377
شرح فروع الکافي ج5

شرح فروع الکافي ج5
376

باب رمي الجمار في أيّام التشريق

فيه مسائل :

الاُولى : يظهر من بعض الأصحاب إجماع الأصحاب ، بل أهل العلم على وجوب رمي جمرة العقبة يوم النحر ورمي الجمار الثلاث في أيّام التشريق ، ففي السرائر: «وهل رمي الجمار واجب أو مسنون؟ لا خلاف بين أصحابنا في كونه واجبا، ولا أظنّ أحداً من المسلمين يخالف فيه ». ۱
وفي المنتهى في بحث رمي جمرة العقبة بمنى يوم النحر : «رمي هذه الجمرة واجب لا نعلم فيه خلافا ». ۲ وفي بحث أيّام التشريق : «ويجب عليه أن يرمي في كلّ يوم من أيّام التشريق الجمار الثلاث كلّ جمرة سبع حصيّات ، ولا نعلم خلافا في وجوب الرمي ». ۳
وكلام العزيز أيضا صريح في وفاقهم عليه حيث قسّم أعمال العمرة والحجّ وفرائضهما إلى الأركان والأبعاض والهيئات ، وقال :
سبيل الحصر أنّ كلّ عمل يفرض، فأمّا أن يتوقّف التحلّل عليه فهو ركن أو لا يتوقّف ، فأمّا أن يجبر بالدم فهو بعض، أو لا يجبر فهو هيئة ، والأركان خمسة : الإحرام، والوقوف، والطواف، والسعي، والحلق والتقصير، تفريعا على [ قولنا]: إنّه نسك، فإن لم نقل به عادت إلى أربعة، وما سوى الوقوف أركان في العمرة أيضا، فلا مدخل للجبران فيها بحال ،وأمّا الأبعاض فمجاوزة الميقات والرمي مجبوران بالدم وفاقا . ۴
وفي موضع آخر بعده: «الرمي معدود من الأبعاض مجبور بالدم وفاقا». ۵
وقد نقل طاب ثراه عن بعضهم ركنيّته أيضا . ۶
ويدلّ على وجوبه رمي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقد قال : «خذوا عنّي مناسككم ». ۷ وفعل الصحابة والأئمّة عليهم السلام والأمر به في حسنة معاوية بن عمّار في هذا الباب ۸ وفي الباب السابق وما سنرويه في باب من نسي رمي الجمار . ۹
ونسب العلّامة ؛ في المختلف إلى بعض الأصحاب القول باستحبابه، فقال :
وذهب الشيخ في الجمل ۱۰ إلى أنّ الرمي مسنون ، وكذا ابن البرّاج، ۱۱ والمفيد قال : «وفرض الحجّ الإحرام والتلبية والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة وشهادة الموقفين، وما بعد ذلك سنن بعضها أوكد من بعض ». ۱۲ وهو يشعر بالاستحباب ، والشيخ لمّا عدّ فرائض الحجّ في كتابي النهاية ۱۳
والمبسوط ۱۴ لم يذكر الرمي .
وفي الاستبصار : «قد بيّنا أنّ الرمي سنّة وليس بفرض في كتابنا الكبير ». ۱۵
وقال ابن حمزة : «الرمي واجب عند أبي يعلى»، ۱۶ ومندوب إليه عند الشيخ أبي جعفر ، ۱۷ وقال ابن الجنيد : ورمي الجمار سنّة . ۱۸ انتهى .
والظاهر أنّهم أرادوا بالسنّة في هذا المقام مقابل الفرض، وهو ما علم وجوبه بالسنّة لا بالقرآن .
ويدلّ عليه في كلام الشيخين أنّ الشيخ المفيد أوجب اُموراً فيه تستلزم وجوبه، منها: الوضوء، ۱۹ على ما سنحكي عنه ، وأنّ الشيخ في المبسوط قال :
وعليه بمنى يوم النحر ثلاثة مناسك: أوّله: رمي الجمرة الكبرى، والثاني: الذبح، والثالث: الحلق أو التقصير ، وأمّا أيّام التشريق فعليه كلّ يوم رمي الثلاث جمار على ما نرتّبه . ۲۰
وظاهر قوله عليه السلام الوجوب لا سيما في هذا المقام ، وقد صرّح به في موضع آخر منه، قال : «والواجب عليه أن يرمي ثلاثة أيّام التشريق: الثاني من النحر والثالث والرابع، كلّ يوم إحدى وعشرين حصاة، ثلاث جمّار، كلّ جمرة منها سبع حصيّات ». ۲۱
وفي الاستبصار بعدما أورد أخباراً تتضمّن وجوب الرجوع إلى منى والرمي على من خرج منه بغير رمي ، عارضها بخبر عن معاوية بن عمّار، يتضمّن أنّه ليس عليه الإعادة ، وأجاب: أنّه ليس عليه أن يعيد في هذه السنة؛ لفوات وقت الرمي وإن كان يجب عليه إعادته في السنة القابلة . ۲۲
وقد سبقني على هذا التأويل العلّامة وابن إدريس ؛ ففي المنتهى:
وقد يوجد في بعض العبارات أنّه سنّة وذلك في بعض أحاديث الأئمّة عليهم السلام ، وفي لفظ الشيخ في الجمل والعقود، وهو محمول على أنّه ثابت بالسنّة لا أنّه مستحبّ . ۲۳
وفي السرائر :
وقد يشتبه على بعض أصحابنا ويعتقد أنّه مسنون غير واجب؛ لما يجده من كلام بعض المصنّفين عبارة موهمة أوردها في كتبه، وتقلّد المسطور بغير فكر ولا نظر ، وهذا غاية الخطأ وضدّ الصواب .
قال شيخنا أبا جعفر رحمه الله قال في الجمل والعقود : والرمي مسنون، ۲۴ فيظنّ من يقف على هذه العبارة أنّه مندوب، وإنّما أراد الشيخ بقوله : مسنون ، عرف من جهة السنّة؛ لأنّ القرآن لا يدلّ على ذلك . ۲۵
وهذا التأويل جارٍ فيما حكاه طاب ثراه عن بعض العامّة أنّه قال: «إنّه سنّة مؤكّدة يجب بتركه الدم بقرينة إيجابه للدم بتركه ».
الثانية : المشهور بين الأصحاب أنّ وقت الرمي اختياراً من طلوع الشمس إلى غروبها، وأنّه عند الضرورة يجوز تقديمه عليه ولو ليلاً . ۲۶
ويدلّ على الأوّل صحيح منصور بن حازم ۲۷ وحسن زرارة ، ۲۸ وقد رواه الشيخ في الصحيح عن زرارةٍ وابن اُذينة، عن أبي جعفر عليه السلام ، ۲۹ وصحيح إسماعيل بن همّام ۳۰ في خصوص يوم النحر، ولا قائل بالفصل ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان بن مهران الجمّال، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها»، ۳۱ والأمر بالرمي عند الزوال في أيّام التشريق في حسنة معاوية بن عمّار، حمله الشيخ في الاستبصار ۳۲ على الفضل؛ للجمع ، وبه صرّح في المبسوط، ۳۳ وتبعه الأكثر منهم ابن إدريس . ۳۴
وحكى في الدروس ۳۵ عن الشيخ ۳۶ وابن زهرة ۳۷ والفاضل ۳۸ إجزاء رميها بعد طلوع الفجر اختيارا.
وقد قال في الخلاف بذلك في رمي جمرة العقبة يوم النحر ، وأمّا في أيّام التشريق فظاهره كون وقت رميها بعد الزوال حيث قال :
وقت الاستحباب لرمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس بلا خلاف ، ووقت الإجزاء من عند طلوع الفجر مع الاختيار، فإن رمى قبل ذلك لم يجزه ، وللعليل ولصاحب الضرورة يجوز الرمي بالليل . ۳۹
ثمّ قال : «لا يجوز الرمي أيّام التشريق إلّا بعد الزوال ، وقد روى رخصة قبل الزوال في الأيّام كلّها ». ۴۰
وقد اختلف العامّة أيضا في المسألة ، فقد حكى طاب ثراه عن عياض أنّه قال : وقت رمي الجمرات الثلاث في الأيّام الثلاثة زوال الشمس إلى غروبها ، وقال بعضهم : السنّة في رميها من الزوال إلى إلاصفرار، فإن اصفرّت فات إلّا العليل والناسي . ۴۱
وفي العزيز في بحث رمي جمرة العقبة يوم النحر :
المستحبّ أن يرمي بعد طلوع الشمس، ثمّ يأتي بباقي الأعمال، فيقع الطواف في ضحوة النهار، ويدخل وقتها جميعا بانتصاف ليلة النحر ، وبه قال أحمد . وعن أبي حنيفة ومالك: إنّ شيئا منها لا يجوز قبل طلوع الفجر .
لنا: ما روي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر اُمّ سلمة فرمت جمرة العقبة قبل الفجر. ۴۲ ومتى يخرج وقتها ؟
أمّا الرمي يوم النحر فيمتدّ وقته إلى غروب الشمس ، وهل يمتدّ تلك الليلة؟ فيه وجهان، أصحّهما: لا. ۴۳
وقال في بحث أيام التشريق:
يدخل وقته بالزوال ويبقى إلى غروب الشمس، روي عن جابر رضى الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله رمى الجمرة يوم النحر ضحى، ثمّ لم يرم في سائر الأيّام حتّى زالت الشمس . ۴۴ وبهذا قال مالك وأحمد ، وعند أبي حنيفة يجوز الرمي في اليوم الثالث قبل الزوال.
وهل يمتدّ وقتها إلى طلوع الفجر ؟ أمّا في اليوم الثالث فلا ؛ لانقضاء أيّام المناسك ، وأمّا في اليومين الأوّلين فوجهان، كما في رمي يوم النحر، أصحّهما أنّه لا مبيت ، ۴۵ ووجه الثاني: التشبيه بوقوف عرفة . ۴۶ انتهى .
ويدلّ على الثاني أعني جواز تقديمه ليلاً في غير الاختيار ما ثبت من حكاية أمر النبيّ صلى الله عليه و آله لاُمّ سلمة ليلة النحر الذهاب إلى منى ورمي جمرة العقبة، ۴۷ وقد تقدّم في ذلك بعض الأخبار .
الثالثة : المشهور بين الأصحاب استحباب الطهارة عن الحدث في الرمي؛ لقوله عليه السلام : «ويستحبّ أن يرمي الجمار على طهر »، في حسنة معاوية في الباب السابق . ۴۸
ولما رواه الشيخ عن حميد بن مسعود قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رمي الجمار على غير طهور، قال : «الجمار عندنا مثل الصفا والمروة حيطان، إن طفت بينهما على غير طهور لم يضرّك، والطهر أحبّ إليَّ، فلا تدعه وأنت تقدر عليه ». ۴۹ وبذلك جمعوا بين الخبرين وبين صحيح محمّد بن مسلم؛ ۵۰ حملاً للنهي فيه على الكراهة ، وظاهر المفيد قدس سرهوجوب الطهارة له حيث قال : «فإذا نزل بمنى فإن قدر على الوضوء لرميه الجمار فليتوضّأ، وإن لم يقدر أجزأه عنه غسله ولا يجوز له رمي الجمار إلّا وهو على طهر ». ۵۱
وحكاه في المختلف عن السيّد المرتضى ۵۲ وابن الجنيد أيضا. ۵۳ وهو بعيد.
ولا يستحبّ الغسل له بخصوصه إجماعا؛ لأصالة العدم وعدم دليل عليه ، بل حسنة الحلبيّ ۵۴ صريحة في عدمه ، فتأمّل .

1.السرائر، ج ۱، ص ۶۰۶ .

2.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۲۹.

3.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۷۱.

4.فتح العزيز، ج ۷، ص ۳۹۱.

5.نفس المصدر، ص ۳۹۵.

6.شرح صحيح مسلم، ج ۹، ص ۴۲ نقلاً عن بعض أصحاب مالك.

7.السنن الكبرى للبيهقي، ج ۵ ، ص ۱۲۵.

8.الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.

9.في الأصل بعده بياض بقدر سطر.

10.الجمل والعقود (الرسائل العشر، ص ۲۳۴).

11.المهذّب، ج ۱، ص ۲۵۴.

12.المقنعة، ص ۴۳۱.

13.النهاية، ص ۲۷۱ ۲۷۲.

14.المبسوط للطوسي، ج ۱، ص ۳۸۲ ۳۸۳.

15.الاستبصار، ج ۲، ص ۲۹۷، ذيل الحديث ۱۰۶۱.

16.الوسيلة، ص ۱۸۰؛ المراسم العلويّة، ص ۱۰۵.

17.الجمل والعقود (الرسائل العشر، ص ۲۳۴).

18.منتهى المطلب، ج ۴، ص ۲۵۷ ۲۵۸.

19.المقنعة، ص ۴۱۷.

20.المبسوط، ج ۱، ص ۳۶۸ ۳۶۹.

21.المبسوط، ج ۱، ص ۳۷۸.

22.الاستبصار، ج ۲، ص ۲۹۷، ذيل الحديث ۱۰۵۹ وهو حديث معاوية بن عمّار.

23.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۷۱.

24.الجمل والعقود (الرسائل العشر، ص ۲۳۴).

25.السرائر، ج ۱، ص ۶۰۶ .

26.اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج ۸ ، ص ۳۶۰، المسألة ۶۷۹ ؛ منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۳۳؛ مدارك الأحكام، ج ۸ ، ص ۲۳۰ ۲۳۱.

27.الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي.

28.الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.

29.تهذيب الأحكام، ج ۲، ص ۲۶۲، ح ۸۹۲ ؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۹۶، ح ۱۰۵۶؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۶۹ ، ح ۱۸۶۱۱.

30.الحديث السابع من هذا الباب من الكافي.

31.الاستبصار، ج ۲، ص ۲۹۶، ح ۱۰۵۴؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۶۹ ، ح ۱۸۶۰۹.

32.الاستبصار، ج ۲، ص ۲۹۶، ح ۱۰۵۷.

33.المبسوط للطوسي، ج ۱، ص ۳۷۸.

34.السرائر، ج ۱، ص ۶۰۵ .

35.الدروس الشرعيّة، ج ۱، ص ۴۲۹، الدرس ۱۱۰.

36.الخلاف، ج ۲، ص ۳۴۴، المسألة ۱۶۷.

37.الغنية، ص ۱۸۷.

38.تحرير الأحكام، ج ۱، ص ۶۱۹ .

39.الخلاف، ج ۲، ص ۳۴۴ ۳۴۵، المسألة ۱۶۷.

40.الخلاف، ج ۲، ص ۳۵۱، المسألة ۱۷۶.

41.اُنظر: مواهب الجليل، ج ۴، ص ۱۹۰.

42.فتح العزيز، ج ۷، ص ۳۸۱؛ سنن أبي داود، ج ۱، ص ۴۳۴، ح ۱۹۴۲؛ المستدرك للحاكم، ج ۱، ص ۴۶۹؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۵ ، ص ۱۳۳؛ سنن الدار قطني، ج ۲، ص ۲۴۳، ح ۲۶۶۳.

43.فتح العزيز، ج ۷، ص ۳۸۱.

44.مسند أحمد، ج ۲، ص ۳۱۲ ۳۱۳ و ۳۱۹ و ۳۹۹ ۴۰۰؛ صحيح البخاري، ج ۲، ص ۱۹۲؛ صحيح مسلم، ج ۴، ص ۸۰ ؛ سنن أبي داود، ج ۱، ص ۴۳۹، ح ۱۹۷۱؛ سنن الترمذي، ج ۲، ص ۱۹۰، ح ۸۹۵ ؛ السنن الكبرى للنسائي، ج ۲، ص ۴۳۷، ح ۴۰۶۹.

45.كذا بالأصل، وفي المصدر: «لامبيت».

46.فتح العزيز، ج ۷، ص ۳۹۶ ۳۹۷.

47.سنن أبي داود، ج ۱، ص ۴۳۴، ح ۱۹۴۲.

48.الحديث الأوّل من الباب المتقدّم.

49.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۹۸، ح ۶۶۰ ؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۵۸، ح ۹۱۲؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۵۷ ، ح ۱۸۵۷۷.

50.الحديث العاشر من الباب المتقدّم؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۵۶ ، ح ۱۸۵۷۳.

51.المقنعة، ص ۴۱۷.

52.جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، ج ۳، ص ۶۸).

53.مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۲۶۱.

54.الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 224721
صفحه از 856
پرینت  ارسال به