219
شرح فروع الکافي ج5

باب حدّ المشي في الطواف

قال الشيخ قدس سره في التهذيب: «ينبغي لمن يطوف أن يمشي بين المشيين، لا يسرع ولا يبطئ ». ۱
واحتجّ عليه بخبر عبد الرحمن بن سيّابة، ۲ وظاهره استحباب ذلك في مطلق الطواف ، وهو المشهور بين الأصحاب، وإنّما حملوا الخبر على الاستحباب مع أنّ ظاهره الوجوب؛ للجمع بينه وبين ما رواه الصدوق رضى الله عنهعن سعيد الأعرج أنّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن المسرع والمبطئ في الطواف ، فقال : «كلّ واسع ما لم يؤذ أحداً ». ۳
وقال المحقّق : «وقيل : يرمل ثلاثا»، ۴ و الرمل: هو الإسراع في المشي مع تفاوت الخطى، دون الوثوب والعدو ، ويقال له الخبب، وغلط من الأئمّة من ظنّ كونه دون الخبب ، كذا في العزيز . ۵ ولم يعرف القائل به في مطلق الطواف، ولا نصّ عليه أيضا .
نعم ، ذهب إليه الشيخ في المبسوط في خصوص طواف القدوم محتجّا بما رواه عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله رمل ثلاثا ومشى أربعا . ۶
وحكاه في المنتهى ۷ عن العامّة كافّة محتجّين بهذا الخبر، لكنّهم نقلوه عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهماالسلام ، عن جابر رضى الله عنه. ۸
ونقلوا عن ابن عبّاس أيضا مثله . ۹
وعن ابن عبّاس: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله رمل في عمره كلّها وفي حجّه، وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ عليه السلام . ۱۰
ويظهر منه أنّهم قالوا جميعا باستحباب الرمل في الأشواط الثلاثة من جميع جوانب البيت، وفي كلّ طواف، وليس كذلك ؛ ففي العزيز:
لا خلاف في أنّ الرمل لا يُسَنّ في كلّ طواف .
و فيمَ : يُسَنّ؟ فيه قولان: أحدهما: قال في التهذيب وهو الأصحّ ـ : إنّما يُسَنّ في طواف القدوم والابتداء؛ لأنّه أوّل العهد بالبيت، فيليق به النشاط والاهتزاز .
والثاني: أنّه إنّما يُسَنّ في طواف يستعقب السعي؛ لانتهائه إلى تواصل الحركات بين الجبلين، وهذا أظهر عند الأكثرين .
ويشهد للأوّل ما روي أنّه صلى الله عليه و آله لم يرمل في طوافه بعدما أفاض ، وللثاني أنّه صلى الله عليه و آله رمل في طواف عمره كلّها . ۱۱ انتهى .
والظاهر استحباب اختصاصه بطواف قدوم الصحابة مع النبيّ صلى الله عليه و آله في الأشواط الثلاثة الاُول في غير ما بين الركنين بناءً على العلّة المنقولة في ذلك ، ففي المنتهى:
السبب فيه ما رواه ابن عبّاس، قال : قدم رسول اللّه صلى الله عليه و آله مكّة فقال المشركون : إنّه يقدم عليكم قوم قد نهكتهم الحمّى ولقوا منها شرّاً ، فأمرهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا بين الركنين ، فلمّا رأوهم قالوا : ما نراهم إلّا كالغزلان . ۱۲
وفي العزيز:
أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد شرط على المشركين عام الصدّ أن يتجلّوا عن بطحاء مكّة إذا عاد لقضاء العمرة ، فلمّا عاد وَفَوا ورَقوا قُعيقعان، وهو جبل في مقابلة الحجر والميزاب، فكان أصحابه يظهرون القوّة والجلادة حيث يقع أبصارهم عليهم، وإذا صاروا بين الركنين اليمانيّين كان البيت حائلاً بينهم وبين أبصارهم . ۱۳
ولا يؤبه بقول صاحب العزيز ولا بما احتجّ به عليه، حيث قال بعدما ذكرنا عنه :
ثمّ إنّ ذلك بقي سنّة متّبعة وإن زال السبب؛ لما روي عن عمر أنّه قال : فيمَ الرمل وقد نَعَى اللّه الشرك وأهله وأعزّ الإسلام؟ إلّا أنّي لا أحبّ أن أدع شيئا كنّا نفعله على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله . ۱۴
هذا ، واستحبابه على القول به مختصّ بالرجال لصعوبته على النساء والصبيان مع منافاته في النساء للتستّر المطلوب فيهنّ .

1.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۰۹.

2.هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۰۹، ح ۳۵۲؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۳۵۲، ح ۱۷۹۲۵.

3.الفقيه، ج ۲، ص ۴۱۱، ح ۲۸۴۲؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۳۵۱، ح ۱۷۹۲۲.

4.شرائع الإسلام، ج ۱، ص ۲۰۱.

5.فتح العزيز، ج ۷، ص ۳۲۶.

6.المبسوط للطوسي، ج ۱، ص ۳۵۶.

7.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۶۹۶ .

8.سنن النسائي، ج ۵ ، ص ۲۳۵؛ السنن الكبرى له أيضا، ج ۲، ص ۴۰۹، ح ۳۹۵۵؛ سنن الترمذي، ج ۲، ص ۱۷۴، ح ۸۵۹ ؛ سنن ابن ماجة، ج ۲، ص ۹۸۳، ح ۲۹۵۱؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۵ ، ص ۷۴.

9.المغني لابن قدامة، ج ۳، ص ۳۸۷؛ صحيح ابن حبّان، ج ۹، ص ۱۲۲ ۱۲۳؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج ۳، ص ۳۸۷.

10.مسند أحمد، ج ۱، ص ۲۵۵؛ منتهى المطلب، ج ۲، ص ۶۹۶ ؛ المغني، ج ۳، ص ۳۸۷؛ الشرح الكبير، ج ۳، ص ۳۸۷؛ تلخيص الحبير، ج ۷، ص ۳۳۱.

11.فتح العزيز، ج ۷، ص ۳۲۹ ۳۳۱.

12.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۶۹۶ .

13.فتح العزيز، ج ۷، ص ۳۲۹.

14.فتح العزيز، ج ۲، ص ۳۲۵.


شرح فروع الکافي ج5
218

باب فضل الطواف

قد اختلفت الأخبار في كمّيّة فضله، وحُملت على اختلاف رُتَب الطائفين، ولا يبعد حمل أخبار السبعين ألفا ۱ على الطواف الواجب، وأخبار الستّة الآلاف ۲ على المندوب منه، وهو يحتمل جعل الأوّل كناية عن الكثرة، فقد شاع استعمال السبع والسبعين والسبعمئة والسبعين ألفا ونظائرها في هذا المعنى، وقد بسطنا ذلك سابقا .

باب

هو من الباب الأوّل، والفرق: أنّ الأوّل لبيان فضيلة الطواف في نفسه، وهذا لبيان فضيلة نوع منه على نوع آخر، أو على الصلاة في الجملة .

باب حدّ موضع الطواف

المذهب المنصور أنّ المطاف مطلقا ما بين البيت والمقام ونحوه من جوانب البيت إلّا من جانب الحجر، فيعتبر ذلك البُعد منه لا من البيت .
واحتجّوا عليه بخبر محمّد بن مسلم، ۳ وهو مع كونه عليلاً بضرير ۴ إنّما يدلّ على احتساب المسافة من البيت بين جميع جوانبه، وقد ثبت من مذهب أهل البيت عليهم السلام خروج الحِجر كلّه من البيت ، ولذلك قال الشهيد الثاني قدس سره في المسالك : «يحتمل احتساب الحجر من المسافة على القول بخروجه وإن لم يجز سلوكه ». ۵ وقيل : هو أحوط . ۶
ونقل عن ابن الجنيد جواز الطواف خارج المقام عند الضرورة ۷ محتجّا بما رواه الصدوق عن أبان، عن الحلبيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الطواف خلف المقام ، قال : «ما أحبّ ذلك وما أرى به بأسا، فلا تفعله إلّا أن لا تجد منه بُدّاً ». ۸
وهو ظاهر الصدوق أيضا . ۹
وذهب الجمهور إلى جوازه في الحجر، مع أنّهم يعتقدون أنّه كلّه أو بعضه من الحجر . ۱۰
والمراد بالمقام في هذا المقام نفس الصخرة لا ما عليه من البناء؛ ترجيحا للاستعمال الشرعي على العرفي، على ما قاله الشهيد الثاني . ۱۱
قوله في خبر محمّد بن مسلم : (كان الناس يطوفون بالبيت والمقام) .] ح 1 / 7538] والسرّ في ذلك أنّ المقام كان متّصلاً بالبيت في عهده صلى الله عليه و آله إلى زمان خلافته، فحوّله إلى المكان الذي فيه الآن كما سبق .

1.كما في الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.

2.كما في الحديث الثاني من هذا الباب.

3.ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۰۸، ح ۳۵۱؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۳۵۰، ح ۱۷۹۲۰ .

4.لم يرد فيه توثيق. اُنظر: رجال النجاشي، ص ۴۵۳، الرقم ۱۲۲۷؛ رجال داود، ص ۲۰۱، الرقم ۱۶۸۹.

5.مسالك الأفهام، ج ۲، ص ۳۳۳.

6.كفاية الأحكام، ج ۱، ص ۳۳۱.

7.حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۱۸۳.

8.الفقيه، ج ۲، ص ۳۹۹، ح ۲۸۰۹؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۳۵۱، ح ۱۷۹۲۱.

9.نسب إليه في مدارك الأحكام، ج ۸ ، ص ۱۳۱.

10.اُنظر: المجموع للنووي، ج ۸ ، ص ۲۵ ۲۶؛ فتح العزيز، ج ۳، ص ۳۵۶.

11.شرح اللمعة، ج ۲، ص ۲۴۹.

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 184270
صفحه از 856
پرینت  ارسال به