باب ما يجوز للمحرمة أن تلبسه من الثياب والحلي وما يكره لها من الثياب

هنا مسائل :
الاُولى : قال جمع من الأصحاب منهم ابن إدريس : ^۱ يجوز إحرام المرأة في الحرير المحض ، وهو محكي عن المفيد رحمه الله في كتاب أحكام النساء ^۲ ، وقوّاه أكثر المتأخّرين ^۳ ؛ لصحيحة يعقوب بن شعيب ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : المرأة تلبس القميص تزرّه عليها وتلبس الحرير والخزّ والديباج ؟ قال : «نعم لا بأس ، به وتلبس الخلخالين والمسك» . ^۴
وحسنة حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كلّ ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه» ^۵ ، بناءً على المشهور بين الأصحاب من جواز الصلاة لها في الحرير .
وحرّمه الشيخ في التهذيب ^۶ ، وهو ظاهره في النهاية ^۷ والمبسوط ^۸ حيث حكم فيهما بأنّه يحرم عليها في حال الإحرام من الثياب جميع ما يحرم على الرجل ، واستثنى في الأوّل السراويل فقط ، وفي الثاني القميص أيضا من غير استثناء للحرير .
ويدلّ عليه صحيحة عيص ^۹ وخبرا أبي عيينة ^۱۰ وإسماعيل بن الفضل ^۱۱ ، والأظهر الكراهة ؛ للجمع ، وهو ظاهر خبر أبي الحسن الأحمسيّ ^۱۲ ، وما يرويه المصنّف قدس سرهفي باب لبس الحرير من كتاب الزيّ والتجمّل من موثّق سماعة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة ، فأمّا في الحرّ والبرد فلا بأس» . ^۱۳
وما رواه الصدوق رضى الله عنه في الصحيح عن الحلبيّ ، قال : «لا بأس أن تحرم المرأة في الذهب والخزّ ، وليس يكره إلّا الحرير المحض» ^۱۴ ، ثمّ قال : وسأله سماعة عن المحرمة تلبس الحرير؟ فقال : «لا يصلح لها أن تلبس حريرا محضا لا خلط فيه ، فأمّا الخز والعَلم في الثوب فلا بأس أن تلبسه وهي محرمة ، وإن مرَّ بها رجل استترت منه بثوبها ، ولا تستتر بيدها من الشمس ، وتلبس الخزّ ، أما أنّهم يقولون : إنّ في الخزّ حريرا وإنّما يكره الحرير المبهم» . ^۱۵
وقال أيضا : وسأله أبو بصير المراديّ عن القزّ تلبسه المرأة في الإحرام؟ قال : «لا بأس ، إنّما يكره الحرير المبهم» . ^۱۶
الثانية : المشهور جواز لبسها للمخيط ؛ لصحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المرأة تلبس القميص [ تزره عليها و تلبس الخزّ والحرير والديباج؟ فقال : نعم لا بأس به]» . ^۱۷
ويؤيّدها عموم صحيحة عيص ^۱۸
وبعض آخر من أخبار الباب ، وادّعى في السرائر ^۱۹ إجماع الطائفة وعملهم وعمل المسلمين عليه ، وظاهر ما حكيناه عن الشيخ في النهاية ^۲۰ والمبسوط ^۲۱ تحريمه مستثنى منه ما ذكرناه .
وحكى في المختلف عنه أنّه منعه فيهما محتجّا بعموم المنع من لبس المخيط . وأجاب عنه : بأنّه في حقّ الرجال خاصّة . ^۲۲
الثالثة : قال الشيخ قدس سره في التهذيب : أنّها لا تلبس حليا تتزيّن به ، ولا تلبس الثياب المصبوغة المُفدمة ^۲۳ ، وأراد بالحليّ الغير المعتادة ، كما صرّح به جماعة منهم العلّامة في المنتهى ^۲۴ ، وبذلك جمع بين الأخبار التي دلّت على تحريم لبسها عليها ممّا رواه المصنّف في الباب ، وما رواه الجمهور عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه نهى النساء في إحرامهنّ عن القفّازين ^۲۵ والخلخال . ^۲۶
وعن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال : «لا تتنقّب المرأة الحرام ، ولا تلبس القفّازين» ^۲۷ ، وبين ما دلّ على جوازه ، وهو ما رواه الشيخ عن عمّار بن موسى الساباطيّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «تلبس المحرمة الخاتم من الذهب» . ^۲۸
ويدلّ على هذا الجمع صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ^۲۹ ، وخبر حريز ، قال : «إذا كان للمرأة حليّ لم تحدثه للإحرام لم ينزع عنها» . ^۳۰
وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام : «في المحرمة أنّها تلبس الحلي كلّه إلّا حليّا مشهورا لزينة» . ^۳۱
وخبر الكاهليّ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «تلبس المرأة المحرمة الحليّ كلّه إلّا القرط المشهور والقلادة المشهورة» . ^۳۲ على ما يشعر به تقييد الحلي الممنوع عنه بالشهرة .
واعلم أنّ تحريم التختّم للزينة غير مختصّ بالمرأة ، بل يحرم على الرجل أيضا ، وإنّما يجوز له للسنّة ، ولا نعرف فيه خلافا .
ويدلّ عليه ما رواه الشيخ عن مسمع ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته : أيلبس المحرم الخاتم؟ قال : «لا يلبسه للزينة» . ^۳۳
وبذلك جمع بينه وبين صحيحة محمّد بن إسماعيل قال : رأيت العبد الصالح عليه السلام وهو محرم وعليه خاتم وهو يطوف طواف الفريضة . ^۳۴
وخبر أبي بصير ، عن نجيح ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «لا بأس بلبس الخاتم للمحرم» . ^۳۵
ويؤيّده أصالة جواز لبسه للسنّة .
الرابعة : يحرم على المرأة تغطية الوجه وسدل القناع إلّا إلى طرف أنفها من غير أن يتّصل بوجهها .
ويدلّ عليه بعض أخبار الباب ، ويأتي تحقيق القول فيهما عن قريب .
قوله في صحيحة عيص بن القاسم : (غير الحرير والقُفّازين) .[ ح 1 / 7231] القُفّاز كرمّان : ضرب من الحليّ لليدين والرجلين . ^۳۶
وفي المنتهى : «القفّازان في الأصل شيء تتّخذه النساء لليدين يُحشى بقطن ، ويكون له أزرار تُزرّ على الساعدين من البرد» . ^۳۷
وفي السرائر :
القفاز أيضا الدستبانج الذي يتّخذ للجوارح من جلد يمدّه الرجل على يده ، قال الشاعر :
تبّا لذي أدبٍ يرضى بمعجزةولا يكون كبازٍ فوق قُفّاز^۳۸
ويعني بذلك ما يقال له بالفارسيّة : «بهلَة» وهو غير مراد هنا .
قوله في خبر النضر بن سويد : (إلّا المصبوغة بالزعفران والورس) إلخ .[ ح 2 / 7232] الورس : نبت أصفر يكون باليمن تتّخذ منه الغمرة للوجه ^۳۹ ، والفرند : ثوب مُزَخرف ^۴۰ معرّب بيرند .
قوله في حسنة الحلبيّ : (إلّا صبغ لا يردع) .[ ح 3 / 7233] الرَّدع : الزعفران أو لطخ منه أو من الدم ، وأثر الطيّب في الجسد . ^۴۱
قوله في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج : (والمَسَكة والقرطان) .[ ح 4 / 7234] المسكة بالتحريك : السوار من الزّبل ، وهي قرون الأوغال ، وقيل : جلود دابّة بحريّة ، والجمع مَسَك . ^۴۲ والقرط : نوع من حليّ الاُذن معروف . ^۴۳
قوله في حسنة عبداللّه بن ميمون : (لأنّ إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في وجهه) .[ ح 7 / 7237] يدلّ على ما هو المشهور من جواز ستر الوجه للرجل المحرم ، ويأتي القول فيه إن شاء اللّه تعالى .