وأنت خبير بأنّ هذه الأخبار لا تجامع ما ذكرناه من المقدّمتين بمجرّد القول بعدم وجوب مقارنة التلبية للإحرام كما زعمه بعض المعاصرين؛ لأنّ من قال بذلك لم يجوّز تأخيرها عن الميقات، بل لابدّ له من القول بامتداد الميقات إلى البيداء .
وأمّا الأصحاب فقد حملوا تأخير التلبية في هذه الأخبار إليها على تأخير الجهر بها إليها إذا كان راكباً مع الإنصات بها بذي الحليفة لعقد الإحرام؛ محتجّين على ذلك بذكر الإحرام في مسجد الشجرة في حسنة معاوية، وهو إنّما يكون بالتلبية غالباً ، وبصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إن كنت ماشياً فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد، وإذا كنت راكباً فإذا علت بك راحلتك البيداء» . ۱
وهذا الجمع هو في غاية البُعد، بل ينادي أكثر ما ذكر من الأخبار بفساده، والاحتجاج عليه بما ذكروه غير تامّ ؛ فإنّ الصحيحة غير صريحة في مرامهم .
والظاهر أنّ المراد بالإحرام في تلك الحسنة مقدّماته من الغسل والصلاة ولبس ثوبي الإحرام ونحوها ولو مجازا، وقد شاع إطلاقه عليها في الحديث ، ففي مرسل جميل، عن أحدهما عليهماالسلام ، أنّه قال في رجل صلّى في مسجد الشجرة وعقد الإحرام وأهلّ بالحجّ، ثمّ مسّ الطيب واصطاد طيرا أو وقع على أهله ، قال : «ليس بشيء حتّى يلبّي» . ۲
وفي صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، في الرجل يقع على أهله بعدما يعقد الإحرام ولم يلبّ ، قال : «ليس عليه شيء» . ۳
وفي صحيحه الآخر عنه عليه السلام أنّه صلّى ركعتين في مسجد الشجرة وعقد الإحرام ثمّ خرج، فاُتي بخبيص فيه زعفران فأكل منه . ۴
1.تهذيب الأحكام، ج ۵، ص ۸۵ ، ح ۲۸۱؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۱۷۰ ۱۷۱، ح ۵۶۳؛ وسائل الشيعة، ج ۱۲، ص ۳۶۹، ح ۱۶۵۳۶.
2.تهذيب الأحكام، ج ۵، ص ۸۲ ، ح ۲۷۳؛ وسائل الشيعة، ج ۱۲، ص ۳۳۵، ح ۱۶۴۴۴.
3.تهذيب الأحكام، ج ۵، ص ۸۲ ، ح ۲۷۴؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۱۸۸، ح ۶۳۲؛ وسائل الشيعة، ج ۱۲، ص ۴۳۳، ح ۱۶۴۴۱.
4.تهذيب الأحكام، ج ۵، ص ۸۲ ۸۳ ، ح ۲۷۵؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۱۸۸، ح ۶۳۳؛ وسائل الشيعة، ج ۱۲، ص ۴۳۳، ح ۱۶۴۴۲.