باب ما ينبغي للمحرم تركه من الجدال و غيره
أراد قدس سره بالغير الرفث والفسوق ، إشارةً إلى قوله تعالى : «فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ»۱ ، والرفث : الجماع ۲ ، وهو حرام في الإحرام بإجماع أهل العلم ۳ ، وهل يفسد الحجّ؟ له تفصيل يأتي في محلّه ، والفسوق : الكذب والسباب على ما حكي عن السيّد المرتضى ۴ وابن الجنيد . ۵
ويدلّ عليه حسنة معاوية بن عمّار ۶ ، وخصّه ابن إدريس بالكذب ۷ ، وهو محكي عن الصدوقين ۸ ، وعن ابن البرّاج : أنّه الكذب على اللّه وعلى رسوله صلى الله عليه و آله وعلى الأئمّة عليهم السلام . ۹
وفي صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام : «الفسوق : الكذب والمفاخرة» . ۱۰
وعلى أيّ معنى فهو غير مفسد للحجّ على المشهور ؛ للأصل ، وانتفاء دليل على الإفساد . وإيجاب الفدية لا يستلزم الإبطال كغيره من المحرّمات .
وعن المفيد : أنّ الكذب يفسد الإحرام ۱۱ ، وليس بجيّد .
والجدال عندنا هو قول : لا واللّه وبلى واللّه ، صادقا أو كاذبا .
وعدّ هذا التفسير في الانتصار من منفردات الإماميّة . ۱۲
وفسّره البيضاويّ بالمخاصمة والمجادلة مع الخدم والرفقة ۱۳ ، وهو محكي عن جمهور العامّة .
والأخبار المتعدّدة من طريق الأصحاب ناطقة بما ذهبنا إليه ، منها : حسنة معاوية بن عمّار ۱۴ ، وموثّقة أبان بن عثمان ۱۵ ، وصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام [ عن رجل] ۱۶ : يقول لا لعمري وهو محرم؟ قال : «ليس بالجدال ، إنّما الجدال قول الرجل : لا واللّه وبلى واللّه ، وأمّا قوله لاها فإنّما طلب الاسم ، وقوله : يا هناه فلا بأس به ، وأمّا قوله : لا بل شانيك فإنّه من قول الجاهليّة» . ۱۷
وصحيحته الاُخرى ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «إذا حلف ثلاثة أيمان في مقام ولاءً وهو محرم فقد جادل ، وعليه حدّ الجدال دمٌ يهريقه ويتصدّق به» . ۱۸
وفي الانتصار :
فإن قيل : ليس في لغة العرب أنّ الجدال هو الحلف ، قلنا : ليس ينكر أن يقتضي عرف الشريعة ما ليس في وضع اللغة . على أنّ الجدال إذا كان الخصومة والمراء والمنازعة ، وهذه اُمور تستعمل للدفع والمنع ، والقسم باللّه تعالى قد يفعل لذلك ، ففيه معنى المنازعة والخصومة . ۱۹
وأمّا حكمه فقد قال السيّد في ذلك الكتاب :
إن جادل وهو محرم صادقا مرّة أو مرّتين فليس عليه كفّارة وليستغفر اللّه تعالى ، فإن جادل ثلاث مرّات صادقا فما زاد فعليه دم شاة ، فإن جادل مرّة واحدة كاذبا فعليه دم شاة ، فإن جادل مرّتين كاذبا فدم بقرة ، فإن جادل ثلاث مرّات كاذبا فعليه دم بدنة . ۲۰
ومثله في المقنعة ۲۱ والسرائر ۲۲ وسائر كتب الأصحاب ، ولم أجد مخالفا لهم .
ويدلّ عليه بعض أخبار الباب ، وصحيحة معاوية بن عمّار ۲۳ المتقدّمة ، وبذلك جمع بينها وبين صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن الجدال في الحجّ ، قال : «مَن زاد على مرّتين فقد وقع عليه الدم» ، فقيل له : الذي يجادل وهو صادق؟ قال : «عليه شاة ، والكاذب عليه بقرة» . ۲۴
وصحيحة يونس بن يعقوب ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يقول : لا واللّه وبلى واللّه وهو صادق ، عليه شيء؟ قال : «لا» . ۲۵
وموثّقة أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا حلف الرجل ثلاثة أيمان وهو صادق وهو محرم فعليه دم يهريقه» . ۲۶
وموثّقة أبي بصير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا جادل الرجل وهو محرم فكذب متعمّدا فعليه جزور» . ۲۷
1.البقرة (۱) : ۱۹۷ .
2.صحاح اللغة ، ج ۱ ، ص ۲۸۳ (رفث) .
3.اُنظر : تذكرة الفقهاء ، ج ۷ ، ص ۳۸۲ ؛ مدارك الأحكام ، ج ۷ ، ص ۳۱۰ ؛ المجموع للنووي ، ج ۷ ، ص ۲۹۰ .
4.جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى ، ج ۳ ، ص ۶۵) .
5.حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة ، ج ۴ ، ص ۸۴ .
6.هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
7.السرائر ، ج ۱ ، ص ۵۴۵ .
8.فقه الرضا عليه السلام ، ص ۲۱۷ ؛ المقنع ، ص ۲۲۴ ؛ الفقيه ، ج ۲ ، ص ۳۲۹ .
9.المهذّب ، ج ۱ ، ص ۲۲۱ .
10.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۲۹۷ ، ح ۱۰۰۵ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۴۶۵ ، ح ۱۶۷۹۱ .
11.المقنعة ، ص ۴۳۲ .
12.الانتصار ، ص ۲۴۱ .
13.تفسير البيضاوي ، ج ۱ ، ص ۴۸۲ .
14.هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي .
15.هي الحديث الرابع من هذا الباب ، و الحديث يرويه أبان ، عن أبي بصير، عن أحدهما عليهماالسلام .
16.اُضيفت من المصدر لاقتضاء السياق .
17.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۶ ، ح ۱۱۵۷ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۴۶۵ ، ح ۱۶۷۹۰ .
18.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۵ ، ح ۱۱۵۲ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۴۶ ۱۴۷ ، ح ۱۷۴۴۰ .
19.الانتصار ، ص ۲۴۲ .
20.الانتصار ، ص ۲۴۱ ۲۴۲ .
21.المقنعة ، ص ۴۳۵ .
22.السرائر ، ج ۱ ، ص ۵۵۳ .
23.وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۴۶۵ ، ح ۱۶۷۹۰ .
24.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۵ ، ح ۱۱۵۳ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۴۷ ، ح ۱۷۴۴۱ .
25.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۵ ، ح ۱۱۵۶ ؛ الاستبصار ، ج ۲ ، ص ۱۹۷ ، ح ۶۶۶ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۴۷ ، ح ۱۷۴۴۳ .
26.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۵ ، ح ۱۱۵۴ ؛ الاستبصار ، ج ۲ ، ص ۱۹۷ ، ح ۶۶۵ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۴۷ ، ح ۱۷۴۴۲ .
27.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۵ ، ح ۱۱۵۵ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۴۷ ، ح ۱۷۴۴۴ .