483
شرح فروع الکافي ج3

باب الرجل يعطي عن زكاته العوض

لا خلاف بين أهل العلم في وجود عوض الزكاة مع فقد عينها، وأمّا مع وجودها فهل يجوز التعويض وإخراج القيمة مهما شاء؟ المشهور بين الأصحاب ـ منهم الشيخ في الخلاف ۱ ـ الجواز محتجّاً عليه بصحيحتي البرقي ۲ وعليّ بن جعفر، ۳ وبإجماع الفرقة.
ويؤيّد بما روي من طريق العامّة عن معاذ أنّه كان يأخذ من أهل اليمن الثياب في الصدقات عوضاً عن الزكاة على سبيل القيمة، وهو كان عاملاً على صدقات اليمن في عهد الرسول صلى الله عليه و آله وزمان عمر، ۴ والظاهر أنّه إنّما فعل ذلك بأمرهما ورضاهما.
واستدلّ بعضهم بأنّ الغرض من وضع الزكاة دفع الخلّة وسدّ الحاجة، وهو يحصل بالقيمة كما يحصل بالعين، وبأنّ الزكاة إنّما شُرّعت معونة للفقراء، وربّما كانت القيمة أنفع في بعض الأوقات، وبمناسبات اُخر، وهذا القول هو منقول عن أبي حنيفة. ۵
وأنت خبير بأنّ الصحيحتين إنّما دلّتا على جواز ذلك في غير الأنعام، والإجماع إنّما وقع عليه، والوجوه العقلية المزبورة لا يتمّ مع تعلّق الزكاة بالعين كما هو مذهب الأصحاب أجمع، فجواز التعويض في الأنعام مع وجودها تحتاج إلى حجّة معتمدة منصوصة، ولم أجد فيه خبراً، بل يظهر من بعض الأخبار عدم الجواز، فقد سبق في خبر عبداللّه بن زمعة أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كتب إليه حين بعثه على الصدقات: «من بلغت عنده من الإبل الصدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقّة، فإنّه يقبل منه الحقّة ويجعل معها شاتين أو عشرين درهماً، ومَن بلغت عنده صدقة الحقّة وليست عنده الحقّة وعنده جذعة، فإنّه يقبل منه جذعة ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً، ومَن بلغت صدقته حقّة وليست عنده حقّة وعنده ابنة لبون، فإنّه يُقبل منه ويعطى معه شاتين أو عشرين درهماً، ومَن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده حقّة، فإنّه يقبل منه ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً، ومَن بلغت صدقته ابنة لبون وليس عنده ابنة لبون وعنده ابنة مخاض، فإنّه يقبل منه ابنة مخاض ويعطى معها شاتين أو عشرين درهماً، ومَن بلغت صدقته ابنة مخاض وليست عنده ابنة مخاض وعنده ابنة لبون، فإنّه يقبل منه ابنة لبون ويعطيه المصدّق شاتين أو عشرين درهماً، ومَن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابنة لبون وليس معه شيء...»، الحديث. ۶
وقد عمل بها الأصحاب وإن اختلفت قيمة البدل والمبدل منه، فإذا لم يعتبر القيمة مع فقد المبدل منه فكيف يعتبر مع وجوده؟!
نعم، قد سبق في باب آداب المصدّق في حكم زكاة الأنعام في خبر محمّد بن خالد عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال: «ثمّ ليأخذ ـ يعني المصدّق ـ صدقته، فإذا أخرجها فليقوّمها فيمن يريد، فإذا قامت على ثمن فإن أراد صاحبها فهو أحقّ بها، وإن لم يردها فليبعها»، ۷ فاحتجّوا به وقالوا: إنّما يكون المالك أحقّ بها لو جاز العدول له إلى القيمة ابتداءً. ۸
وفيه نظر بيّن؛ لأنّ هذا الخبر مع جهالة محمّد بن خالد بن عبداللّه البجلي القسري الكوفي والي المدينة كما يفهم من صدر الخبر، إنّما يدلّ على جواز إخراج القيمة برضا العامل القائم مقام المستحقّين، وهو خارج عن محلّ النزاع.
ولذا فصّل شيخنا المفيد قدس سره وجوّز ذلك في غير الأنعام ولم يجوّز فيها مع وجودها، فقال:
ولا بأس بإخراج الذهب عن الفضّة بالقيمة، وإخراج الفضّة عن الذهب بالقيمة، وإخراج الشعير عن الحنطة بقيمتها، وإخراج الحنطة عن الشعير بقيمته، ولا يجوز إخراج القيمة في زكاة الأنعام إلّا أن تعدم [ذوات] الأسنان المخصوصة في الزكاة. ۹
وهو قويّ، ومنعه الشافعي مطلقاً محتجّاً بأنّه خروج عن المنصوص بغير دليل، ۱۰ وضعفه ظاهر.
واعلم أنّه أجمع الأصحاب وأكثر العامّة على تعلّق الزكاة بالعين لا بالذمّة؛ لظهور الأخبار في ذلك، ويؤيّدها نقصانها بنقص المال وتلفه بعد الحول بغير تفريط.
وذهب الشافعي في أحد القولين، ۱۱ وأحمد في إحدى الروايتين إلى تعلّقها بالذمّة؛ لأنّها لو وجدت في العين لما جاز الإخراج من القيمة إلّا برضا المستحقّ ومَن قام مقامه، ولمنع المالك من التصرّف في العين، وضعفه يظهر ممّا ذكر، وقد استدلّ بوجوه اُخرى أضعف.
قال في المنتهى:
وتظهر الفائدة في مواضع:
الأوّل: فيما إذا حال على النصاب حولان ولم يؤدّ زكاته، فعلى قولنا تسقط زكاة الحول الثاني؛ لنقصان المال عن النصاب فيه بتعلّق حقّ الفقراء بجزءٍ منه، وعلى قول المخالف تجب زكاتان، لعدم النقصان، إذ زكاة الحول الأوّل إنّما تعلّق بذمّة المالك لا بالنصاب.
الثاني: لو كان له أكثر من النصاب فحال عليه الحول ولم يؤدِّ الزكاة وجبت عليه على المذهب المختار زكوات الأحوال حتّى ينقص عن النصاب؛ لحصول الجبران بالعفو وعلى غيره تجب زكاة كلّ حول من تلك الأحوال.
الثالث: لو كان له خمس من الإبل فحالَ عليه حولان، فإن لم يؤدِّ في الأوّل وجبت عليه شاة اُخرى؛ لبقاء النصاب بالإخراج.
وقال بعض العامّة ممّن أوجب الزكاة في العين: لو مضى عليه أحوال لم يؤدّ زكاته وجب عليه شاة عن كلّ سنة؛ لأنّ الفرض يجب من غيرها، وهو خطأ؛ لأنّه لو كان معه خمسة وعشرون وليس معها بنت مخاض وحال عليها أحوال يلزم أن يجب عليه في كلّ سنة بنت مخاض، ولا يقول هو بذلك، بل أوجب للحول الأوّل بنت مخاض، وفي كلّ سنة بعده أربع شياه. ۱۲

1.الخلاف ، ج۲ ، ص ۵۰ ، المسألة ۵۹ .

2.هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.

3.هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.

4.صحيح البخاري ، ج۲ ، ص ۱۲۲؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج ۴ ، ص ۱۱۳.

5.المغني لابن قدامة ، ج۲ ، ص ۶۶۲ ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج۲ ، ص ۵۲۴ ـ ۵۲۵ ؛ المجموع للنووي ، ج۵ ، ص ۴۲۹.

6.الكافي ، باب أدب المصدّق ، ح ۷؛ تهذيب الأحكام ، ج ۴ ، ص ۹۵ ، ح ۲۷۳ ، وسائل الشيعة ، ج ۹ ، ص ۱۲۸ ، ح ۱۱۶۷۷.

7.هو الحديث الخامس من ذلك الباب من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج ۴ ، ص ۹۸ ، ح ۲۷۶ ، وسائل الشيعة ، ج ۹ ، ص ۱۳۲ ، ح ۱۱۶۸۰.

8.اُنظر: منتهى المطلب ، ج۱ ، ص ۵۰۴ .

9.المقنعة ، ص ۲۵۳.

10.الخلاف ، ج۲ ، ص ۵۰؛ المجموع للنووي ، ج۵ ، ص ۴۲۸ و ۴۲۹.

11.فتح العزيز ، ج۵ ، ص ۵۵۱ ؛ المجموع للنووي ، ج۵ ، ص ۳۴۳.

12.منتهى المطلب ، ج۱ ، ص ۵۰۵ ، مع مغايرة في بعض الألفاظ.


شرح فروع الکافي ج3
482
  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج3
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 174890
صفحه از 550
پرینت  ارسال به