن بادل إبلاً بغنم، أو ذهبا بفضّة، أو ما أشبه ذلك، انقطع حوله، واستأنف حول في البدل الثاني، وبه قال مالك. ۲۳
وقال الشافعي: يستأنف الحول في جميع ذلك، ۲۴ وهو قويّ.
وقال أبو حنيفة فيما عدا الأثمان بقول الشافعي وقولنا،[و] في الأثمان إن بادل فضّة بفضّة أو ذهباً بذهب كما قلناه، ۲۵ ويجيء على قوله إن بادل ذهباً بفضّة أن يبني.
دليلنا: إجماع الفرقة على أنّه لا زكاة في مال حتّى يحول عليه الحول، وإذا بادل لم يحل عليه الحول، وهذا يقوّي ما قلناه من مذهب الشافعي.[و] أمّا ما اعتبرناه من الذهب والفضّة إذا بادل شيئاً منهما بمثله خصصناه بقوله : «في الرقّة ربع العشر» ۲۶ وما يجري مجراه من الأخبار المتضمّنة لوجوب الزكاة في الأجناس، ولم يفصّل بين ما يكون بدلاً من غيره أو غير بدل. ۲۷
ثمّ قال بعد ذلك بفصل كثير:
قد بيّنا أنّه إذا بادل دنانير بدنانير وحال الحول لم ينقطع حول الأصل، وكذلك إن بادل دراهم بدراهم، وإن بادل دراهم بدنانير[أو دنانير بدراهم، أو] بجنس غيرها بطل حول الأوّل.
وقال الشافعي: يستأنف الحول على كلّ حال بادل بجنسه أو بغير جنسه. ۲۸
ثمّ قال: دليلنا ما روي عنهم عليهم السلام أنّهم قالوا: «الزكاة في الدراهم والدنانير» ۲۹ وعدّوا تسعة أشياء، ولم يفرّق بين أن يكون الأعيان باقية أو اُبدلت بمثلها، فيجب حملها على العموم. ۳۰
ولا يخفى أنّ دليله على تقدير التسليم يدلّ على ثبوت الحكم في الجميع، فالتخصيص غير موجّه، وأنت خبير بتشويش كلامه الذي نقلناه أوّلاً، والظاهر أنّ الأقوال المذكورة فيما إذا بقي عين النصاب مع زوال الوصف كجعل الدراهم والدنانير حليّا وسبيكة وأمثالهما أو بقي بدله كما يفهم من الأدلّة ومن قول الشيخ في المبسوط. وأمّا مع زوال العين بلا بدل بنقص النصاب، فالظاهر سقوط الزكاة مطلقاً كما قال في المبسوط:
من نقص ماله من النصاب لحاجةٍ إليه لم تلزمه الزكاة إذا حال الحول، وإن نقصه من غير حاجة فعل مكروهاً، ولا يلزمه شيء إذا كان التنقيص قبل الحول، فأمّا إذا كان نقصه بعد الحول فإنّه تلزمه الزكاة. ۳۱
وادّعى في الخلاف إجماع الأصحاب عليه، حيث قال:
يكره للإنسان أن ينقص نصاب ماله قبل حلول الحول، فراراً من الزكاة وإن فعل وحالَ عليه الحول وهو أقلّ من النصاب فلا زكاة عليه. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي.
وقال بعض التابعين: لا ينفعه الفرار منها، فإذا حالَ عليه الحول وليس معه نصاب أخذنا الزكاة منه. وبه قال مالك. ۳۲
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضاً روي عن النبيّ صلى الله عليه و سلم أنّه قال: «لا زكاة في مالٍ حتّى يحول عليه الحول»، ۳۳ وهذا لم يحل عليه الحول. ۳۴

1.اُنظر: مدارك الأحكام ، ج۵ ، ص ۷۴.

2.الاستبصار ، ج۲ ، ص ۸ ؛ تهذيب الأحكام ، ج۴ ، ص ۹.

3.النهاية ، ص ۱۷۵.

4.المقنعة ،ص ۲۳۵.

5.حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج۲ ، ص ۵۱۱ ؛ و العلّامة في منتهى المطلب ، ج۱ ، ص ۴۹۵.

6.المهذّب ، ج۱ ، ص ۱۵۹ ؛ فإنّه قائل بوجوب الزكاة فيما إذا عمل ذلك فرارا من الزكاة.

7.السرائر ، ج۱ ، ص ۴۴۲.

8.حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج۳ ، ص ۱۵۶.

9.المجموع للنووي ، ج۵ ، ص ۳۶۴ و ۴۶۸؛ فتح العزيز ، ج۵ ، ص ۴۹۳.

10.الكافي ، باب أنّه ليس على الحلي و سبائك الذهب و نقر الفضّة و الجوهر زكاة ، ح ۷؛ تهذيب الأحكام ، ج۴ ، ص ۹ ، ح ۲۶؛ الاستبصار ، ج۲ ، ص ۸ ، ح ۲۳؛ وسائل الشيعة ، ج۹ ، ص ۱۶۰ ـ ۱۶۱ ، ح ۱۱۷۴۴.

11.الانتصار ، ص ۲۱۹.

12.الجمل و العقود ، (الرسائل العشر ، ص ۲۰۵).

13.فتح العزيز ، ج۵ ، ص ۴۹۲؛ المجموع للنووي ، ج۵ ، ص ۴۶۸.

14.اُضيف من المصدر.

15.تهذيب الأحكام ، ج۴ ، ص ۹ ، ح ۲۵؛ الاستبصار ، ج۲ ، ص ۸ ، ح ۲۲؛ وسائل الشيعة ، ج۹ ، ص ۱۶۲ ، ح ۱۱۷۴۶.

16.تهذيب الأحكام ، ج۴ ، ص ۹ ، ح ۲۴؛ الاستبصار ، ج۲ ، ص ۸ ، ح ۲۱؛ وسائل الشيعة ، ج۹ ، ص ۱۶۲ ، ح ۱۱۷۴۷.

17.الحديث الرابع من ذلك الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام ، ج۴ ، ص ۱۰ ، ح ۲۷؛ الاستبصار ، ج۲ ، ص ۸ ـ ۹ ، ح ۲۴؛ وسائل الشيعة ، ج۹ ، ص ۱۶۱ ، ح ۱۱۷۴۵.

18.اُنظر: معجم رجال الحديث ، ج۱۱ ، ص ۳۲۶ ـ ۳۲۷ ، الرقم ۷۹۹۷.

19.اُنظر: معجم رجال الحديث ، ج۱۱ ، ص ۳۴۴ ـ ۳۴۵ ، الرقم ۸۰۱۴ .

20.الانتصار ، ص ۲۱۹.

21.المبسوط للطوسي ، ج۱ ، ص ۲۰۶ ، و الفقرة الأخيرة في ص۲۱۰.

22.اُنظر: المبسوط للطوسي ، ج۱ ، ص ۲۲۲ ـ ۲۲۳.

23.فتح العزيز ، ج۵ ، ص ۴۹۰؛ المحلّى ، ج۶ ، ص ۹۲؛ المدوّنة الكبرى ، ج۱ ، ص ۳۲۰.

24.الاُمّ للشافعي ، ج۲ ، ص ۲۶؛ فتح العزيز ، ج۵ ، ص ۴۸۹ ـ ۴۹۰؛ المجموع للنووي ، ج۵ ، ص ۳۶۰ ـ ۳۶۱؛ روضة الطالبين ، ج۲ ، ص ۴۴؛المبسوط للسرخسي ، ج۲ ، ص ۱۹۷؛ المحلّى ، ج۶ ، ص ۹۲.

25.المحلّى ، ج۶ ، ص ۹۲ ، المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج ۲ ، ص ۴۴۲.

26.مسند أحمد ، ج۱ ، ص ۱۲؛ مسند الشافعي ، ص ۹۰؛ صحيح البخاري ، ج۲ ، ص ۱۲۴؛ سنن أبي داود ، ج ۱ ، ص ۳۵۱ ، ح ۱۵۶۷؛ سنن النسائي ، ج۵ ، ص ۲۳.

27.الخلاف ، ج۲ ، ص۵۵ ـ ۵۶ ، المسألة ۶۴ .

28.الاُمّ للشافعي ، ج ۱ ، ص ۲۶ ، و تقدّم سائر تخريجاته آنفا.

29.اُنظر: الكافي، باب فرض الزكاة، ح ۲.

30.الخلاف ، ج۲ ، ص ۹۹ ـ ۱۰۰ ، المسألة ۱۱۵.

31.المبسوط للطوسي ، ج۱ ، ص ۲۰۶.

32.فتح العزيز ، ج۵ ، ص ۴۹۲؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج۲ ، ص ۴۶۱؛ الإنصاف ، ج۳ ، ص ۳۲؛ المغني لابن قدامة ، ج۲ ، ص ۵۲۴ .

33.سنن ابن ماجة ، ج۱ ، ص ۵۷۱ ، ح ۱۷۹۲؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج ۴ ، ص ۹۵؛ سنن الدارقطني ، ج ۲ ، ص۷۷ ، ح ۱۸۷۷. المصنّف لابن أبي شبيه ، ج ۳ ، ص ۵۰ ؛ كنزالعمّال ، ج ۶ ، ص ۳۲۳ ، ح ۱۵۸۶۱.

34.الخلاف ، ج۲ ، ص ۵۶ ـ ۵۷ ، المسألة ۶۵ .

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج3
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 174877
صفحه از 550
پرینت  ارسال به