527
شرح فروع الکافي ج4

نهي عمر يحتمل أن يكون لوجوه، منها: أنّه أراد أن يكون الحجّ في أشهره المخصوصة والعمرة في غير تلك الشهور .
ومنها: أنّه أحبّ عمارة البيت وأن يكثر زوّاره في غير الموسم .
ومنها: أنّه أراد إدخال المرفق على أهل الحرم بدخول الناس إليهم، فرووا في تقوية هذه المعاني أخبارا موجودة في كتبهم لا معنى للتطويل بذكرها .
ومنهم من حمل نهي عمر على فسخ الحجّ إذا طاف له قبل يوم النحر .
وقد روي عن ابن عبّاس أنّه كان يذهب إلى جواز ذلك، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان أمر أصحابه في حجّة الوداع بفسخ الحجّ من كان منهم لم يسق هدياً، ولم يحلّ هو عليه السلام؛ لأنّه كان ساق الهدي ، وزعموا أنّه منسوخ بقوله تعالى : «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للّهِِ» . ۱
وهذا التأويل الثاني بعيد من الصواب ؛ لأنّ فسخ الحجّ لا يسمّى متعة، وقد صارت هذه اللفظة بعرف الشرع مخصوصة بمن ذكرنا حاله وصفته .
وأمّا التأويل الأوّل فيبطله قوله : أنا أنهي عنهما واُعاقب عليهما ، وتشدّده في ذلك وتوعّده يقتضي أن لا يكون القول خرج مخرج الاستحباب. على أنّ نهيه عن متعة النساء كان مقروناً بنهيه عن متعة الحجّ، فإن كان النهي عن متعة الحجّ استحباباً فالمتعة الاُخرى كذلك . ۲
انتهى .
وأظنّ أنّ الباعث له على ذلك إحياء السنّة الجاهليّة، فإنّهم كانوا يحرّمون العمرة في أشهر الحجّ ؛ فقد روى مسلم عن عبداللّه بن طاووس، عن أبيه، عن ابن عبّاس، قال : كانوا يرون العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور، ويجعلون المحرّم صفرا، ويقولون: إذا برأ الدّبر وعفا الأثَر وانسلخ صفر حلّت العمرة لمن اعتمر . [ف]قدم النبيّ صلى الله عليه و آله وأصحابه صبيحة رابعة مهلّين بالحجّ فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا : يارسول اللّه ، أيّ الحلّ؟ قال : الحلّ كلّه . ۳
ورواه البخاري ۴ أيضاً .

1.البقرة (۲): ۱۹۶. وانظر: أحكام القرآن للجصّاص، ج ۱، ص ۳۵۲؛ و الفصول في الأصول له أيضا، ج ۲، ص ۳۲۴.

2.الانتصار، ص ۲۴۰ ـ ۲۴۱.

3.صحيح مسلم، ج ۴، ص ۵۶.

4.صحيح البخاري، ج ۲، ص ۱۵۲.


شرح فروع الکافي ج4
526

الفريقين أنّه أنكره في حجّة الوداع حين شرع وبالغ في الإنكار حتّى أنّه قال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّك لن تؤمن بهذا أبدا» . ۱
والظاهر إنكاره إيّاه مطلقاً ابتداءً وعدولاً، كما هو المشهور بين أهل العلم في النقل عنه وإن كان مبدأ إنكاره في المعدول من الإفراد .
ويدلّ عليه إطلاق قوله : «متعتان كانتا على عهد النبيّ صلى الله عليه و آله وأنا اُحرّمهما واُعاقب عليهما» ۲ ، على ما رواه أكثر الجمهور ، وعموم العلّة التي ذكرها للبقاء على الإفراد، حيث قال : أننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر ؟! ۳
وزعم بعض العامّة أنّه إنّما أنكر العدول، وتبعه على ذلك صاحب كنز العرفان، فقد قال :
التمتّع قد يكون ابتداءً كمن يحرم أوّلاً بالعمرة ثمّ بعد قضاء مناسكها يحرم بالحجّ، وذلك ممّا لا نزاع في مشروعيّته، وقد يكون بالعدول عن حجّ الإفراد، فإنّ من دخل مكّة محرماً بحجّ الإفراد فالأفضل له أن يعدل بإحرامه إلى عمرة التمتّع ويتمّ حجّ التمتّع. وهذا منعه جميع فقهاء العامّة ـ ، إلى قوله ـ : وهذه هي التي منعها عمر، فقال : متعتان كانتا محلّلتين على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنا اُحرّمهما واُعاقب عليهما . ۴
والشهيد الثاني قدس سره أيضاً في شرح اللمعة، حيث قال : يجوز لمن حجّ ندباً مفردا العدول إلى عمرة التمتّع اختيارا، وهذه هي المتعة التي أنكرها الثاني. ۵
ولهم لإنكاره توجيهات ركيكة ، ففي الانتصار:
أنّ الفقهاء والمحصّلين من مخالفينا حملوا نهي عمر عن هذه المتعة على وجه الاستحباب لا على الحظر، وقالوا في كتبهم المعروفة المخصوصة بأحكام القرآن : إنّ

1.الكافي، باب حجّ النبي صلى الله عليه و آله ، ح ۴.

2.معرفة السنن و الآثار للبيهقي، ج ۵، ص ۳۴۵؛ الاستذكار، ج ۴، ص ۹۵؛ و ج ۵، ص ۵۰۵؛ التمهيد، ج ۱۰، ص ۱۱۳؛ و ج ۲۳، ص ۳۵۷ و ۳۶۵؛ أحكام القرآن للجصّاص، ج ۲، ص ۱۹۱؛ تفسير الرازي، ج ۱۰، ص ۵۰.

3.مسند أحمد، ج ۳، ص ۳۰۵؛ صحيح البخاري، ج ۲، ص ۱۷۱ و ۲۰۰؛ و ج ۸ ، ص ۱۲۹؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۵، ص ۹۵.

4.كنز العرفان، ج ۱، ص ۲۹۰ ۲۹۲.

5.شرح اللمعة، ج ۲، ص ۲۱۲.

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج4
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 178446
صفحه از 662
پرینت  ارسال به