487
شرح فروع الکافي ج3

شرح فروع الکافي ج3
486

باب من يحلّ له أن يأخذ من الزكاة ومن لا يحلّ له ومن له المال القليل

قد مرّ الأصناف الثمانية المستحقّين للزكاة، والغرض من الباب بيان الفقر الذي هو منشأ استحقاق الفقراء والمساكين، واختلف الأصحاب في حدّه، فقال الأكثر: الفقير: مَن لا يقدر على مؤونة سنة له ولعياله الواجبي النفقة، لا فعلاً ولا قوّة بحسب حاله وحالهم وحاجته وحاجتهم في التعيّش، والمراد بالقوّة التكسّب، فالاستغناء بالكسب يجري مجرى الاستغناء بالمال، حكاه في المختلف ۱ عن الشيخين ۲ والسيّد المرتضى ۳
وابن البرّاج ۴ وابن الجنيد ۵ وابن إدريس، ۶ بل ادّعى عليه في الخلاف إجماع الفرقة الناجية، ۷ وهو ظاهر الشيخ قدس سرهفي المبسوط. ۸ ونقل عن الشافعي ۹ ومالك ۱۰ وأحمد ۱۱ في إحدى الروايتين عنه، فالدار السكنى والخادم ومتاع البيت والمركوب وما يتعلّق بها وثياب التجمّل وغير ذلك ممّا يحتاج إليه، ومنه كتب العلم للطلبة، غير مناف للاستحقاق وإن كفت مؤونة سنة نصّ عليه الأصحاب.
وقال في التذكرة: «إنّه لا نعلم في ذلك كلّه خلافاً». ۱۲
وحكى في الخلاف عن بعض الأصحاب أنّه يجوّز قطع الزكاة إلى المكتسب، ۱۳ فتأمّل.
ومن كان له ضيعة أو بضاعة أو آلات صنعته للاستنماء ولم يكف نماؤه لمؤونته مع كفاية أصلهما يستحقّ أم لا؟ صرّح الشيخ ۱۴ والمحقّق في النافع ۱۵ والعلّامة في المنتهى ۱۶ وغيرهم ۱۷ من الأصحاب على ما نقل عنهم بالأوّل.
ويدلّ عليه بعض الأخبار المذكورة في هذا الباب.
وإليه مالَ الشهيد الثاني في شرح اللمعة، ۱۸ ولا يخلو عن قوّة.
وذهب بعضهم إلى عدم الاستحقاق ولزوم بيعها والإنفاق منها إلى أن لا يبقى كفاية سنة، فيستحقّ حينئذٍ، وهو ظاهر الشهيد في اللمعة، حيث قال: «ويمنع ذو الضيعة والصنعة إذا نهضت لحاجته»، ۱۹ ويبعد أن يكون مراده نهوض نمائهما كما حمله الشارح قدس سره. ۲۰ وظاهر ابن إدريس أيضاً، قال:
الغني من ملك الأموال ما يكون قدر كفايته لمؤونته طول سنة على الاقتصاد، وأمّا من له مال قليل لا للاستنماء والبضاعة لا يكفي مؤونته ومؤونة عياله فهو مستحقّ إجماعاً، إلّا أن يكون قدر النصاب فستعرفه. ۲۱
وقال في الخلاف: «الغنيّ من ملك نصاباً فيه الزكاة أو قيمته»، ۲۲ ونسبه في المبسوط إلى بعض الأصحاب، ۲۳ ولعلّه تمسّك في ذلك بحسنة أبي بصير، ۲۴ وبه قال أبو حنيفة. ۲۵
وعلى المشهور إن وفى ذلك المال بمؤونته ومؤونة عياله سنة فهو غنيّ غير مستحقّ للزكاة، وإلّا فهو مستحقّ.
وفي رواية عن أحمد أنّه مَن ملك خمسين درهماً أو قيمتها. وبه قال الثوري والنخعي وإسحاق. ۲۶
وعن الحسن وأبي عبيدة أنّه مَن ملك أربعين درهماً، ۲۷ حكاه عنهم في المنتهى. ۲۸
وإذا قصرت الصنعة عن مؤونته فعلى المشهور يجوز أن يعطي دفعة ما زاد على تتمّة كفايته؛ لأنّه مستحقّ فلا يتقدّر العطاء بشيء، وقيل: يحلف على تلفه، ۲۹ ولإطلاق الأخبار.
وفي المختلف: «وقيل: يعطى ما يتمّ كفايته» ثمّ قال:
احتجّ [المخالف] بأنّه مستغن فلا يستحقّ شيئاً، أمّا المقدّمة الاُولى فلأنّا نبحث على تقدير اكتفائه بالمدفوع إليه، وأمّا الثاني فظاهر.
والجواب: أنّ الاستغناء إنّما يكون بعد الدفع، ونحن نمنع حينئذٍ من الإعطاء. ۳۰
قوله في حسنة حريز عن أبي بصير: (يأخذ الزكاة صاحب السبعمئة إذا لم يجد غيره) إلى آخره.[ح1/5965] يعني إذا لم يكف السبعمئة قوت سنة له ولعياله يجوز له أخذ الزكاة بقوله عليه السلام : «فلا يأخذها إلّا أن يكون إذا اعتمد على السبعمئة أنفذها في أقلّ من سنة فهذا يأخذها»، ولعلّ المراد بالزكاة في قول السائل: «قلت: فإنّ صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة»، زكاة التجارة، فالمراد بالوجوب معناه اللغوي في ضمن الندب، ولا يبعد أن يُراد به زكاة الماليّة إن بقيت السبعمئة عنده سنة بصرف ما أخذه من الزكاة في نفقته، وعلى أي حال فالأفضل صرف تلك الزكاة في عياله توسعةً عليهم، وهذا معنى قوله عليه السلام : «زكاته صدقة على عياله»، ويؤكّده ما سيأتي في خبر أبي بصير. ۳۱
قوله في رواية إسماعيل بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي بصير : (فقال: يا أبا محمّد أيربح في دراهمه ما يقوت به عياله ويفضل) ، الحديث.[ح3/5967] ظاهره أنّ من كانت بضاعته ثمانمئة درهم يستحقّ الزكاة إذا لم يكن ربحها زائداً على قوت سنة له ولعياله بقدر نصف مؤونة سنتهم، وهو غريب ولم يعمل بها أحد؛ لمعارضتها لأخبار كثيرة، مع ضعفها من وجوه شتّى: اشتراك عبد العزيز بين الثقة والضعيف والمجاهيل، وجهالة ابنه إسماعيل، وضعف بكر بن صالح، فإنّ الظاهر أنّه بكر بن صالح الرازي كما يظهر من الفهرست حيث قال الشيخ فيه: «بكر بن صالح الرازي روى عن إبراهيم بن هاشم»، ۳۲ وضعّفه النجاشي. ۳۳ وقال في الخلاصة: «هو ضعيف جدّاً، كثير التفرّد بالغرائب». ۳۴
أقول: وكان هذا الحديث من جملة غرائبه، ولابدّ من حمل القوت فيه على ما يسدّ الرمق، وقد نقل ذلك المعنى عن أهل اللغة، فقد قال طاب ثراه: «القوت ما كفا الجهد». ۳۵ وقال المارزي: قال أهل اللغة: هو ما يسدّ الرمق ۳۶ وقريب منه ما ذكر في الصحاح قال: «قات أهله يقوتهم قوته وقياتة، والاسم القوت: وهو ما يقوم به بدن الإنسان من الطعام». ۳۷
وظاهر أنّ ذلك غير معتبر في استحقاق الزكاة، وإنّما المعتبر عدم كفاية ما عنده من مؤونة أمثاله، أو يقال: إنّ اشتراط الزيادة عن القوت لأجل الكسورة؛ ففي شرح الفقيه: «يمكن أن يكون نصف القوت لأجل الكسورة أو لغير القوت من الضروريّات التي يكون غالباً في بلادنا ضعف القوت، وفي بلاد العرب تكون أخفّ». ۳۸
قوله في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج: (إن كانوا لا يوسّعون عليه في كلّ محتاج إليه) . [ح 5/5969] لا يشترط ذلك في جواز أخذ الزكاة في صورة إنفاق غير الأب عليه من المنفقين المذكورين، بل يجوز له أخذها وإن كانوا يوسّعون عليه؛ لعدم وجوب نفقته عليهم.
وهو المشهور بين العامّة أيضاً، وحكي عن أحمد في إحدى الروايتين عنه عدم جواز أخذ الزكاة عليه؛ محتجّاً بأنّه يستغني عن تحمّل المؤونة لو أخذها، فيعود النفع على المنفق. ۳۹ وضعفه ظاهر.
وأمّا الأب فإن كان ينفق عليه في كلّ ما يحتاج إليه فلا يجوز له أخذ الزكاة، وإلّا فيجوز للتوسّع؛ لوجوب نفقة الإبن عليه، وفي حكمـ[ـه] عكسه؛ لوجوب إنفاق الوالد على الولد أيضاً، ولا يبعد القول بجواز أخذ الزكاة فيه أيضاً مطلقاً؛ لأنّ وجوب نفقة الأقارب ليس كوجوب نفقة الزوجة وأضرابها، فإنّ وجوب نفقة الأقارب ليس إلاّ لدفع الضرر عن المنفق عليه لا في نفسه بخلاف نفقة الزوجة، ولذلك تسقط لو أنفقوا بالاستقراض ونحوها، بخلاف نفقة الزوجة، فينبغي أن يكون كالمنفق عليه تبرّعاً، بل لا يبعد القول بجواز أخذ الزكاة من المنفق أيضاً وإن كان المنفق يدفع بذلك الإعطاء وجوب النفقة عن نفسه؛ إذ لا دليل على عدم جواز ذلك الدفع، ولا دليل أيضاً على عدم جوازه إذا عاد النفع إليه، كما لو دفع الزكاة إلى مديونه ويدفعها إليه من دينه.
وفي المنتهى:
الولد إذا كان مكتفياً بنفقة أبيه أو الأب المكتفي بنفقة الولد، هل يجوز له أخذ الزكاة؟ أمّا منه فلا إجماعاً؛ لأنّه يدفع بذلك وجوب الإنفاق عليه، وأمّا من غيره فالأقرب عندي الجواز؛ لأنّه فقير، ويؤيّده ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبدالرحمن بن الحجّاج، ۴۰ ـ وذكر الخبر بعينه ثمّ قال: ـ وفيه إشكال، وإلّا فيجوز؛ للتوسّع. ۴۱
قوله في صحيحة معاوية بن وهب: (أيكبّ فيأكلها كلّها ولا يأخذ الزكاة) . [ح6/5970] يُكبّ من باب الإفعال، قال ابن الأثير: «يُقال: أكب الرجل يُكبّ على عمله، إذا لزمه». ۴۲ والضمير المجرور للدراهم، يعني أيلازم دراهمه وينفقها ولا يأخذ الزكاة، أو يجعلها بضاعة ويأخذ الزكاة وينفق منها ولا ينفق بضاعته؟
قوله في موثّق إسحاق بن عمّار: (وإنّما يستبضعها) . [ح8/5972] البضاعة: طائفة من مالك تبعثها للتجارة، تقول أبضعت الشيء واستبعضته، أي جعلته بضاعة. ۴۳

1.مختلف الشيعة ، ج۳ ، ص ۲۲۱.

2.قاله المفيد في المعقنة، ص ۲۴۱، و الطوسي في المبسوط، ج۱، ص ۲۴۷.

3.جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى ، ج۳ ، ص ۷۹).

4.المهذّب ، ج۱ ، ص ۱۷۰.

5.لم أعثر عليه في غير مختلف الشيعة.

6.السرائر ، ج۱ ، ص ۴۶۱ ـ ۴۶۲.

7.الخلاف ، ج۴ ، ص ۲۳۰ ـ ۲۳۱.

8.المبسوط ، ج۱ ، ص ۲۴۷.

9.الاُم للشافعي ، ج۲ ، ص ۹۱؛مختصر المزني ، ص ۱۵۶؛ المجموع للنووي ، ج۶ ، ص ۱۹۰.

10.المعتبر ، ج۲ ، ص ۵۶۶ ؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج۲ ، ص ۵۲۳ .

11.المغني لابن قدامة ، ج۲ ، ص ۵۲۳ ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج ۲ ، ص ۶۹۳ .

12.تذكرة الفقهاء ،ج۵ ، ص ۲۷۵ ، المسألة ۱۸۸، و لفظه: «لا نعلم فيه خلافا».

13.الخلاف ، ج۴ ، ص ۲۳۰ ، و لم أعثر على قائله.

14.المبسوط للطوسي ، ج۱ ، ص ۲۵۶.

15.المختصر النافع ، ص ۵۸ .

16.منتهى المطلب ، ج۱ ، ص ۵۱۸.

17.منهم الشهيد في الدروس الشرعيّة ، ج۱ ، ص ۲۴۰ ، الدرس ۶۴ .

18.شرح اللمعة ، ج۲ ، ص ۴۵.

19.اللمعة الدمشقيّة ، ص ۴۳.

20.شرح اللمعة ، ج۲ ، ص ۴۵.

21.السرائر ، ج۱ ، ص ۴۶۲ مع مغايرة في اللفظ.

22.الخلاف ، ج۴ ، ص ۲۳۸ ، المسألة ۲۴.

23.المبسوط للطوسي ، ج۱ ، ص ۲۵۷.

24.هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.

25.المجموع للنووي ، ج۶ ، ص ۱۹۷؛ بداية المجتهد ، ج۱ ، ص ۲۲۰.

26.عمدة القاري ، ج۹ ، ص ۱۸۹؛ فتح الباري ، ج۴ ، ص ۲۶۰؛ تفسير الآلوسي ، ج ۱۰ ، ص ۱۲۰؛ المغني لابن قدامة ، ج ۲ ، ص ۵۲۳ ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج ۲ ، ص ۶۹۲ .

27.المغني لعبد اللّه بن قدامة ، ج ۲ ، ص ۵۲۴ .

28.منتهى المطلب ، ج۱ ، ص ۵۱۷ .

29.اُنظر: شرائع الإسلام ، ج ۱ ، ص ۱۲۰ ـ ۱۲۱؛ مختلف الشيعة ، ج ۳ ، ص ۲۲۲.

30.مختلف الشيعة ، ج ۳ ، ص ۲۲۲.

31.هو الحديث الثالث من هذا الباب.

32.الفهرست ، ص ۸۷ ، الرقم ۱۲۷.

33.رجال النجاشي ، ص ۱۰۹ ، الرقم ۲۷۶.

34.خلاصة الأقول ، ص ۳۲۷.

35.كما قلنا في المقدّمة قائل هذا القول و أمثاله والده قدس سره؛ و لم أعثر عليه.

36.اُنظر: ترتيب كتاب العين ، ج۳ ، ص ۱۵۳۸ (قوت).

37.صحاح اللغة ، ج۱ ، ص ۲۶۱ (قوت).

38.لم أعثر عليه.

39.حكاه عنه العلّامة في منتهى المطلب ، ج۱ ، ص ۵۲۴ ؛ و المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة و البرهان ، ج۴ ، ص ۱۷۳؛ وابن قدامة في المغني ، ج۲ ، ص ۵۱۴ ؛ و عبدالرحمن بن قدامة في الشرح الكبير ، ج ۲ ، ص ۷۱۳.

40.هو الحديث الخامس من هذا الباب.

41.منتهى المطلب، ج ۱، ص ۵۱۹ .

42.النهاية ، ج ۴ ، ص ۱۳۸ (كبب).

43.صحاح اللغة ، ج۳ ، ص ۱۱۸۶ (بضع).

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج3
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 171385
صفحه از 550
پرینت  ارسال به