475
شرح فروع الکافي ج4

الأصحاب على عدم اشتراطه به، قائلين: إنّ اشتراط صحّتها به إنّما يكون موجباً لتكليفهم بما لا يُطاق إذا لم يكن الإيمان مقدورا لهم، وقدرتهم عليه ظاهرة ، كيف لا وهم مكلّفون به بالضرورة عندهم أيضاً؟! فلا فرق بين تكليفهم بها وتكليف الجنب في وقت الزوال بالصلاة، والفرق بينهما من غير فارق ، والآيات والأخبار شاهدتان عليه . والشرطان الأوّلان يجيء القول فيهما .
وأمّا الاستطاعة، فعلى المشهور من مذهب الأصحاب إمكان المسير بتخلية السرب، والقدرة على الركوب، والزاد والراحلة، ونفقة عياله الواجبي النفقة ذهاباً وإياباً؛ لما ذكره في الباب وغيره، وسيأتي بعضها. ولا يشترط بالرجوع إلى كفاية من صناعة أو بضاعة أو ضياع ونحوها ؛ لعموم النصوص .
واشترطه المفيد قدس سره حيث قال في المقنعة :
والاستطاعة عند آل محمّد عليهم السلام للحجّ بعد كمال العقل وسلامة الجسم ممّا يمنعه من الحركة التي يبلغ بها المكان ، والتخلية من الموانع بالإلجاء والاضطرار، وحصول ما يلجأ إليه في سدّ الخلّة من صناعة يعود إليها في اكتسابه، أو ما ينوب عنها من متاع أو عقار أو مال ، ثمّ وجود الراحلة بعد ذلك والزاد .
وروى أبو الربيع الشامي عن الصادق عليه السلام قال : سُئل عن قوله عزّ وجلّ : «مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»۱ قال : «ما يقول فيها هؤلاء؟» فقيل له : يقولون الزاد والراحلة ، فقال عليه السلام : «قد قيل ذلك لأبي جعفر فقال : هلك الناس إذا كان من كان له زاد وراحلة لا يملك غيرهما أو مقدار ذلك ممّا يقوت به عياله ويستغني به عن الناس، فقد وجب عليه أن يحجّ بذلك، ثمّ يرجع فيسأل الناس بكفّه، لقد هلك الناس إذن . فقيل له : فما السبيل عندك؟ قال : السعة في المال، وهو أن يكون معه ما يحجّ ببعضه ويبقي بعض يقوت به نفسه وعياله ». ۲
واُورد عليه بأنّ الخبر لا يدلّ على مدّعاه، بل إنّما يدلّ على وجود ما يخلّفه لنفقة

1.آل عمران (۳): ۹۷.

2.المقنعة، ص ۳۸۴ ۳۸۵؛ وسائل الشيعة، ج ۱۱، ص ۳۸، ح ۱۴۱۸۱.


شرح فروع الکافي ج4
474

يشعر بأنّه كفر ، ويؤيّده قولهم عليهم السلام في أخبار متعدّدة : «فليمت يهوديّاً أو نصرانيّاً ». ۱
وأكثر الأصحاب حملوها على من تركه مُنكرا؛ له لقوله عليه السلام في هذه الصحيحة : «لا، ولكن مَن قال ليس هذا هكذا فقد كفر ».
وفي كنز العرفان : «تسمية ترك الحجّ كفرا من حيث إنّه فعل الكفرة، وأنّ تركه من أعظم الكبائر» . ۲
ومن الغرائب أنّي رأيت في المنام مدّة قبل هذا أنّي كنت جالساً لدى الشيخ السعيد الشهيد الثاني قدّس اللّه روحه مستفيدا منه ما لم يبق ببالي بعد الانتباه، إلّا أنّي تذكّرت أنّه قال : وصل إليَّ توقيع ممّن سمّاه من الأئمّة عليهم السلام ونسيته أناوأخرج من بين كتاب كان عنده، وهو كتاب مسالك الأفهام الذي من مصنّفاته رفعه وأعطانيها، فإذا فيها سؤال وجواب بالعربيّة، مضمون السؤال : أنّ من آمن بالحجّ وتركه مع الاستطاعة هل إيمانه إيمان أو هل هو مؤمن؟ وجوابه عليه السلام في الهامش : لا. أو لا إيمان له ، والترديد في الموضعين منّي .

باب استطاعة الحجّ

اعلم أنّ وجوب الحجّ والعمرة على ما صرّح به أهل العلم من الفريقين ، ويستفاد من الأخبار من الطريقين مشروط بشروط ثلاثة :
أوّلها : شرائط أصل التكليف بسائر العبادات من البلوغ والعقل .
وثانيها : الحرّية .
وثالثها : الاستطاعة .
وقد اعتبر العامّة فيه الإسلام أيضاً كما اعتبروه في التكليف بسائر العبادات زعماً منهم أنّ تكليف الكافر بها تكليف بما لا يُطاق ؛ لعدم صحّتها مع الكفر ، وأجمع

1.اُنظر: وسائل الشيعة، ج ۱۱، ص ۲۹ ۳۰، ح ۱۴۱۶۲.

2.كنز العرفان، ج ۱، ص ۲۶۷.

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج4
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 174378
صفحه از 662
پرینت  ارسال به