369
شرح فروع الکافي ج5

باب حصى الجمار من أين تُؤخذ ومقدارها

أراد قدس سره بيان وجوب رمي الجمار بالحصى دون غيرها ، ووجوب أخذها من الحرم من غير المسجدين: المسجد الحرام، ومسجد الخيف، وكونها مقدار انملة ، أمّا الاُوّل فهو المشهور بين الأصحاب، منهم الشيخ في المبسوط حيث قال : «ولا يجوز أن يرمي الجمار إلّا بالحصى ». ۱
والظاهر من الأخبار من الطريقين حيث عبّر فيها عن المرميّ بالحصى ولم يعبّر عنه في شيء منها بغيرها ، فمن طريق الأصحاب ما رواه المصنّف في الباب ، ومن طريق العامّة ما رواه في المنتهى ۲ عن ابن عبّاس أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله غداة العقبة وهو على ناقته : «التقط لي حصى ، فلقطت له سبع حصيّات هي حصى الخذف، فجعل يقبضهنّ في كفّه ويقول أمثال هؤلاء فارموا »، ۳ الخبر .
وعن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «عليكم بحصى الخذف »، ۴ وأنّه قال صلى الله عليه و آله حين لقط له الفضل بن عبّاس حصاه : بمثلها فارموا ، ۵ وأنّه قال صلى الله عليه و آله : «أيّها الناس، لا يقتل بعضكم بعضا، فإذا رميتم فارموا بمثل حصى الخذف ». ۶
وفي الخلاف : وروى الفضل بن عبّاس، قال : أفاض رسول اللّه صلى الله عليه و آله من المزدلفة وهبط بمكان محسّرو وقال : «أيّها الناس، عليكم بحصى الخذف ». ۷
وجوّز الشيخ في الخلاف الرمي بغير الحصى من أنواع الحجارة، فقال :
لا يجوز الرمي إلّا بالحجر، وما كان من جنسه من البرام والجواهر وأنواع الحجارة، ولا يجوز بغيره كالمدر والآجر والكحل والزرنيخ والملح وغير ذلك من الذهب والفضّة . ۸
وحكاه عن الشافعيّ . ۹
وفي الدروس: «فيه بُعدٌ إن كان من الحرم وبُعدان ۱۰ إن كان من غيره ». ۱۱
وفي المنتهى :
وقال أبو حنيفة : يجوز كلّ ما كان من جنس الأرض مثل الكحل والزرنيخ والمَدر ، فأمّا ما لم يكن من جنس الأرض فلا يجوز . ۱۲
وقال داوود : يجوز الرمي بكلّ شيء حتّى حكي عنه أنّه قال : لو رمى بعصفور ميّت أجزأه ۱۳ . ۱۴
ثمّ قال : احتجّ أبو حنيفة وداوود بقوله صلى الله عليه و آله : «إذا رميتم وحلقتم فقد حلّ لكم كلّ شيء» ۱۵ ولم يفصّل .
وما روي عن سكينة بنت الحسين عليه السلام أنّها رمت الجمرة ورجل يناولها الحصى تكبّر مع كلّ حصاة، فسقطت حصاة فرمت بخاتمها . ۱۶ وزاد أبو حنيفة : أنّه رمى بما هو من جنس الأرض فأجزأه كالحجارة .
والجواب : أنّه لا دلالة في الحديث ؛ لأنّ الرمي هنا مجمل وإنّما بيّنه عليه السلام بفعله ، وما روي عن سكينة إن سلم السند عن الطعن محتمل للتأويل، إذ يمكن أن يكون فصّه حجرا يجوز به الرمي كالعقيق والفيروزج على رأى من يجوّز الرمي بكلّ حجر .
وقياس أبي حنيفة منتقض بالدرهم . ۱۷
وأمّا الثاني ۱۸ فهو مجمعٌ عليه بين الأصحاب وفاقا لأكثر العامّة، ويدلّ عليه بعض أخبار الباب .
وألحق الأكثر بالمسجدين غيرهما من مساجد الحرم ، ورجّحه الشهيد فى¨ الدروس، ۱۹ وكأنّهم استندوا في ذلك بما دلّ على عدم جواز إخراج حصى المساجد عنها مطلقا .
وأمّا الثالث فظاهر المصنّف وجوب كونها بذلك المقدار لما ثبت من أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر بالتقاط حصى الخذف، والخذف إنّما يكون بأحجار صغار مثل الأنملة وما دونها .
وفي حديث أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن عليه السلام قال : «حصى الجمار ۲۰ يكون مثل الاُنملة ». ۲۱
وحكى في المنتهى عن أحمد في إحدى الروايتين أنّه قال : «لا يجزيه ما زاد عن الأنملة ؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر بهذا المقدار ونهى عن تجاوزه ، والأمر للوجوب، والنهي يدلّ على الفساد ». ۲۲
والمشهور بين الأصحاب استحباب ذلك، وجواز ما زاد عليها إذا سمّيت حصاة، وما هو أصغر منها كذلك، وهو أظهر ، بل لم أجد قولاً صريحا من الأصحاب بخلافه . وخبر البزنطيّ يحتمل الندب .
وحكى في المنتهى عن الشافعيّ استحباب كونها أصغر من الاُنملة طولاً وعرضا . وعن أحمد في إحدى الروايتين عدم إجزاء ما زاد فيها . وعن بعضهم تحديدها بقدر النواة ، وعن بعض آخر منهم قدر الباقلى . ۲۳
بقي أحكام :
منها : أن تكون أبكاراً ، وأجمع الأصحاب على وجوب ذلك . ۲۴
ويدلّ عليه مرسلة حريز، ۲۵ وخبر عبدالأعلى عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا تأخذ من حصى الجمار». ۲۶
وهو مذهب أكثر العامّة . وحكى في المنتهى [ عن الشافعي] كراهة رمي حصى الجمار . وعن المازنيّ أيضا إجزاء ما رمى به غيره . ۲۷
ومنها : أن تكون رخوة لا صُمّا، وأن تكون بُرشا ۲۸ كحُلية منقّطة، وهي مستحبّة إجماعا ، ويكره أن تكون صلبة سوداء أو بيضاء أو حمراء على ما صرّح به جماعة، منهم الشهيد في الدروس. ۲۹
والحجّة على استحبابها خبرا أبي بصير ۳۰ وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، ۳۱ وما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم، عن أبي عبداللّه عليه السلام في حصى الجمّار، قال : «كره الصمّ منها »، وقال : «خذ البرش ». ۳۲
وفي الدروس: وقال الحلبيّ : «الأفضل البرش، ثمّ البيض والحمر »، ۳۳ وتبعه ابن زهرة، ۳۴
ورواية البزنطيّ تدفعه . ۳۵
ومنها : أن تكون ملتقطة على قدر الاُنملة، وتكره المكسّرة . وفي المنتهى: «لا نعلم فيه خلافا عندنا، وبه قال الشافعيّ وأحمد ». ۳۶
واحتجّ عليه بخبر أبي بصير، ۳۷ وبقوله صلى الله عليه و آله : «بمثلها فارموا »، ۳۸ في الخبر المتقدّم، وبأنّه لا يؤمن لو كسره أن يطير شيء منه إلى وجهه فيؤذيه .
ومنها : رميها بالخذف، وهو على المشهور ـ: وضع الحصاة على بطن إبهام اليمنى ودفعها بظهر سبّابتها؛ ۳۹ لخبر البزنطيّ . ۴۰ واعتبر السيّد رضى الله عنه دفعها بظفر الوسطى منه ، ۴۱ ولم أرَ شاهداً له بخصوصه . نعم .
ذكر الجوهريّ أنّه رمى الحصا بالأصابع، ۴۲ وهو أعمّ من المعنيين ، وأوجب فى¨ الانتصار ۴۳ الخذف محتجّا بإجماع الطائفة، وبأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر به، وهو كيفيّة في الرمي مخالفةً لغيرها، وهو ظاهر ابن إدريس حيث قال : «فإذا أراد رمي الجمار إلى قوله ـ : يرميهنّ خذفا ». ۴۴
وحكاه في المختلف ۴۵ عن ابن حمزة ، ۴۶ والأشهر بين الأصحاب استحبابه ، واحتجّ عليه في المختلف بأصالة عدم الوجوب، وعدم شغل الذمّة بواجب حتّى يظهر دليل عليه ، وحكى في الانتصار عن فقهاء العامّة أنّهم لم يراعوه، ۴۷ وظاهره أنّهم لم يقولوا به لا وجوبا ولا استحبابا .
قوله في خبر البزنطيّ : (وتدفعها بظفر السبّابة ) . [ ح 7 / 7798] قال الجوهري : «السبّابة من الأصابع التي تلي الإبهام ». ۴۸ وفي مهذّب اللغة : السبّابة: انگشت شهادت . والمراد بقوله عليه السلام : «ولا ترم على الجمرة» النهي عن رميها عاليا على الجمرة ، بل رميها من بطن الوادي ، وقد قيل في تفسيره ؛ أي واضعا لها على الجمرة ، ۴۹ ويؤيّد ما ذكرناه وجود «أعلى الجمرة» في بعض النسخ ، ۵۰ وقوله عليه السلام في حسنة معاوية بن عمّار في الباب الآتي: «ولا ترمها من أعلاها ». ۵۱

1.المبسوط، ج ۱، ص ۳۶۹. ومثله في النهاية، ص ۲۵۳.

2.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۲۹.

3.سنن ابن ماجة، ج ۲، ص ۱۰۰۸، ح ۳۰۲۹.

4.مسند أحمد، ج ۲، ص ۲۱۰ و ۲۱۳؛ وج ۳، ص ۳۱۹ و ۳۳۷؛ صحيح مسلم، ج ۴، ص ۷۱؛ سنن أبي داود، ج ۱، ص ۴۳۷، ح ۱۹۵۷؛ السنن الكبرى للنسائي، ج ۲، ص ۴۳۴، ح ۴۰۵۶؛ سنن أبي يعلى، ج ۲، ص ۹۲، ح ۶۷۲۴ ؛ المستدرك للحاكم، ج ۳، ص ۲۷۵؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۵ ، ص ۱۲۶ و ۱۲۷ و ۱۲۸ و ۱۳۹.

5.اُنظر: سنن النسائي، ج ۵ ، ص ۲۶۸؛ تذكرة الفقهاء، ج ۸ ، ص ۲۱۶.

6.مسند أحمد، ج ۶ ، ص ۳۷۹؛ سنن ابن ماجة، ج ۲، ص ۱۰۰۸، ح ۳۰۲۸؛ سنن أبي داود، ج ۱، ص ۴۳۹، ح ۱۹۶۶؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۵ ، ص ۱۲۸ و ۱۳۰.

7.الخلاف، ج ۲، ص ۳۴۳، المسألة ۱۶۳. وانظر: السنن الكبرى للبيهقي، ج ۵ ، ص ۱۲۷.

8.الخلاف، ج ۲، ص ۳۴۲، المسألة ۱۶۳.

9.المجموع للنووي، ج ۸ ، ص ۱۵۴؛ فتح العزيز، ج ۷، ص ۳۹۷.

10.كذا بالأصل، وفي المصدر: «أبعد» بدل «بعدان».

11.الدروس الشرعيّة، ج ۱، ص ۴۲۸، الدرس ۱۱۰.

12.المجموع للنووي، ج ۸ ، ص ۲۸۲؛ عمدة القاري، ج ۱۰، ص ۸۹ ؛ المغني، ج ۳، ص ۴۴۶.

13.عمدة القاري، ج ۱۰، ص ۸۹ .

14.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۲۹؛ ومثله في تذكرة الفقهاء، ج ۸ ، ص ۲۱۵.

15.سنن الدار قطني، ج ۲، ص ۲۴۳، ح ۲۶۶۱؛ فتح العزيز، ج ۷، ص ۳۷۴. ورواه البيهقي في معرفة السنن والآثار، ج ۳، ص ۵۴۵ عن عمر.

16.المغني لابن قدامة، ج ۳، ص ۴۴۶؛ الشرح الكبيرلعبد الرحمن بن قدامة، ج ۳، ص ۴۵۱.

17.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۳۰؛ تذكرة الفقهاء، ج ۸ ، ص ۲۱۵.

18.يعني وجوب أخذ الحصاة من الحرم.

19.الدروس الشرعيّة، ج ۱، ص ۴۲۸، الدرس ۱۱۰.

20.هذا هو الصحيح الموافق لمصادر الحديث، وفي الأصل: «حصى الحذف».

21.الحديث السابع من هذا الباب من الكافي. تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۹۷، ح ۶۵۶ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۳ ۳۴، ح ۱۸۵۱۹.

22.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۳۰.

23.نفس المصدر. وانظر: نيل الأوطار، ج ۵ ، ص ۱۵۷؛ عون المعبود، ج ۵ ، ص ۳۰۴؛ المجموع للنووي، ج ۸ ، ص ۱۵۴ و ۱۷۱؛ فتح الوهاب، ج ۱، ص ۲۵۶.

24.اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج ۸ ، ص ۲۱۶؛ مدارك الأحكام، ج ۷، ص ۴۴۱.

25.الحديث التاسع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۲، ح ۱۸۵۱۶.

26.الكافي، باب من خالف الرمي أو زاد أو نقص، ح ۳؛ تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۶۶، ح ۹۰۶؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۶۹، ح ۱۹۱۶۷.

27.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۳۰. وانظر: المجموع، ج ۸ ، ص ۱۷۲ و ۱۸۵.

28.البرش: نكت صغار تخالف سائر لونه. صحاح اللغة، ج ۳، ص ۹۹۵ (برش).

29.الدروس الشرعيّة، ج ۱، ص ۴۲۸، الدرس ۱۱۰.

30.الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۴، ح ۱۸۵۲۰.

31.الحديث السابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۳ ۳۴، ح ۱۸۵۹۱.

32.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۹۷، ح ۶۵۵ ؛ سائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۳، ح ۱۸۵۱۸.

33.الكافي في الفقه، ص ۱۹۸.

34.الغنية، ص ۱۸۷.

35.الدروس الشرعيّة، ج ۱، ص ۴۲۸، الدرس ۱۱۰.

36.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۳۰. ومثله في تذكرة الفقهاء، ج ۸ ، ص ۲۱۸، المسألة ۵۶۲ . وانظر: المجموع، ج ۸ ، ص ۱۳۹ و ۱۵۳.

37.الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۴، ح ۱۸۵۲۰.

38.سنن ابن ماجة، ج ۲، ص ۱۰۰۸، ح ۳۰۲۹ بمغايرة.

39.الدروس الشرعيّة، ج ۱، ص ۴۳۳، الدرس ۱۱۰.

40.الحديث السابع من هذا الباب من الكافي.

41.الانتصار، ص ۲۶۰.

42.صحاح اللغة، ج ۴، ص ۱۳۴۷ (خذف).

43.الانتصار، ص ۲۶۰.

44.السرائر، ج ۱، ص ۶۰۸ .

45.مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۲۶۰.

46.الوسيلة، ص ۱۸۰ ۱۸۱.

47.الانتصار، ص ۲۶۰. وانظر: المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج ۳، ص ۴۴۵.

48.صحاح اللغة، ج ۱، ص ۱۴۵ (سبب).

49.اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج ۸ ، ص ۲۱۸ و ۲۲۳.

50.هكذا ورد في قرب الإسناد، ص ۳۵۹، ح ۱۲۸۴؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۶۶ ، ح ۱۸۵۹۸.

51.الحديث الأوّل من ذلك الباب.


شرح فروع الکافي ج5
368
  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 189760
صفحه از 856
پرینت  ارسال به