قال المحقّق الخفري في شرح التذكرة :
إنّهم كانوا يستعملون شهور الأهلّة، وكان حجّهم الواقع في عاشر ذي الحجّة كما رسمه إبراهيم عليه السلام دائرا في الفصول كما في زماننا هذا، فأرادوا وقوعه دائماً في زمان إدراك الغلّات والفواكه واعتدال الهواء، أعني أوائل الخريف؛ ليسهل عليهم السفر وقضاء المناسك، فكان يقوم في الموسم عند اجتماع العرب خطيب يحمد اللّه ويثني عليه ويقول : أنا أزيد لكم في هذه السنة شهرا، وهكذا أفعل في كلّ ثلاث سنين حتّى يأتي حجّكم في وقت يسهل فيه مسافرتكم ، فيوافقونه على ذلك، فكان يجعل المحرّم كبيساً، ويؤخّر اسمه إلى صفر، واسم صفر إلى ربيع الأوّل، وهكذا إلى آخر السنة، فكان يقع الحجّ في السنة القابلة في عاشر المحرّم، وهو ذو الحجّة عندهم؛ لأنّهم لمّا سمّوا صفرا بالمحرّم وجعلوه أوّل السنة صار المحرّم الآتي ذا الحجّة وآخر السنة، ويقع في السنة محرّمان: أحدهما رأس السنة، والآخر النسيء، وتصير شهورها ثلاثة عشر ، وعلى هذا يبقى الحجّ في المحرّم ثلاث سنين متوالية، ثمّ ينتقل إلى صفر، ويبقى فيه كذلك إلى آخر الأشهر، ففي كلّ ستّ وثلاثين سنة قمريّة تكون كبيستهم اثني عشر شهرا قمريّاً .
وقيل : كانوا يكبسون أربعاً وعشرين سنة باثني عشر شهرا، وهذا هو النسيء المشهور في الجاهليّة وإن كان الأوّل أقرب إلى مرادهم .
وبالجملة، إذا انقضى سنتان أو ثلاث وانتهى النوبة إلى الكبس قام فيهم خطيب ، وقال : إنّا جعلنا اسم الشهر الفلاني من السنة الداخلة للذي بعده، وحيث كانوا يزيدون النسيء على جميع الشهور بالنوبة حتّى يكون لهم في سنة محرّمان، وفي اُخرى صفران، فإذا اتّفق أن يتكرّر في السنة شهر من الأربعة الحرم نبّأهم الخطيب [بتكرّره]، وحرّم عليهم واحدا منهما بحسب ما تقتضيه مصلحتهم ، ولمّا انتهى النوبة في أيّام النبيّ صلى الله عليه و آله إلى ذي الحجّة وتمّ دور النسيء على الشهور كلّها حجّ في السنة العاشرة من الهجرة، [لو قوع الحجّ فيها في عاشر ذى الحجّة] وقال : «ألا إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض ـ ، يعني به رجوع الحجّ وأسماء الشهور إلى الوضع الأوّل ـ ، ثمّ تلا قوله تعالى : «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرا» »، ۱ إلى آخر الآية . ۲ انتهى .