والجواب عن الأوّل المنع من تحقّق الإمساك ، فإنّه كما ينافي الإدخال كذا ينافي الإخراج ، ولأنّه نوع من اجتهاد فلا يعارض ما تلوناه من الأحاديث ، ونحن نقول بموجب الرواية الاُولى ؛ لأنّ القيء كما يقرن بالعمد كذا يقرن بالنسيان ، وليس في الحديث دلالة على التعميم ، فيُحمل على الثاني ؛ جمعا بين الأخبار .
وعن الحديث الثاني أنّه عامّ وأحاديثنا خاصّة ، فتكون مقدّمة ؛ جمعا بين الأدلّة . ۱
وظاهر القائلين بوجوب القضاء وجوبه ولو يزدرد منه شيئا ، بل الاعتبار الذي نقلناه عن العلّامة كالصريح في ذلك . والقول به مشكل .
وأظنّ أنّ الأخبار التي وردت بذلك مبنيّ على تفسير القيء بما يخرج من المعدة إلى الفم مع العود إليها على ما ذكره الجوهري في الصحاح ۲ والشيخ قدس سره ، ۳ ويؤيّده ما ورد في القلس من أنّه لا يوجب القضاء ، واتّفقوا عليه ، فإنّ القلس : هو شيء يخرج إلى الفم على ما ذكره لا يعود .
رواه عبداللّه بن سنان في الصحيح ، قال : سئل أبو عبداللّه عليه السلام عن الرجل الصائم يقلس ، فيخرج منه الشيء من الطعام ، أيفطره ذلك ؟ قال : «لا» ، قلت : فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه ؟ قال : «لا يفطر[ه] ذلك » . ۴
وحينئذٍ يكون القول بوجوبه مع التعمّد في غاية القوّة ، فإنّه بمنزلة تعمّد الأكل بناءً على ما عرفت من عدم اختصاصه بالأكل العادي ، بل لولا هذه الأخبار لقلنا بإيجابه للكفّارة أيضا بخلاف ما لو ذرعه ؛ إذ عوده بدون اختياره .
وإذا حصل من القلس شيء في فمه فابتلعه عامدا ، قال ابن البرّاج : «يجب عليه القضاء خاصّة » ، ۵ وبه قال الشيخ في النهاية ، ۶ ورجّحه العلّامة في المختلف ، وحكى عن
1.المهذّب ، ج ۱ ، ص ۱۹۲ .
2.مختلف الشيعة ، ج ۳ ، ص ۴۲۲ .
3.صحاح اللغة ، ج ۳ ، ص ۹۶۵ (قلس) نقلاً عن الخليل ، وكلامه في ترتيب كتاب العين ، ج ۳ ، ص ۱۵۱۷ .
4.اُنظر : تهذيب الأحكام ، ج ۴ ، ص ۲۶۴ ، ح ۸۹۴ .
5.تهذيب الأحكام، ج ۴، ص ۲۶۵، ح ۷۹۶ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۰، ص ۸۸ ۸۹ ، ح ۱۲۹۱۴، ومابين الحاصرتين منهما .
6.النهاية ، ص ۵۵ .