باب ركعتي الطواف ووقتهما والقراءة فيهما والدُّعاء
قد اشتهر بين الأصحاب بل كاد أن يكون إجماعا وجوب صلاة الطواف الواجب . ۱
واحتجّوا عليه بالأمر بها في قوله تعالى : «وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً» ، ۲ وبأخبار متعدّدة تأتي الإشارة إليها .
وبه قال أبو حنيفة والشافعيّ في قول. ۳
وحكى الشيخ في الخلاف ۴ والعلّامة في المنتهى ۵ عن بعض الأصحاب استحبابها من غير أن تعيين قائله ، وبه قال الشافعيّ في قول آخر . ۶
واحتجّ عليه في المنتهى بأنّها صلاة لا تشرع لها الأذان والإقامة، فلم تكن واجبة كسائر النوافل، وهو منقوض بصلاة الآيات ونحوها. ۷
ومقام هذه الصلاة خلف مقام إبراهيم عليه السلام أو أحد جانبيه في الواجب مطلقا .
ويدلّ على الخَلف ما سبق من الآية، وحسنة معاوية بن عمّار، ۸ وصحيحة إبراهيم بن أبي محمود، ۹ وخبر هشام بن المثنّى، ۱۰ وما رواه الشيخ في الموثّق عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ثمّ تأتي مقام إبراهيم فتصلّي فيه ركعتين، واجعله اماما، واقرأ فيهما سورة توحيد «قل هو اللّه أحد » ، وفي الثانية قل يا أيّها الكافرون، ثمّ تشهّد واحمد اللّه واثن عليه ». ۱۱
وعن صفوان بن يحيى، عمّن حدّثه، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ليس لأحد أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة إلّا خلف المقام؛ لقول اللّه عزّ وجلّ : «وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً» ، فإن صلّيتهما في غيره فعليك إعادة الصلاة ». ۱۲
وما يرويه المصنّف في الباب الآتي من حسنة معاوية بن عمّار، ۱۳ وما سنرويه في شرحه عن الشيخ قدس سرهمن صحيحة أبي بصير، ۱۴ وخبر أبي عبداللّه الأبزاريّ . ۱۵
واحتجّوا على أحد الجانبين بما ورد من لفظ المقام في مرسلة زرارة، ۱۶ وما يأتي في الباب الآتي من خبر أبي الصباح الكنانيّ، ۱۷ وموثّق عبيد بن زرارة، ۱۸ وصحيحة محمّد بن مسلم، ۱۹ وبلزوم الحرج لو اختصّ بالخلف .
وعلى هذا فلو فعلها في غير ما ذكر تلزم الإعادة فيه . وذهب مالك إلى إجزائها في غير خلف المقام مع جبرانه بدم . ۲۰
وذهب الشيخ في الخلاف إلى استحباب فعلها خلف المقام ، وقال : «فإن لم يفعل وفعل في غيره أجزأه». ۲۱ وهو ظاهر ما نقل عن أبي الصلاح ۲۲ من جواز فعلها في غير ما ذكر من المسجد .
وعن الصدوقين من جواز ذلك في خصوص طواف النساء ، ۲۳ وعن الثوريّ أنّه يأتي بها أيّ موضع شاء من الحرم ، ۲۴ وبه قال الشافعيّ ۲۵ محتجّا بأنّها صلاة فلا تختصّ بمكان كغيرها من الصلوات.
وفيه: أنّه على تقدير تسليمه يدلّ على عدم اختصاصه بالحرم أيضا .
هذا في حال الاختيار ، وأمّا في الاضطرار فقد قال الشيخ في التهذيب : «وإذا كان الزحام فلا بأس أن يصلّي الإنسان بحيال المقام »، واحتجّ عليه بخبر الحسين بن عثمان ، ورواه بسند آخر ضعيف بضميمة صريحة في أنّه عليه السلام صلّاهما هناك للضرورة وهي قوله : قال: «رأيت أبا الحسن عليه السلام يصلّي ركعتي الفريضة بحيال المقام قريبا من الظلال؛ لكثرة الناس ». ۲۶
وأمّا صلاة الطواف المندوب فيجوز فعلها اختياراً أينما شاء من المسجد، والفضل في خلف المقام أو أحد جانبيه إجماعا .
ويدلّ عليه بعض ما أشرنا إليه من الأخبار ، والمراد بالمقام حيث هو الآن إجماعا؛ لصحيحة إبراهيم بن أبي محمود، ۲۷ ولظهور الأخبار في ذلك .
هذا ، والمستفاد من الأخبار عدم كراهة تلك الصلاة في الأوقات المكروهة للطواف الواجب، وكراهتها للمندوب منه بعد صلاة الفجر وبعد بلوغ الشمس وبعد العصر إلى المغرب. وبه صرّح جماعة من الأصحاب، منهم العلّامة في المنتهى حيث قال :
وقت ركعتي الطواف حين يفرغ منه، سواء كان بعد الغداة أو بعد القصر إذا كان طواف فريضة ، وإن كان طواف نافلة أخّرهما إلى بعد طلوع الشمس أو بعد صلاة المغرب . ۲۸
ومثله في التهذيب . ۲۹
ويدلّ على حكم الواجب منها إطلاق أكثر الأخبار الواردة في الباب، وعموم صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : «أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ حال : صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها أدّيتها، وركعتي طواف الفريضة، وصلاة الكسوف، والصلاة على الميّت ». ۳۰
وما روي عنهم عليهم السلام : «خمس صلوات تصليهنّ على كلّ حال : الصلاة على الميّت، وصلاة الكسوف، وصلاة الإحرام، وصلاة الطواف ، وصلاة الناسي في كلّ وقت ذكرها ». رواها المفيد قدس سره في باب الزيادات من أبواب نوافل الصلاة من المقنعة، ۳۱ وخصوص حسنتي محمّد بن مسلم ۳۲ ورفاعة ۳۳ وموثّق إسحاق بن عمّار، ۳۴ وما رواه الشيخ عن ميسر، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «صلِّ ركعتي طواف الفريضة بعد الفجر كان أو بعد العصر ». ۳۵
وعن منصور بن حازم، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن ركعتي طواف الفريضة ، قال : «لا تؤخّرها ساعة، إذا طفت فصلِّ ». ۳۶
وعلى حكم المندوب ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، قال : سألت الرضا عليه السلام عن صلاة التطوّع بعد العصر، فقال : فذكرت له قول بعض آبائه: إنّ الناس لم يأخذوا عن الحسن والحسين عليهماالسلام إلّا الصلاة بعد العصر بمكّة ، فقال : «نعم ، ولكن إذا رأيت الناس يقبلون على شيء فاجتنبه »، فقلت : إنّ هؤلاء يفعلون؟ فقال : «لستم مثلهم ». ۳۷
وحمل هذا التفصيل خبر حكيم بن أبي العلاء، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الطواف بعد العصر ، فقال : «طف طوافا، وصلِّ ركعتين قبل صلاة المغرب عند غروب الشمس، وإن طفت طوافا آخر فصلِّ الركعتين بعد المغرب ». وسألته عن الطواف بعد الفجر ، فقال : «طف حتّى إذا طلعت الشمس فاركع الركعات ». ۳۸
وقد ورد كراهيّة الواجب أيضا عند طلوع الشمس واحمرارها واصفرارها ففي صحيحة محمّد بن مسلم، قال : سئل أحدهما عليهماالسلام عن الرجل يدخل مكّة بعد الغداة أو بعد العصر ، قال : «يطوف ويصلّي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها ». ۳۹
وفي صحيحته الاُخرى، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن ركعتي طواف الفريضة ، فقال : «وقتهما إذا فرغت من طوافك، وأكرهه عند اصفرار الشمس وعند طلوعها ». ۴۰
وفي خبر عليّ بن يقطين، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن الذي يطوف بعد الغداة أو بعد العصر وهو في وقت الصلاة، أيصلّي ركعات الطواف نافلةً كانت أو فريضة؟ قال : «لا ». ۴۱
وحمل الشيخ الأوّلين على التقيّة ، والأخير على أنّه كان لم يصلِّ الحاضرة، فيكون الوقت لها للضيق .
وجوّز في المدارك ۴۲ العمل بهذه الأخبار بحمل الكراهة المنفيّة في الأخبار المتقدّمة على الكراهة المؤكّدة .
وظاهر الشيخ المفيد عدم كراهة الصلاة للطواف مطلقا وإن كان مندوبا في تلك الأوقات، حيث روى في أبواب الزيادات من أبواب الصلوات المندوبة عن الصادقين عليهم السلام أنّهم قالوا : «خمس صلوات تصليهنّ على كلّ حال»، ۴۳ الحديث، من غير نقل معارض له ولا تأويل .
ويستحبّ القراءة فيهما بالتوحيد والجحد على ما دلّ عليه حسنة معاوية بن عمّار ۴۴ وموثّقته ۴۵ المتقدّمتين ومرسلة جميل بن درّاج ۴۶ وصحيحة معاوية بن مسلم، قال : قال لي أبو عبداللّه عليه السلام : «اقرأ في الركعتين للطواف بقل هو اللّه أحد وقل يا أيّها الكافرون ». ۴۷
1.اُنظر: الخلاف، ج ۲، ص ۳۲۷، المسألة ۱۳۸؛ تذكرة الفقهاء، ج ۸ ، ص ۹۴؛ مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۸۴ ؛ مدارك الأحكام، ج ۸ ، ص ۱۳۳.
2.البقرة (۲): ۱۲۵.
3.الخلاف، ج ۲، ص ۳۲۷، المسألة ۱۳۸؛ جامع الخلاف والوفاق، ص ۶۶ ؛ المجموع للنووي، ج ۸ ، ص ۴۹ و ۵۱ ؛ بدائع الصنائع، ج ۲، ص ۱۴۸؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج ۳، ص ۴۰۱؛ شرح صحيح مسلم، ج ۸ ، ص ۱۷۶.
4.الخلاف، ج ۲، ص ۳۲۷.
5.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۶۹۱ .
6.فتح العزيز، ج ۷، ص ۳۰۶ ۳۰۷؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج ۳، ص ۴۰۱؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج ۸ ، ص ۱۷۵.
7.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۶۹۱ .
8.الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
9.الحديث الرابع من هذا الباب.
10.الكافي، باب السهو في ركعتي الطواف، ح ۴؛ تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۳۹، ح ۴۶۰؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۳۵، ح ۸۱۷ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۲۹، ح ۱۸۱۳۱ .
11.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۰۴ ۱۰۵، ح ۳۳۹؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۲۳، ح ۱۸۱۱۴ .
12.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۳۷، ح ۴۵۱، وص ۲۸۵، ح ۹۶۹؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۲۹۶، ح ۱۷۷۸۶، وص ۴۲۵، ح ۱۸۱۱۷ .
13.هي الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
14.وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۳۰، ح ۱۸۱۳۲.
15.وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۲۵، ح ۱۸۱۱۸ .
16.الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.
17.الحديث الأوّل من ذلك الباب.
18.الحديث الثالث من ذلك الباب.
19.الحديث السادس من ذلك الباب.
20.الخلاف، ج ۲، ص ۳۲۷، المسألة ۱۳۹. وفي المجموع للنووي، ج ۸ ، ص ۶۲ ؛ «وقال مالك: إذا صلّاهما في الحجر أعاد الطواف والسعي إن كان بمكّة، فإن لم يصلّهما حتّى رجع إلى بلاده أراق دما ولا إعادة عليه». ومثله في التمهيد، ج ۴، ص ۴۱۴؛ والاستذكار، ج ۴، ص ۱۸۹.
21.الخلاف، ج ۲، ص ۳۲۷، المسألة ۱۳۹.
22.الكافي في الفقه، ص ۱۵۷ ۱۵۸.
23.فقه الرضا عليه السلام ، ص ۲۲۲ ۲۲۳؛ المقنع، ص ۲۸۷. وحكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۲۰۱.
24.الخلاف، ج ۲، ص ۳۲۸؛ المجموع للنووي، ج ۸ ، ص ۶۲ .
25.فتح العزيز، ج ۷، ص ۳۰۹؛ المجموع للنووي، ج ۸ ، ص ۵۳ ؛ شرح صحيح مسلم، ج ۸ ، ص ۱۷۵؛ تذكرة الفقهاء، ج ۸ ، ص ۹۶.
26.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۴۰، ح ۳۶۴؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۳۳، ح ۱۸۱۴۳ .
27.الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۲۲، ح ۱۸۱۱۲.
28.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۶۹۲ . ومثله في تحرير الأحكام، ج ۱، ص ۵۸۲ .
29.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۴۰ ۱۴۱، بعد الحديث ۳۶۴.
30.الفقيه، ج ۱، ص ۴۳۴، ح ۱۲۶۴؛ الخصال، ص ۲۴۷، باب الأربعة، ح ۱۰۷. ورواه الكليني في الكافي، باب التطوع في وقت الفريضة، ح ۳؛ وسائل الشيعة، ج ۴، ص ۲۴۰، ح ۵۰۳۰ .
31.المقنعة، ص ۲۳۱.
32.الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي.
33.الحديث السابع من هذا الباب من الكافي.
34.الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي.
35.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۴۱، ح ۴۶۵؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۳۶، ح ۸۱۹ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۳۵، ح ۱۸۱۵۰ .
36.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۴۱، ح ۴۶۶؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۳۶، ح ۸۲۰ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۳۵، ح ۱۸۱۴۹ .
37.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۴۲، ح ۴۷۰؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۳۷، ح ۸۲۵ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۳۶ ۴۳۷، ح ۱۸۱۵۴ .
38.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۴۲، ح ۴۶۹؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۳۷، ح ۸۲۴ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۳۴، ح ۱۸۱۵۳ .
39.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۴۱، ح ۴۶۸؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۳۷، ح ۸۲۳ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۳۶، ح ۱۸۱۵۲ .
40.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۴۱، ح ۴۶۷؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۳۶، ح ۸۲۲ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۳۵ ۴۳۶، ح ۱۸۱۵۱ .
41.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۴۲، ح ۴۷۱؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۳۷، ح ۸۲۶ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۳۷، ح ۱۸۱۵۵ .
42.مدارك الأحكام، ج ۸ ، ص ۱۴۷.
43.المقنعة، ص ۲۳۱.
44.الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.
45.وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۲۳، ح ۱۸۱۱۴.
46.الحديث السادس من هذا الباب من الكافي.
47.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۳۶، ح ۴۴۹؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۲۴، ح ۱۸۱۱۵ .