باب ما يجب فيه الفداء من لبس الثياب .
فيه مسائل :
الاُولى : جواز لبس ما يحرم على المحرم مع وجود ثوبي الإحرام ولو في حال الاضطرار ، ومنه ضرورة الحرّ والبرد ومع الفدية ، ولا خلاف فيه بين الأصحاب .
ويدلّ عليه حسنة محمّد بن مسلم . ۱
وقال صاحب المدارك :
واستدلّ عليه في المنتهى ۲ أيضا بقوله تعالى : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ»۳ قال : ومعناه مَن كان منكم مريضا فلبس أو تطيّب أو حلق بلا خلاف ، ثمّ عزى ذلك إلى الشيخ ۴ ، وهو غير جيّد ؛ أمّا أوّلاً فلأنّ سوق الآية يقتضي اختصاصها بالحلق لترتّب ذلك على قوله عزّ وجلّ : «وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ»۵
، وقد صرّح بذلك الإمام الطبرسي أيضا في تفسيره ، فقال : فمَن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ؛ أي من مرض منكم مرضا يحتاج فيه إلى الحلق أو تأذّى بهوام رأسه اُبيح له الحلق بشرط الفدية . ۶
وأمّا ثانيا فلأنّ اللّازم من ذلك التخيير في فدية اللبس بين الصيام والصدقة ، والنسك كالحلق ، ولا نعلم بذلك قائلاً من الأصحاب ولا غيرهم ، بل مقتضى كلام الجميع تعيّن الدم . ۷
الثانية : كفّارة لبس ما يحرم على المحرم العامد العالم اختيارا واضطرارا شاة إجماعا .
ويدلّ عليه أخبار ، منها : صحيحة زرارة . ۸
ومنها : ما رواه الشيخ عن زرارة بن أعين ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «مَن نتف إبطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلاً فليس عليه شيء ، ومَن فعله متعمّدا فعليه دم شاة» . ۹
وعن سليمان بن العيص أو ابن الفيض على اختلاف النسخ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يلبس القميص متعمّدا؟ قال : «عليه دم» . ۱۰
وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم ۱۱ ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يلبس القميص متعمّدا ، قال : «عليه دم» .
ولا يعتبر طول زمان اللّبس عندنا وعند أكثر العامّة .
وعن أبي حنيفة أنّه إنّما يجب الدم بلباس يوم وليلة ولا يجب فيما دون ذلك ؛ محتجّا بأنّه لم يلبس لبسا معتادا ، فأشبه ما لو اتّزر بالقميص . ۱۲ وفيه ما فيه .
ويدلّ حسنة محمّد بن مسلم ۱۳ على وجوبها مع الاضطرار أيضا ، ولا خلاف فيه بين أهل العلم في غير السراويل والخفّ والجورب والقباء المقلوب ، وأمّا هذه فقد سبقت ، وأجمع أهل العلم على عدم وجوب كفّارة إذا لبسه ناسيا أو جاهلاً .
ويدلّ عليه عموم قوله صلى الله عليه و آله : «رُفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان» ۱۴ ، وخصوص صحيحة زرارة ۱۵ ، وهو القاعدة فيما سوى الصيد من محرّمات الإحرام كما يستفاد من أخبار تأتي في محالّها .
الثالثة : أجمع الأصحاب على تعدّد الكفّارة بتعدّد الأسباب الموجبة لها مع اختلافها جنسا كالجماع والصيد واللبس ونحوها ، اتّحد الوقت والمحلّ أو اختلفا ، كفّر عن الأوّل أو لم يكفّر .
وعلّله في المنتهى بأنّ «كلّ واحد منها سبب مستقلّ في وجوب الكفّارة ، والحقيقة باقية عند الاجتماع ، فالأثر موجود» ، ۱۶ وهل تتكرّر بتكرّر واحد منها؟ فظاهر السيّد المرتضى رضى الله عنه وفاق الأصحاب على تعدّدها بتعدّد الجماع مطلقا ۱۷ ، والظاهر وفاقهم على تعدّدها بتعدّد الصيد خطأً واختلافهم في عمده ۱۸ ، واختلفوا في التظليل ، وسيأتي القول في ذلك كلّه في محالّها إن شاء اللّه تعالى .
وأمّا غير هذه فمقتضى الاُصول تعدّدها بتكرّره مطلقا مع صدق التكرّر عرفا ، ومنه ما لو لبس قميصا وعمامة وسراويل ولو في وقت واحد من غير فصل لاقتضاء تعدّد الأسباب تعدّد المسبّبات ، من غير حاجة إلى نصّ خاصّ .
نعم ، لو لم يصدق تعدّدها عرفا تداخلت كما لو لبس قميصا وقباء دفعة بأن أخرج يديه من بينهما دفعة ، وكذا في الحلق والقلم والطيب ونحوها . ويدلّ عليه حسنة محمّد بن مسلم ۱۹ ، وقد رواها الشيخ في الصحيح عنه ۲۰ ، وهي وإن وردت في اللّباس لكنّ الفارق غير موجود والقاعدة تقتضي التعميم .
وذهب إليه جماعة منهم الشيخ في المبسوط ۲۱ ، والعلّامة في المنتهى ۲۲ ، والشهيد في الدروس ۲۳ ، واعتبر الشهيدان في اللمعة ۲۴ وشرحها ۲۵ في اللبس خصوصا تعدّد المجلس ، ويظهر من ابن الجنيد الفصل بين الأعيان المحرّمة كالطّيب وأضرابه والمنافع المحرّمة كالقبلة ونحوها ، والقول بتعدّد الفدية بتكرّر الاُولى مطلقا دون الثانية كذلك ، فإنّه قال على ما حكى عنه في المختلف : «كلّ عين محرّم على المحرم إتلافها فعليه لكلّ عين فدية إذا أتلفها في مجلس واحد كان ذلك أو في مجالس» . ۲۶ وهو تحكّم .
1.هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
2.الخلاف ، ج ۲ ، ص ۸۱۲ .
3.البقرة (۲) : ۱۹۶ .
4.النهاية ، ص ۲۳۴ ؛ المبسوط ، ج ۱ ، ص ۳۵۱ .
5.البقرة (۲) : ۱۹۶ .
6.مجمع البيان ، ج ۲ ، ص ۳۸ . و نحوه في جوامع الجامع ، ج ۱ ، ص ۱۹۲ .
7.مدارك الأفهام ، ج ۸ ، ص ۴۳۷ ۴۳۸ .
8.هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
9.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۶۹ـ ۳۷۰ ، ح ۱۲۸۷ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۵۷ ، ح ۱۷۴۷۲ .
10.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۸۴ ، ح ۱۳۳۹ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۵۷ ، ح ۱۷۴۷۳ .
11.كذا بالأصل ، و هذا الحديث مكرّر لسابقه ، و لم أجد لمحمد بن مسلم حديثا بهذا اللفظ ، نعم نسب هذا الحديث في تذكره الفقهاء إلى محمّد بن مسلم ، و هو واقع في سند الحديث اللاحق .
12.منتهى المطلب ، ج ۲ ، ص ۸۱۲ ؛ و تذكرة الفقهاء ، ج ۸ ، ص ۶ ؛ تحفة الفقهاء ، ج ۱ ، ص ۴۱۹ ؛ فتح العزيز ، ج ۷ ، ص ۴۴۱ ؛ بدائع الصنائع ، ج ۲ ، ص ۱۸۷ ، و في الأخيرين : «يوما كاملاً» ؛ المجموع للنووي ، ج ۷ ، ص ۳۸۴ و فيه : «يوما كاملاً أو ليلة كاملة» .
13.هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي .
14.وسائل الشيعة ، ج ۴ ، ص ۳۷۳ ، ح ۵۴۳۰ ، و قد تقدّم .
15.هي الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي .
16.منتهى المطلب ، ج ۲ ، ص ۸۴۵ ؛ و مثله في تذكرة الفقهاء ، ج ۸ ، ص۸۳ .
17.الانتصار ، ص ۲۵۲ .
18.اُنظر : مختلف الشيعة ، ج ۴ ، ص ۱۲۲ .
19.هي الحديث الثاني من هذا الباب .
20.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۸۴ ، ح ۱۳۴۰ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۵۹ ، ح ۱۷۴۷۷ .
21.المبسوط ، ج ۱ ، ص ۳۵۱ .
22.منتهى المطلب ، ج ۲ ، ص ۸۱۲ .
23.الدروس الشرعيّة ، ج ۱ ، ص ۳۹۰ ، الدرس ۱۰۲ .
24.اللمعة الدمشقيّة ، ص ۷۰ .
25.شرح اللمعة ، ج ۲ ، ص ۳۶۵ .
26.مختلف الشيعة ، ج ۴ ، ص ۱۷۸ .