277
شرح فروع الکافي ج5

باب السعي بين الصفا والمروة

أجمع الأصحاب على وجوبه في الحجّ والعمرة، وعلى أنّه ركنٌ فيهما، يبطلان بتركه عمداً ، وحكاهما في المنتهى ۱ عن عائشة وعروة ومالك والشافعيّ وأحمد في إحدى الروايتين ، وعن أبي حنيفة: أنّه واجب غير ركن إذا تركه وجب عليه دم ، ومثله عن الحسن البصريّ والثوريّ ، وعن أحمد في الرواية الاُخرى وابن عبّاس وابن الزبير وابن سيرين أنّه مستحبّ لا يجب بتركه دم . ۲
لنا على الأوّل: مرسلة الحسن بن عليّ الصيرفيّ، ۳ وأخبار متكثّرة وردت في بيان مناسك الحجّ والعمرة وفعل النبيّ صلى الله عليه و آله ۴ وقد قال : «خذوا عنّي مناسككم ». ۵
وما رواه الجمهور عن حبيبة بنت أبي تجراة ۶ أحد نساء بني عبد الدار، قالت : دخلت مع نسوة من بني قريش دار آل أبي حسين ننظر إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهو يسعى بين الصفا والمروة، فرأيته يسعى وأنّ ميزره ليدور في وسطه من شدّة سعيه حتّى لأقول إنّي لأرى ركبتيه، وسمعته يقول : «اسمعوا فإنّ اللّه كتب عليكم السعي ». ۷
وعن عائشة، قالت : طاف رسول اللّه صلى الله عليه و آله وطاف المسلمون، يعني بين الصفا والمروة، فكانت سنّة ، فلعمري، ما أتمّ اللّه حجّ من لم يطف بين الصفا والمروة . ۸
وعلى الثاني: حسنة معاوية بن عمّار، ۹ وصحيحته عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت له : رجل نسي السعي بين الصفا والمروة ، قال : «يعيد السعي »، قلت : فإنّه خرج؟ قال : «يرجع فيعيد السعي ، إنّ هذا ليس كرمي الجمار إنّ الرمي سُنّة، والسعي بين الصفا والمروة فريضة ».
وقال في رجل ترك السعي متعمّداً، قال : «لا حجّ له ». ۱۰
واحتجّ أحمد على استحبابه بأنّه تعالى رفع الحرج عن فاعله بقوله سبحانه : «فَلَاجُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا»۱۱ ، وهذا رتبة المباح وأيّدوه بأنّ في مصحف أبىّ وابن مسعود: فلا جناح عليه أن يطّوف بهما، قائلين : إنّ هذا وإن لم يكن قرانا لكن لا ينحطّ عن رتبة الخبر . ۱۲
والجواب عن الأوّل يظهر من مرسلة الصيرفيّ ، ۱۳ وقد روى البخاريّ بإسناده عن عروة أنّه قال : سألت عائشة فقلت لها : رأيت قول اللّه تعالى : «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّه ِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا» ، ۱۴ فواللّه ما على أحد جناح أن لا يطّوف بالصفا والمروة . قالت : بئس ما قلت يا ابن اُختي إنّ هذه لو كانت كما أوّلتها عليه كانت لا جناح عليه أن لا يطوّف بهما، ولكنّها اُنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلّون لمناة الطاعة التي كانوا يعبدونها عند المشلّل، فكان من أهلّ يتحرّج أن يطوّف بالصفا والمروة ، فلمّا أسلموا سألوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن ذلك ؛ قالوا : يارسول اللّه ، إنّا كنّا نتحرّج أن نطوف بالصفا والمروة، فأنزل اللّه «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللّه ِ» ، الآية . ۱۵
وروى طاب ثراه عن محيي الدِّين البغوي أنّه قال :
إنّ اُناسا من الأنصار كانوا يرون أنّ الطواف بين الصفا والمروة من أمر الجاهليّة، وقال آخرون : إنّما اُمرنا بالطواف بالبيت، ولم نؤمر بالطواف بين الصفا والمروة ، فنزلت الآية .
ومن طريق آخر لهم: أنّ الجاهليّة كانوا يهلّون لمناة على شطّ البحر، ثمّ يجيئون فيطوفون بين الصفا والمروة، ثمّ يحلقون، فلمّا جاء الإسلام تحرّجوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية، فأنزل اللّه الآية . ۱۶
واُجيب عنه أيضا بأنّ رفع الحرج لا ينافي الوجوب كما لا يدلّ عليه ، والوجوب مستفاد من دليل آخر ، وعن القراءة بعدم ثبوتها، فيكون خطأً قطعا إذا نقلت قرآنا وليست به فارتفع الثقة ، وبهذا يظهر انحطاطها عن رتبة الخبر للقطع بعدم الوثوق بها بخلاف الخبر الواحد .
وأمّا إذا نسيه فعليه أن يعيد السعي، وإن تعذّر عليه العود استناب على المشهور .
ويدلّ عليه الجمع بين صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة ۱۷ ورواية زيد الشحّام، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة حتّى رجع إلى أهله، فقال : «يطاف عنه ». ۱۸
وصحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة ، فقال : «يطاف عنه ». ۱۹
والظاهر اعتبار التعسّر لا التعذّر . وفي إلحاق الجاهل بالعامد أو الناسي وجهان ، وفي المدارك: «أظهرهما الأوّل ». ۲۰
قوله في موثّق سماعة : (إذا انتهيت ) إلخ .] ح 1 / 7628] قال طاب ثراه : «لعلّ المراد بأوّل الوادي غاية سفح جبل الصفا، وبآخره أوّل الارتفاع من جبل المروة، وعنده أوّل الزقاق ».
قوله : (عن الحسن بن عليّ الصيرفيّ ) .] ح 8 / 7636] روى الشيخ في التهذيب ۲۱ هذا الخبر عن المصنّف بهذا السند، وفيه الحسين مصغّراً، ولم أجده في كتب الرجال، وأظنّه من تصحيف النسّاخ ، والحسن بن عليّ، هذا على ما قاله الفاضل الاسترآبادي ۲۲ هو: الحسن بن عليّ بن زياد الوشّا بن بنت الياس الصيرفيّ، وكان عينا من عيون الطائفة المحقّة .
وروى الصدوق في العيون عن أبيه، عن صالح ابن أبي حمّاد، عن الحسن بن عليّ الوشّا، قال : كنت قبل أن أقطع على الرضا عليه السلام جمعت ممّا روي عن آبائه عليهم السلام وغير ذلك مسائل كثيرة في كتاب، وأحببت أن أثبت في أمره وأختبره، وحملت الكتاب في كمّي وصرت إلى منزله، اُريد منه خلوة أناوله الكتاب ، فجلست في ناحية متفكّراً في الاحتيال للدخول، فإذا بغلام قد خرج من الدار في يده كتاب، فنادى: «أيّكم الحسن بن عليّ الوشّا؟» فقمت إليه وقلت : أنا ، قال : «فهاك خُذ الكتاب»، فأخذته وتنحّيت ناحية، فقرأته فإذا واللّه جواب مسألةٍ مسألة ، فعند ذلك قطعت عليه وتركت الوقف . ۲۳

1.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۰۶.

2.اُنظر: المغني لابن قدامة، ج ۳، ص ۴۰۷؛ الشرح الكبير، ج ۳، ص ۵۰۳ ۵۰۴ .

3.الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۶۸ ۴۶۹، ح ۱۸۲۲۷.

4.اُنظر: المبسوط، ج ۴، ص ۵۱ ؛ فتح العزيز، ج ۷، ص ۳۴۲؛ المجموع للنووي، ج ۷، ص ۱۵۵؛ المغني، ج ۳، ص ۴۰۷؛ الشرح الكبير، ج ۳، ص ۴۰۳ و ۴۰۷؛ مسند الشافعي، ص ۳۷۲؛ مسند أحمد، ج ۱، ص ۷۹؛ وج ۲، ص ۹۸؛ وج ۶ ، ص ۴۰۴؛ سنن الدارمي، ج ۲، ص ۴۲؛ صحيح البخاري، ج ۲، ص ۱۶۳ و ۱۷۰؛ صحيح مسلم، ج ۴، ص ۶۳ ؛ سنن ابن ماجة، ج ۲، ص ۹۹۵، ح ۲۹۸۷ .

5.السنن الكبرى للبيهقي، ج ۵ ، ص ۱۲۵.

6.في الأصل: «حبيبة بنت أبي غرّا»، والتصويب من مصادر الحديث وترجمتها في الإصابة، ج ۸ ، ص ۷۹، الرقم ۱۱۰۲۵.

7.المغني، ج ۳، ص ۴۰۷؛ الشرح الكبير، ج ۳، ص ۵۰۴ ؛ مسند الشافعي، ص ۳۷۲؛ مسند أحمد، ج ۶ ، ص ۴۲۱ ۴۲۲ و ۴۳۷؛ المستدرك للحاكم، ج ۴، ص۷۰؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۵ ، ص ۹۸؛ الآحاد والمثاني، ج ۶ ، ص ۸۳ ۸۴ ؛ مسند ابن راهويه، ج ۵ ، ص ۱۹۵ ۱۹۶، ح ۲۳۲۴.

8.المغني، ج ۳، ص ۴۰۷؛ الشرح الكبير، ج ۳، ص ۵۰۴.

9.الحديث السادس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۸۲، ح ۱۸۲۵۶ .

10.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۵۰، ح ۴۹۲؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۳۸، ح ۸۲۹ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۸۵ ۴۸۶، ح ۱۸۲۶۵.

11.البقرة (۲) : ۱۵۸ .

12.المغني لابن قدامة، ج ۳، ص ۴۰۷ ۴۰۸؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج ۳، ص ۵۰۴ .

13.هي الحديث الثامن من هذا الباب من الكافي.

14.البقرة (۲): ۱۵۸.

15.صحيح البخاري، ج ۲، ص ۱۶۹، باب وجوب الصفا والمروة، و ص ۲۰۲ ۲۰۳، باب طواف الوداع؛ وج ۵ ، ص ۱۵۳، كتاب تفسير القرآن. ورواه أيضا مسلم في صحيحه، ج ۴، ص ۶۸ و ۶۹ .

16.صحيح مسلم، ج ۴، ص ۶۸ ، باب بيان أنّ السعي بين الصفا والمروة ركن؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۵ ، ص ۹۶ ؛ معرفة السنن والآثار، ج ۴، ص ۸۵ ؛ مسند ابن راهوية، ج ۲، ص ۱۸۹.

17.وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۸۵ ۴۸۶، ح ۱۸۲۶۵ .

18.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۵۰، ح ۴۹۳؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ح ۴۸۶، ح ۱۸۲۶۶ .

19.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۴۷۲، ح ۱۶۵۸ ؛ الفقيه، ج ۲، ص ۴۱۳، ح ۲۸۴۸؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۸۶، ح ۱۸۲۶۷ .

20.مدارك الأحكام، ج ۸ ، ص ۲۱۲.

21.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۴۹، ح ۴۹۰؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۴۶۸ ۴۶۹، ح ۱۸۲۲۷.

22.منتهى المقال، ج ۲، ص ۴۱۹.

23.عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج ۲، ص ۲۵۲، باب ۵۵ ، ح ۱.


شرح فروع الکافي ج5
276
  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 184240
صفحه از 856
پرینت  ارسال به