73
شرح فروع الکافي ج3

باب عزائم السجود

قال الشيخ في الخلاف : «سجدات القرآن خمسة عشر موضعا ، أربعة منها فرض على ما قلناه ». ۱ مشيرا إلى الأربعة المذكورة في كلامه السابق ، فقد قال قبل ذلك :
سجود التلاوة في جميع القرآن مسنون مستحبّ إلاّ أربع مواضع، فإنّها فرض، وهي : سجدة لقمان ، وحم السجدة ، والنجم ، واقرأ باسم ربّك ، وما عداها مندوب للقارئ والمستمع . وقال الشافعيّ : الكلّ مسنون ، وبه قال عمر وابن عبّاس ومالك والأوزاعيّ ، وقال أبو حنيفة : الكلّ واجب على القاري والمستمع . ۲
ثمّ قال :
تفصيلها ـ يعنى تفصيل الخمسة عشر موضعا ـ : في آخر الأعراف ، و في الرعد ، وفي النحل ، وفي بني إسرائيل ، وفي مريم وفي الحجّ سجدتان، وفي الفرقان : «وزادهم نفورا» ، وفي النمل، وفي ألم تنزيل ، وفي حم السجدة ، وفي (ص) ، وفي النجم ، وفي انشقّت ، وفي «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ» .
وبه قال أبو إسحاق وأبو العبّاس بن سريج .
وقال الشافعيّ في الجديد : وسجود القرآن أربعة عشر كلّها مسنونة ، وخالف في (ص) وقال : إنّه سجود شكر لا يجوز فعله في الصلاة .
وقال في القديم : أحد عشر سجدة ، فأسقط سجدات المفصّل ، وهي : سجدة النجم ، وانشقت ، واقرأ باسم ربّك .
وبه قال ابن عبّاس واُبي بن كعب وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيّب وسعيد بن جبير والحسن البصريّ ومجاهد ومالك .
وقال أبو حنيفة : أربع عشر سجدة ، فأسقط الثانية في الحجّ، وأثبت سجدة من (ص). ۳ انتهى .
واختلف الأصحاب في وجوب هذه السجدات الأربع بمجرد السماع بعد ما أجمعوا على وجوبها بالتلاوة .
والسماع : الاستماع ، ذهب إليه الأكثر ، بل ادّعى ابن إدريس عليه الإجماع . ۴
ويدلّ عليه ما رواه المصنّف من خبري أبي بصير ، ۵ وخبر أبي عبيدة ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الطامث تسمع السجدة ، فقال : «إذا كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها». ۶
والأظهر تخصيص هذه الأخبار بالمستمع ؛ لما رواه المصنّف في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان ، ۷ وهو ظاهر ما نقلناه عن الشيخ ، وظاهر العلّامة في القواعد حيث قال في أحكام الحائض : «لو تلت السجدة أو استمعت سجدت ». ۸
وقال المحقّق الشيخ عليّ في شرحه : «يفهم منه عدم وجوب السجدة بالسماع ، وقد صرّح في هذا الموضع » ۹
وبه قال واستقواه والدى طاب ثراه .
هذا ، والأخبار المذكورة تدلّ على عدم اشتراط هذه السجدة بالطهارة ، ويؤيّدها الأصل ، وهو مذهب الشيخ . وقال في النهاية : «ولا يجوز للحائض أن تسجد ». ۱۰
واحتجّ عليه بما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه في الموثّق عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال : «لاتقرأ ولا تسجد» . ۱۱
وحمل في كتابي الأخبار الأوّلة على الاستحباب ، والأخير على جواز الترك، واستبعده العلّامة في المختلف لخروجه عن القولين . ۱۲
وقال طاب ثراه : ولعلّ وجه الخروج أنّ القائل بعدم الاشتراط يوجب السجود ، والقائل بالاشتراط لا يجوّزه.
ويتعدّد السجود بتكرّر موجبه ولو في مجلس واحد؛ لوجوب تكرّر المسبّبات بتكرّر الأسباب إلّا ما استثني .
ولما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن الرجل يعلّم السورة من العزائم ، فتعاد عليه مرارا في المقعد الواحد ، قال : «عليه أن يسجد كلّما سمعها ، وعلى الّذي يعلّمه أيضا أن يسجد». ۱۳
ثمّ المشهور عدم جواز قراءة العزائم في الفرائض ؛ لاستلزامه إمّا زيادة السجود فيها عمدا، أو ترك السجود المأمور به ؛ لما رواه المصنّف عن زرارة ، ۱۴ وما رواه الشيخ عن سماعة ، قال : «من قرأ : اقرأ باسم ربّك ، فإذا ختمها فليسجد ، فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب وليركع ، وإن ابتليت مع إمام لا يسجد فيجزيك الإيماء والركوع ، ولا تقرأ في الفريضة ، اقرأ في التطوّع» . ۱۵
وعدم صحّتهما لاشتمال الأوّل على القاسم بن عروة، وهو مجهول الحال ، ۱۶ وعلى ابن بكير وهو كان فطيحا وإن كان موثّقا ، ۱۷ والثاني على عثمان بن عيسى وسماعة ، وهما كانا واقفيّين وإن كان الأوّل ممدوحا ۱۸ والثاني موثّقا ، ۱۹ منجبر بعمل الأصحاب .
وعن ابن الجنيد أنّه قال بالجواز ، وأنّه في النافلة يسجد في موضع القراءة ، وفي الفريضة يومي عند بلوغ آية السجدة ، فإذا فرع قرأها وسجد . ۲۰
وقيل: عند بلوغها الإيماء مع ترك قراءتها مستندا بقوله : «فإذا فرغ قرأها وسجد». ۲۱
وهذا التوجيه غير بعيد على مذهبه ، فإنّه لا يوجب قراءة السورة ، فالظاهر أنّه يجوّز التبعيض ، ولم أجد نصّا على التفصيل الّذي ذكره لو حمل على ظاهره .
نعم ، روى الشيخ في الصحيح عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : سألته عن إمام قرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد ، كيف يصنع؟ قال : «يقدّم غيره فيتشهّد ويسجد وينصرف هو وقد تمّت صلاتهم». ۲۲
ولا يبعد حمل الإمام فيها على إمام من أهل الخلاف ، فيكون المأموم مصلّيا لنفسه قارئا في نفسه .
وفي خبره الآخر : أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة والنجم ، أيركع بها أو يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال : «يسجد ثمّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ويركع ، ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة» . ۲۳
ولا يبعد حملها على جاهل المسألة وكونه معذورا ، كما يشعر به آخر الخبر .
ومن جوّز الاقتصار على بعض السورة أو الزيادة عليها فالظاهر جواز قراءتها عندهم إلى آية السجدة وتركها بلا بدل ، أو الرجوع إلى سورة اُخرى .
وقد وردا في موثّق عمّار الساباطيّ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يسمع السجدة في الساعة الّتي لا يستقيم الصلاة فيها قبل غروب الشمس وبعد صلاة الفجر ، فقال : «لا يسجد» ، وعن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم ، فقال : «إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها ، وإن أحبّ أن يرجع فيقرأ سورة غيرها ويدع الّتي فيها السجدة وفيرجع إلى غيرها»، وعن الرجل يصلّي مع قوم لا يقتدى بهم فيصلّي لنفسه، وربّما قرأوا آية من العزائم فلا يسجدون فيها ، فكيف يصنع؟ قال : «لا يسجد». ۲۴
وأمّا النافلة فيجوز قراءة تلك العزائم فيها ، ويسجد لها في محلّه .
ويدلّ عليه بعض ما تقدّم من الأخبار ، وخصّ بها عموم ما رواه المصنّف في الحسن عن الحلبيّ، ۲۵ وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهم السلام ، قال : سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتّى يركع ويسجد ، قال : «يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم» . ۲۶
وعن وهب بن وهب، عن أبي عبد اللّه ، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام أنّه قال : «إذا كان آخر السورة السجدة أجزاك أن تركع بها» . ۲۷
ويؤيّدها أصالة الجواز من غير نصّ على المنع.
قوله في خبر سماعة عن أبي بصير : (إن صلّيت مع قوم فقرأ الإمام) إلخ . [ح 4 /5010] لعلّ المراد بذلك الإمام الّذي لا يعدّ بعض العزائم عزائم ، ولا يوجب السجود لآية سجدتها ، ويقرأ هذا العزيمة ، وقد سبق أنّ بعضهم لا يوجبون سجدة النجم واقرأ باسم ربّك ، وإلاّ فهم يوجبون السجود الواجب في محلّه ، ولا يجيزون تأخيره إلى الفراغ من الصلاة ، وهذا التأويل لابدّ منه في خبري سماعة وعمّار المتقدّمين.
قوله في حسنة الحلبيّ : (ثمّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثمّ يركع) .[ ح 5 / 5011] لعلّ إعادة الفاتحة من باب الندب ؛ ليكون الركوع عن قراءة.

1.الخلاف ، ج ۲ ، ص ۴۲۷ ، المسألة ۱۷۶ .

2.فتح العزيز ، ج ۴ ، ص ۱۸۵ ؛ المغني لابن قدامة ، ج ۱ ، ص ۶۵۲ ؛ الشرح الكبير ، ج ۳ ، ص ۷۷۸ ؛ المجموع للنووي ، ج ۴ ، ص ۵۸ و ۶۱ ؛ تحفة الفقهاء ، ج ۱ ، ص ۲۳۵ ؛ عمدة القاري ، ج ۷ ، ص ۹۵ .

3.الخلاف، ج ۱، ص ۴۲۷ ـ ۴۲۸، المسألة ۱۷۶. وانظر: فتح العزيز، ج ۴ ، ص ۱۸۵ ؛ المجموع، ج ۴ ، ص ۵۹ ـ ۶۰ ؛ بدائع الصنائع، ج ۱، ص ۱۹۳؛ المغني، ج۱، ص ۶۴۸ ؛ الشرح الكبير، ج ۳، ص ۷۸۷؛ بداية المجتهد، ج ۱، ص ۱۷۹.

4.السرائر ، ج ۱ ، ص ۲۲۶ .

5.هما ح ۲ و ۴ من هذا الباب من الكافي .

6.الحديث الثالث من باب الحائض والنفساء تقرآن القرآن . ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام ، ج ۱ ، ص ۱۲۹ ، ح ۳۵۳ ؛ والاستبصار ، ج ۱ ، ص ۱۱۵ ، ح ۳۸۵ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۲ ، ص ۳۴۰ ، ح ۲۳۰۸ .

7.الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .

8.قواعد الأحكام ، ج ۱ ، ص ۲۱۶ .

9.جامع المقاصد ، ج ۱ ، ص ۳۱۹ .

10.النهاية ، ص ۲۵ .

11.تهذيب الأحكام ، ج ۲ ، ص ۲۹۲ ، ح ۱۱۷۲ ؛ الاستبصار ، ج ۱ ، ص ۳۲۰ ، ح ۱۱۹۳ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۲ ، ص ۳۴۱ ، ح ۲۳۱۱ .

12.مختلف الشيعة ، ج ۲ ، ص ۱۷۰ .

13.تهذيب الأحكام ، ج ۲ ، ص ۲۹۳ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۶ ، ص ۲۴۵ ، ح ۷۸۵ .

14.هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي .

15.تهذيب الأحكام ، ج ۲ ، ص ۲۹۲ ، ح ۱۱۷۴ ؛ الاستبصار ، ج ۲ ، ص ۳۲۰ ، ح ۱۱۹۱ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۶ ، ص ۱۰۲ ، ح ۷۴۵۵ .

16.في رجال ابن داود ، ص ۱۵۳ ، الرقم ۱۲۱۴ : « ... كان وزير أبي جعفر المنصور ، ممدوح» . وغيره لم يذكر فيه ذلك واكتفوا بترجمته .

17.اختيار معرفة الرجال ، ج ۲ ، ص ۶۳۵ ، الرقم ۶۳۹ ؛ الفهرست ، ص ۱۷۳ ، الرقم ۴۶۱ .

18.اُنظر : رجال النجاشي ، ص ۳۰۰ ، الرقم ۸۱۷ ؛ اختيار معرفة الرجال ، ج ۲ ، ص ۸۶۰ ، ح ۱۱۱۷ .

19.رجال النجاشي ، ص ۱۹۳ ، الرقم ۵۱۷ .

20.حكاه عنه المحقّق في المعتبر ، ج ۲ ، ص ۱۷۵ .

21.اُنظر : مدارك الأحكام ، ج ۳ ، ص ۳۵۳ .

22.تهذيب الأحكام ، ج ۲ ، ص ۲۹۳ ، ح ۱۱۷۸ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۶ ، ص ۱۰۶ ، ح ۷۴۶۴ .

23.قرب الإسناد ، ص ۲۰۲ ، ح ۷۷۶ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۶ ، ص ۱۰۶ ، ح ۷۴۶۳ .

24.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۲۹۳ ، ح ۱۱۷۷ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۶ ، ص ۱۰۵ ـ ۱۰۶ ، ح ۷۴۶۲ ، وص ۲۴۳ ، ح ۷۸۴۵ .

25.هو الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي .

26.تهذيب الأحكام ، ج ۲ ، ص ۲۹۲ ـ ۲۹۳ ، ح ۱۱۷۶ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۶ ، ص ۱۰۴ ، ح ۷۴۵۹ .

27.تهذيب الأحكام ، ج ۲ ، ص ۲۹۲ ، ح ۱۱۷۳ ؛ الاستبصار ، ج ۱ ، ص ۳۱۹ ، ح ۱۱۹۰ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۶ ، ص ۱۰۲ ، ح ۷۴۵۶ .


شرح فروع الکافي ج3
72
  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج3
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 174868
صفحه از 550
پرینت  ارسال به