باب من جهل أن يقف بالمشعر
أجمع الأصحاب على أنّ من ترك وقوف المشعر جاهلاً يجب عليه العود إليه إن كان وقته باقيا ولو وقتا اضطراريّا .
ويدلّ عليه خبر أبي بصير ۱ ومعاوية بن عمّار ۲ وموثّقة يونس بن يعقوب ۳ وحسنة محمّد بن يحيى، وهو الخثعميّ . ۴
وإن فات وقته رأسا فيصحّ الحجّ متى وقف بعرفات .
ويستفاد ذلك من بعض الأخبار المذكورة في الباب ، وما رواه الشيخ عن محمّد بن يحيى الخثعميّ، عن بعض أصحابه، عن أبي عبداللّه عليه السلام فيمن جهل ولم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتّى أتى منى ، قال : «يرجع »، قلت : إنّ ذلك فاته ، فقال : «لا بأس [ به]». ۵
وهو المشهور بين الأصحاب وفي حكم الجهل والنسيان .
وأمّا العمد فقد سبق أنّه موجب لفساد الحجّ وبدنة؛ لكونه ركنا .
وظاهر الشيخ في المبسوط فساد الحجّ بتركه مطلقا ولو جهلاً أو نسيانا، فإنّه قال :
واعلم أنّ الوقوف بالمشعر ركن على ما مضى القول فيه، وهو آكد من الوقوف بعرفة ؛ لأنّ من فاته الوقوف بعرفة أجزأه الوقوف بالمشعر، ومَن فاته الوقوف بالمشعر لم يجزه الوقوف بعرفة . ۶
ويؤيّده ما سبق من مرسلة ابن فضّال، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الوقوف بالمشعر فريضة، والوقوف بعرفة سنّة ». ۷
وصرّح بذلك التعميم في كتابي الأخبار حيث قال في التهذيب : «ومَن فاته الوقوف بالمشعر فلا حجّ له على كلّ حال ». ۸
واحتجّ عليه بما رواه عن القاسم بن عروة، عن عبداللّه وعمران ابني الحلبيّ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحجّ »، ۹ وقال: هذا الخبر عامّ فيمن فاته ذلك عامداً أو جاهلاً ، وعلى كلّ حال.
ثمّ عارض ذلك بخبري الخثعميّ، ۱۰ وأجاب بقوله :
الوجه في هذين الخبرين وإن كان أصلهما محمّد بن يحيى الخثعميّ وأنّه تارةً يرويه عن أبي عبداللّه صلى الله عليه و آله بلا واسطة، وتارةً يرويه بواسطة ، أنّ من كان قد وقف بالمزدلفة شيئا يسيراً فقد أجزأه ، والمراد بقوله : لم يقف بالمزدلفة الوقوف التامّ الذي متى وقفه الإنسان كان أكمل وأفضل، ومتى لم يقف على ذلك الوجه كان أنقص ثوابا وإن كان لا يفسد الحجّ ؛ لأنّ الوقوف القليل يجزي هناك مع الضرورة .
واستند في ذلك بخبري محمّد بن حكيم ۱۱ وأبي بصير، ۱۲
وقد فعل مثل ذلك في الاستبصار أيضا، إلّا أنّه صرّح فيه بضعف الخبرين، بأنّ الخثعميّ، عامّي ، وقد أشار إليه في التهذيب بقوله : «وإن كان أصلهما محمّد بن يحيى الخثعميّ»، وهو معارض بقول النجاشيّ: «إنّ محمّد بن يحيى بن سلمان الخثعميّ أخو مغلّس كوفي ثقة، روى عن أبي عبداللّه عليه السلام » ۱۳ وهو منقول عن الخلاصة أيضا . ۱۴
واقتصر العلّامة في المنتهى ۱۵ على حكاية قول الشيخ ، وما حكيناه عنه من المعارضة والجواب ولم يرجّح شيئا .
ومال الشهيد في الدروس إلى ما هو المشهور، حيث قال : «ولو ترك الوقوف بالمشعر جهلاً بطل حجّه عند الشيخ في التهذيب ، ورواية محمّد بن يحيى بخلافه، وتأوّلها الشيخ على تارك الوقوف جهلاً، وقد أتى باليسير منه »، ۱۶ وقد حكي في المنتهى عن السيّد المرتضى عكس ما ذكره الشيخ في المبسوط، فقال : «وأمّا السيّد المرتضى فقال : إذا لم يدرك الوقوف بعرفات [ وأدرك الوقوف بالمشعر يوم النحر فقد أدرك الحج، أمّا الجمهور فقالوا إذا فاته الوقوف بعرفات] فقد فاته الحجّ مطلقا، سواء وقف بالمشعر أو لا ». ۱۷
وهذه الحكاية مخالفة لما حكاه عنه فيه من قبل بقليل، حيث قال :
قد بيّنا أنّ وقت الوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس. هذا في حال الاختيار ، أمّا لو لم يتمكّن من الوقوف بالمشعر إلّا بعد طلوع الشمس للضرورة جاز، ويمتدّ الوقت إلى زوال الشمس من يوم النحر. وقال المرتضى رحمه الله : وقت الوقوف الاضطراري بالمشعر يوم النحر، فمن فاته الوقوف بعرفات وأدرك الوقوف بالمشعر يوم النحر فقد أدرك الحجّ ، ۱۸ انتهى .
قد صرّح بذلك في الانتصار، قال :
وممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ من فاته الوقوف بعرفة وأدرك الوقوف بالمشعر يوم النحر فقد أدرك الحجّ، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
والحجّة لنا - بعد الإجماع المتقدّم - أنّا قد دللنا على وجوب الوقوف بالمشعر، وكلّ مَن قال من الاُمّة كلّها بوجوب ذلك قال: إنّ الوقوف به إذا فات الوقوف بعرفة يتمّ معه الحجّ، والتفرقة بين المسألتين خلاف إجماع المسلمين. ۱۹
قوله في حسنة محمّد بن يحيى: (فقال ألم يرَ الناس لم يبكر منى حين دخلها) . [ ح 5 / 7776] يعني أنّه حين وصل إلى منى وطلع الفجر وحصل البكور رأى أنّ الناس لم يجيئوا إليه بعد، فلابدّ له أن يستفسر عن حالهم، وأنّهم لِمَ لم يفيضوا إليها، ولو تفحّص عن هذا لعلم أنّهم أقاموا بالمشعر ليلاً ولعاد إليه. وفي بعض نسخ التهذيب: «لم يكونوا» بدلاً عن «لم يبكر»، وهو يفيد مفاده، وفي بعضها: «لم ينكر» وهو تصحيف.
1.الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي.
2.الحديث الثالث من هذا الباب.
3.الحديث الرابع من هذا الباب.
4.الحديث الخامس من هذا الباب.
5.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۹۲، ح ۹۹۲؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۳۰۵، ح ۱۰۹۰؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۴۶، ح ۱۸۵۵۴.
6.المبسوط للطوسي، ج ۱، ص ۳۶۸.
7.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۸۷، ح ۹۷۷؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۳۰۲، ح ۱۰۸۰؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۵۵۲ ، ح ۱۸۴۲۱.
8.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۹۲، بعد الحديث ۹۹۰.
9.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۹۲، ح ۹۹۱؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۳۰۵، ح ۱۰۸۹؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۸، ح ۱۸۵۲۹.
10.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۹۲، ح ۹۹۲. ورواه أيضا في الاستبصار، ج ۲، ص ۳۰۵، ح ۱۰۹۱؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۴۶، ح ۱۸۵۵۴.
11.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۹۳ ۲۹۴، ح ۹۹۵؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۳۰۶، ح ۱۰۹۳؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۴۵ ۴۶، ح ۱۸۵۵۲.
12.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۹۳، ح ۹۹۴؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۳۰۶، ح ۱۰۹۲؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۴۷ ۴۸، ح ۱۸۵۵۶.
13.رجال النجاشي، ص ۳۵۹، الرقم ۹۶۳.
14.خلاصة الأقوال، ص ۲۶۲، الرقم ۱۱۹.
15.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۲۸.
16.الدروس الشرعيّة، ج ۱، ص ۴۲۵، الدرس ۱۰۹.
17.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۲۷، وما بين الحاصرتين منه.
18.نفس المصدر.
19.الانتصار، ص ۲۳۴، المسألة ۱۲۰.