باب السهو في ركعتي الطواف
المشهور بين الأصحاب أنّه لو نسي ركعتي الطواف الواجب رأسا أو فعلهما في غير المقام أعادهما فيه، وإن خرج من مكّة رجع مع المكنة، ومع عدمها ولو لمشقّة لا تتحمّل عادةً صلّى حيث ذكر؛ لخبر الكناني ۱ وموثّق عبيد بن زرارة ۲ ومرسلة حمّاد بن عيسى ۳ وصحيحة محمّد بن مسلم . ۴
ولما رواه الشيخ عن أحمد بن عمر الحلّال، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة فلم يذكر حتّى أتى منى ، قال : «يرجع إلى مقام إبراهيم عليه السلام فيصلّيهما ». ۵
وفي الموثّق عن عبيد بن زرارة، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضة ولم يصلِّ الركعتين حتّى ذكر وهو بالأبطح، فصلّى أربعا ، قال : «يرجع فيُصلّي عند المقام أربعا ». ۶
وعن عبداللّه بن مسكان، عن أبي عبداللّه الأبزاريّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل نسى فصلّى ركعتي طواف الفريضة في الحجر ، قال : «يعيدهما خلف المقام؛ لأنّ اللّه تعالى يقول : «وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً»۷ يعني بذلك ركعتي طواف الفريضة ». ۸
وعن ابن مسكان، قال : حدّثني مَن سأله عن الرجل نسي ركعتي طواف الفريضة حتّى يخرج ، فقال : «يوكّل ». ۹
قال ابن مسكان: وفي حديث آخر : «إن كان جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع وليصلّيهما، فإنّ اللّه تعالى يقول : «وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً» ». ۱۰
وعارضتها روايات دلّت على جواز فعلها موضع الذكر إذا ذكرها بعد الارتحال من مكّة، كحسنة معاوية بن عمّار، ۱۱ وخبر هشام بن المثنّى، ۱۲ وما رواه الشيخ عن حنّان بن سدير، قال : زرت فنسيت ركعتي الطواف، فأتيت أبا عبداللّه عليه السلام وهو بقرن الثعالب، ۱۳ فسألته فقال : «صلِّ في مكانك ». ۱۴
وعن ابن مسكان، عن عمر بن البراء، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل نسي أن يصلّي عند مقام إبراهيم عليه السلام ركعتين للفريضة حتّى أتى منى ، قال : «يصلّيهما بمنى »، ۱۵ وحملت على ما إذا شقّ عليه العود مستشهدين عليه بصحيحة أبي بصير، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل نسى أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام وقد قال اللّه تعالى : «وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً»۱۶ حتّى ارتحل ، فقال : «إن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ عليه ولا آمره أن يرجع، ولكن يصلّي حيث يذكر ». ۱۷
واحتمل في الاستبصار ۱۸ استحباب العود مطلقا وإن لم يشقّ العود؛ للجمع، وهو قوي ، وإن كان الأوّل أحوط .
ولقد بالغ الشيخ في المبسوط حيث اعتبر في جواز فعلها في موضع الذكر عدم إمكان العود إلى مكّة ، فقال في فصل الطواف منه :
ومَن نسي هاتين الركعتين أو صلّاهما في غير المقام ثمّ ذكرهما عاد إلى المقام وصلّى فيه، ولا يجوز له أن يصلّي في غيره ، فإن خرج من مكّة وقد نسي ركعتي الطواف فإن أمكنه الرجوع إليها رجع وصلّى عند المقام، وإن لم يمكنه الرجوع صلّى حيث ذكر ولا شيء عليه . ۱۹
وقد عرفت قوله في الخلاف ۲۰ باستحباب فعلها عند المقام، وهما في طرفي النقيض .
وأوجب الشهيد العود إلى مكّة مع الإمكان، ومع تعذّره العود إلى الحرم إن أمكن، وإن تعذّر ذلك أيضا فحيث شاء من البقاع . ۲۱ وكأنّهما أرادا بالتعذّر المشقّة التي لا تحتمل عادةً كما هو المشهور .
وقد ورد في بعض الأخبار الاستنابة لها إذا خرج من مكّة، كخبر ابن مسكان المتقدّم، وصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام، قال : سألته عن رجل نسي أن يصلّي الركعتين ، قال : «يصلّى عنه ». ۲۲ ولا يبعد الجمع بين الأخبار بالتخيير بين العود والاستنابة لها ولو من منى .
ويدلّ على التخيير صريحا ما رواه الصدوق في الصحيح عن عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام : «إن كان قد مضى قليلاً فليرجع فليصلّهما، أو يأمر بعض الناس فيصلّيهما عنه »، ۲۳ فتأمّل .
وأمّا الجاهل فظاهر الأكثر أنّه في حكم الناسي، وصرّح به في الدروس . ۲۴
ويدلّ عليه ما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل بن درّاج، عن أحدهما عليهماالسلامقال : «إنّ الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام بمنزلة الناسي ». ۲۵
وأمّا العامد فلم أجد خبراً دالّاً على حكمه ، ومن ثمّ استشكل، فقد ذهب الشيخ في المبسوط إلى جواز الاستنابة له ، والظاهر أنّه قال بذلك مع تعذّر العود أو تعسّره، فقال في فصل فرائض الحجّ منه: «ويجب مع كلّ طواف ركعتان عند المقام، وهما فرضان، فإن تركهما متعمّداً قضاهما في ذلك المقام، فإن خرج سأل من ينوب عنه فيهما، ولا يبطل حجّه». ۲۶
وفي المدارك :
أمّا العامد فقال الشارح قدس سره ۲۷ : «إنّ الأصحاب لم يتعرّضوا لذكره، والذي يقتضيه الأصل أنّه يجب عليه العود مع الإمكان ومع التعذّر يصلّيهما حيث أمكن »، ۲۸ ولا ريب أنّ مقتضى الأصل وجوب العود مع الإمكان، وإنّما الكلام في الاكتفاء بصلاتهما حيث أمكن مع التعذّر أو بقائهما في الذمّة إلى أن يحصل التمكّن من الإتيان بهما في محلّهما ، وكذا الإشكال في صحّة الأفعال المتأخّرة عنهما، من صدق الإتيان بهما، ومن عدم وقوعهما على الوجه المأمور به . ۲۹ انتهى .
1.الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
2.الحديث الثالث من هذا الباب.
3.الحديث الخامس من هذا الباب.
4.الحديث السادس من هذا الباب.
5.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۴۰، ح ۴۶۲؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۳۴، ح ۸۱۲ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۳۰، ح ۱۸۱۳۴ .
6.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۳۸، ح ۴۵۶؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۳۴، ح ۸۱۱ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۲۸ ۴۲۹، ح ۱۸۱۲۸ .
7.البقرة (۲): ۱۲۵.
8.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۳۸، ح ۴۵۴؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۲۵، ح ۱۸۱۱۸ .
9.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۴۰، ح ۴۶۳؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۳۴، ح ۸۱۳ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۳۱، ح ۱۸۱۳۶ .
10.نفس المصدَرَين؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۳۱، ح ۱۸۱۳۷.
11.الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
12.الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.
13.قرن الثعالب: هو قرن المنازل، وهو ميقات أهل نجد، وهو على مرحلتين من مكّة. شرح صحيح مسلم للنووي، ج ۱۲، ص ۱۵۵.
14.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۳۸، ح ۴۵۷؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۳۴ ۲۳۵، ح ۸۱۴ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۳۰، ح ۱۸۱۳۳ .
15.تهذيب الأحكام، ج ۵، ص ۴۷۱، ح ۱۶۵۴؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۲۷، ح ۱۸۱۲۴ .
16.البقرة (۲): ۱۲۵.
17.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۴۰، ح ۴۶۱؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۳۵ ۲۳۶، ح ۸۱۸ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۳۰، ح ۱۸۱۳۲ .
18.الاستبصار، ج ۲، ص ۲۳۵.
19.المبسوط للطوسي، ج ۱، ص ۳۶۰. ومثله في النهاية، ص ۲۴۲.
20.الخلاف، ج ۲، ص ۳۲۷، المسألة ۱۳۹.
21.الدروس الشرعيّة، ج ۱، ص ۳۲۴ ۳۲۵، الدرس ۸۵ .
22.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۴۷۱، ح ۱۶۵۲؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۲۸، ح ۱۸۱۲۶ .
23.الفقيه، ج ۲، ص ۴۰۸، ح ۲۸۳۲؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۲۷، ح ۱۸۱۲۳ .
24.الدروس الشرعيّة، ج ۱، ص ۳۹۷، الدرس ۱۰۳.
25.الفقيه، ج ۲، ص ۴۰۸ ۴۰۹، ح ۲۸۳۴؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۲۸، ح ۱۸۱۲۵ .
26.المبسوط للطوسي، ج ۱، ص ۳۸۳.
27.في الأصل: «الشيخ» بدل «الشارح»، والمثبت من المصدر.
28.مسالك الأفهام، ج ۲، ص ۳۳۵.
29.مدارك الأحكام، ج ۸ ، ص ۱۳۶.