517
شرح فروع الکافي ج4

قال المحقّق الخفري في شرح التذكرة :
إنّهم كانوا يستعملون شهور الأهلّة، وكان حجّهم الواقع في عاشر ذي الحجّة كما رسمه إبراهيم عليه السلام دائرا في الفصول كما في زماننا هذا، فأرادوا وقوعه دائماً في زمان إدراك الغلّات والفواكه واعتدال الهواء، أعني أوائل الخريف؛ ليسهل عليهم السفر وقضاء المناسك، فكان يقوم في الموسم عند اجتماع العرب خطيب يحمد اللّه ويثني عليه ويقول : أنا أزيد لكم في هذه السنة شهرا، وهكذا أفعل في كلّ ثلاث سنين حتّى يأتي حجّكم في وقت يسهل فيه مسافرتكم ، فيوافقونه على ذلك، فكان يجعل المحرّم كبيساً، ويؤخّر اسمه إلى صفر، واسم صفر إلى ربيع الأوّل، وهكذا إلى آخر السنة، فكان يقع الحجّ في السنة القابلة في عاشر المحرّم، وهو ذو الحجّة عندهم؛ لأنّهم لمّا سمّوا صفرا بالمحرّم وجعلوه أوّل السنة صار المحرّم الآتي ذا الحجّة وآخر السنة، ويقع في السنة محرّمان: أحدهما رأس السنة، والآخر النسيء، وتصير شهورها ثلاثة عشر ، وعلى هذا يبقى الحجّ في المحرّم ثلاث سنين متوالية، ثمّ ينتقل إلى صفر، ويبقى فيه كذلك إلى آخر الأشهر، ففي كلّ ستّ وثلاثين سنة قمريّة تكون كبيستهم اثني عشر شهرا قمريّاً .
وقيل : كانوا يكبسون أربعاً وعشرين سنة باثني عشر شهرا، وهذا هو النسيء المشهور في الجاهليّة وإن كان الأوّل أقرب إلى مرادهم .
وبالجملة، إذا انقضى سنتان أو ثلاث وانتهى النوبة إلى الكبس قام فيهم خطيب ، وقال : إنّا جعلنا اسم الشهر الفلاني من السنة الداخلة للذي بعده، وحيث كانوا يزيدون النسيء على جميع الشهور بالنوبة حتّى يكون لهم في سنة محرّمان، وفي اُخرى صفران، فإذا اتّفق أن يتكرّر في السنة شهر من الأربعة الحرم نبّأهم الخطيب [بتكرّره]، وحرّم عليهم واحدا منهما بحسب ما تقتضيه مصلحتهم ، ولمّا انتهى النوبة في أيّام النبيّ صلى الله عليه و آله إلى ذي الحجّة وتمّ دور النسيء على الشهور كلّها حجّ في السنة العاشرة من الهجرة، [لو قوع الحجّ فيها في عاشر ذى الحجّة] وقال : «ألا إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض ـ ، يعني به رجوع الحجّ وأسماء الشهور إلى الوضع الأوّل ـ ، ثمّ تلا قوله تعالى : «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرا» »، ۱ إلى آخر الآية . ۲ انتهى .

1.التوبة (۹) : ۳۶ .

2.التكملة في شرح التذكرة، أواسط الفصل العاشر في معرفة أجزاء الأيّام، مخطوطة رقم ۶۵۰۹ من مكتبة أية اللّه المرعشي في قم.


شرح فروع الکافي ج4
516

وفي الشافي:
فإن قيل : ليس يخلو النبيّ صلى الله عليه و آله من أن يكون سلّم في الابتداء سورة براءة إلى أبي بكر بأمر اللّه تعالى أو باجتهاده ورأيه ؛ فإن كان بأمر اللّه تعالى فكيف يجوز أن يرتجع منه السورة قبل وقت الاداء وعندكم أنّه لا يجوز نسخ الشيء قبل وقت فعله، وإن كان باجتهاده عليه السلام فعندكم أنّه لا يجوز أن يجتهد فيما يجري هذا المجرى .
قلنا : ما سلّم السورة إلى أبي بكر إلّا بإذنه تعالى، إلّا أنّه لم يأمره بأدائها ولا كلّفه قراءتها على أهل الموسم، ولم يصرّح بذكر المبلّغ لها في الحال. ولو نقل عنه تصريح لجاز أن يكون مشروطاً بشرط لم يظهره؛ لأنّه عليه السلام ممّن يجوز مثل ذلك عليه .
فإن قيل : فأيّ فائدة في دفع السورة إلى أبي بكر وهو لا يريد أن يؤدّيها عنه ، ثمّ ارتجاعها منه، وإلّا دفعت في الابتداء إلى أمير المؤمنين عليه السلام ؟
قلنا : الفائدة في ذلك ظهور فضل أمير المؤمنين عليه السلام ومزيّته، وأنّ الرجل الذي نزعت السورة منه لا يصلح لما يصلح له، وهذا غرض قويّ في وقوع الأمر على ما وقع عليه من دفعها إلى أبي بكر وارتجاعها منه . ۱ انتهى .
وقد بقي هنا إشكال بناءً على القاعدة المشهورة بين العرب من النسيء، وهو ما حكاه في مجمع البيان عن مجاهد أنّه قال : [كان] المشركون يحجّون في كلّ شهر عامين، فحجّوا في ذي الحجّة عامين، ثمّ في المحرّم عامين، ثمّ في صفر عامين، وكذلك في المشهور حتّى وافقت الحجّة التي قبل حجّة الوداع في ذي القعدة، ثمّ حجّ النبيّ صلى الله عليه و آله في العام القابل حجّة الوداع، فوافقت ذي الحجّة، فذلك حين قال النبيّ صلى الله عليه و آله في خطبته : «ألا إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حُرُم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجّة، والمحرّم، ورجب مضر [الذي ]بين جمادى وشعبان». ۲ وهو أحد الوجهين اللذين حكاهما عن العرب أرباب الهيئة .

1.الشافي، ج ۴، ص ۱۵۶ ۱۵۷.

2.مجمع البيان، ج ۵، ص ۵۴.

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج4
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 192443
صفحه از 662
پرینت  ارسال به