453
شرح فروع الکافي ج5

شرح فروع الکافي ج5
452

باب من قدّم شيئا أو أخّر شيئا من مناسكه

أراد قدس سره بالمناسك بقرينة أخبار الباب مناسك منى وما بعدها ، أمّا مناسك منى فالمشهور بين الأصحاب منهم الشيخ في كتابي الأخبار ۱ والمبسوط ۲ والنهاية ۳ والمحقّق ۴ والشهيدان، ۵ واختاره العلّامة في المنتهى ۶ وجوب الترتيب فيها، بتقديم رمي جمرة العقبة على الذبح، وتأخير الحلق عنه .
أمّا الأوّل فيدلّ عليه ما تقدّم من الأخبار التي دلّت على رمي الجمرة بعد الإفاضة من المشعر.
وأمّا الثاني فلقوله تعالى : «وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ»۷ بناءً على إرادة الذبح من بلوغ الهدي محلّه، ولما رواه الشيخ عن موسى بن القاسم، عن عليّ، قال :« لا يحلق رأسه ولا يزور حتّى يضحّي فيحلق رأسه ويزور متى شاء ». ۸
وعن عمر بن يزيد، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا ذبحت اُضحيتك فاحلق رأسك ». ۹
وعن جميل بن درّاج، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «يبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق، وفي العقيقة بالحلق قبل الذبح ». ۱۰
ومثلها صحيحة عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحّي، قال : «لا بأس، وليس عليه شيء ولا يعودنّ » ۱۱ بمقتضى النهي عن العود .
ويؤيّدها ما رواه الجمهور في حديث أنس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله رتّب هذه المناسك، وقال : «خذوا عنّي مناسككم ». ۱۲
وذهب الشيخ في الخلاف ۱۳ إلى استحبابه ، وتبعه ابن إدريس، ۱۴ واختاره العلّامة في المختلف ، ۱۵ وهو منقول عن ابن أبي عقيل، ۱۶ وهو ظاهر المصنّف، لظهور الأخبار التي ذكرها في الباب فيه .
ومثلها ما رواه الشيخ عن محمّد بن حمران، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل زار البيت قبل أن يحلق، قال : «لا ينبغي إلّا أن يكون ناسيا »، ثمّ قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتاه ناس يوم النحر فقال بعضهم : يارسول اللّه ، ذبحت قبل أن أرمي. وقال بعضهم : ذبحت قبل أن أحلق. فلم يتركوا شيئا أخّروه كان ينبغي لهم أن يقدِّموه، ولا شيئا قدَّموه كان ينبغي لهم أن يؤخّروه إلّا قال : لا حرج ». ۱۷
ويؤيّدها ما رواه البخاريّ عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قيل له في الذبح والرمي والحلق والتقديم والتأخير، فقال :«لا حرج ». ۱۸
وعن ابن عبّاس، قال : كان النبيّ صلى الله عليه و آله يسأل يوم النحر بمنى، فيقول : «لا حرج »، فسأله رجل فقال : حلقت قبل أن أذبح ؟ فقال : «اذبح ولا حرج »، قال : رميت بعدما أمسيت؟ فقال : «لا حرج ». ۱۹
وقد حمل الشيخ في كتابي الأخبار ۲۰ هذه على حالة النسيان مستشهداً له بحسنة جميل بن درّاج ، ويؤيّدها ما رواه البخاريّ عن عبداللّه بن عمرو بن العاص: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقف في حجّة الوداع فجعلوا يسألونه، فقال رجل : لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح؟ قال : «اذبح ولا حرج ». فجاء آخر فقال : لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ قال : «ارمِ ولا حرج ». فما سئل يومئذٍ عن شيء قُدِّم ولا اُخِّر إلّا قال : «افعل ولا حرج ». ۲۱
ويمكن حملها على الجاهل أيضا، كما هو ظاهر بعض تلك الأخبار ، ويؤيّدها ما رواه البخاريّ عن عبداللّه بن عيسى بن طلحة أنّ عبداللّه بن عمرو بن العاص حدّثه أنّه شهد النبيّ صلى الله عليه و آله يخطب يوم النحر، فقام إليه رجل، فقال : كنت أحسب أنّ كذا قبل كذا ، ثمّ قام آخر فقال : كنت أحسب أنّ كذا قبل كذا، حلقت قبل أن أنحر ونحرت قبل أن أرمي، وأشباه ذلك ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «افعل ولا حرج »، فما سُئِلَ يومئذٍ عن شيء إلّا قال: «افعل ولا حرج [ لهنّ كلهنّ، فما سئل يومئذ عن شيءٍ إلّا قال: افعل ولاحرج]». ۲۲
وحكى في المنتهى ۲۳ عن أبي الصلاح ۲۴
أنّه قال بجواز تقديم الحلق على الرمي، وبجواز تأخيره إلى آخر أيّام التشريق، وحسّن جواز تأخيره بشرط تقديمه على زيارة البيت؛ متمسّكا بأنّ اللّه تعالى بيّن أوّله بقوله «حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْىُ مَحِلَّهُ»۲۵ ولم يبيّن آخره ، فمتى أتى أجزأه كالطواف للزيارة والسعي .
وعلى القول بالوجوب ليس الترتيب شرطا، ولا الإخلال به موجبا للكفّارة عندنا، وإنّما تظهر فائدة الخلاف في الإثم .
وفي المنتهى: «ذهب إليه علماؤنا». وقد اختلفت العامّة أيضا في المسألة ، ففي المنتهى:
وقال الشافعيّ إن قدّم الحلق على الذبح جاز، وإن قدّم الحلق على الرمي وجب الدم إن قلنا: إنّه إطلاق محظور؛ لأنّه حلق قبل أن يتحلّل ، وإن قلنا: إنّه نسك فلا شيء عليه ؛ لأنّه أحد ما يتحلّل به .
وقال أبو حنيفة : إذا قدّم الحلق على الذبح لزمه دم إن كان قارنا أو متمتّعا، ولا شيء عليه إن كان مفرداً . وقال مالك : إن قدّم الحلق على الذبح فلا شيء عليه، وإن قدّمه على الرمي وجب الدم . ۲۶
وفي العزيز :
ولو حلق قبل أن يرمي فإن جعلنا الحلق نسكا فلا بأس ، وإن جعلناه استباحة محظور فعليه الفدية لوقوع الحلق قبل التحلّل .
وروى القاضي ابن كج: أنّ أبا إسحاق وابن القطّان ألزماه الفدية وإن جعلنا الحلق نسكا ، والحديث حجّة عليهما، ومؤيّد للقول الأصحّ، وهو أنّ الحلق نسك .
وعن مالك وأبي حنيفة وأحمد أنّ الترتيب بينهما واجب ولو تركه فعليه دم . ۲۷ انتهى .
وأمّا تقديم مناسك منى يوم النحر على الطواف والسعي فالظاهر وفاق الأصحاب على وجوبه، ومقتضاه وجوب إعادة الطواف والسعي مع المخالفة مطلقا، عمداً كان ذلك أو نسيانا وجهلاً .
ويدلّ عليه صحيحة عليّ بن يقطين فيما إذا وقعا قبل الحلق أو التقصير، حيث قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن المرأة رمت وذبحت ولم تقصّر حتّى زارت البيت، فطافت وسعت من الليل، ما حالها؟ وما حال الرجل إذا فعل ذلك؟ قال : «لا بأس به يقصّر ويطوف للحجّ ، ثمّ يطوف للزيارة، ثمّ قد أحلّ من كلّ شيء ». ۲۸
وإنّما التفاوت بين العمد وغيره وجوب الفدية وعدمه ، والفارق صحيحة محمّد بن مسلم، ۲۹ ولم أجد تصريحا من الأصحاب بوجوب هذه الإعادة ، بل ظاهرهم عدمه، حيث اكتفوا فيمن أخّر الحلق عن النفر من منى بوجوب الحلق أو التقصير، ولم يتعرّضوا لحال الطواف والسعي .
وهو ظاهر أكثر الأخبار أيضا ، ففي التهذيب.
من رحل من منى قبل الحلق فإنّه يرجع إليها ويحلق بها أو يقصّر، ولا يسعه غير ذلك مع الاختيار فإن لم يتمكّن من الرجوع إلى منى فليحلق أين كان، وليردّ شعره إلى منى فيدفنه هناك . ۳۰
واحتجّ عليه بصحيحة الحلبيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل نسي أن يقصر من شعره أو يحلقه حتّى ارتحل من منى؟ قال : يرجع إلى منى حتّى يلقي شعره بها، حلقا كان أو تقصيراً ». ۳۱
وخبر عليّ بن أبي حمزة ۳۲ عن أبي بصير، قال : سألته عن رجل جهل أن يقصّر من رأسه أو يحلق حتّى ارتحل من منى؟ قال : «فليرجع إلى منى حتّى يحلق شعره بها أو يقصّر ، وعلى الصرورة أن يحلق ». ۳۳
وخبر المفضّل بن صالح، عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل زار البيت ولم يحلق رأسه؟ قال : «يحلقه بمكّة ويحمل شعره إلى منى، وليس عليه شيء ». ۳۴
وبما رواه المصنّف قدس سره في الباب السابق من حسنة حفص بن البختريّ. ۳۵
ويدلّ عليه أيضا خبر أبي الصباح الكنانيّ المروي في ذلك الباب . ۳۶
واحتجّ عليه أيضا فيه بصحيحة معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كان عليّ بن الحسين عليهماالسلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى، ويقول : كانوا يستحبّون ذلك». قال : وكان أبو عبداللّه عليه السلام يكره أن يخرج الشعر من منى، يقول : «من أخرجه فعليه أن يردّه »، ۳۷ وفيه تأمّل .
وقوله عليه السلام : «وليس عليه شيء» ۳۸ ظاهر في عدم وجوب إعادة الطواف والسعي ، فلا يبعد حمل الإعادة في صحيحة عليّ بن يقطين على الاستحباب ، فتأمّل .

1.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۴۰؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۸۴، الباب ۱۹۵.

2.المبسوط، ج ۱، ص ۳۶۸ ۳۷۰.

3.النهاية، ص ۲۶۲.

4.شرائع الإسلام، ج ۱، ص ۱۹۲؛ المختصر النافع، ص ۸۸ .

5.اللمعة الدمشقيّة، ص ۶۴ ؛ شرح اللمعة، ج ۲، ص ۲۸۱.

6.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۲۹.

7.البقرة (۲): ۱۹۶.

8.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۳۶، ح ۷۹۵؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۸۴، ح ۱۰۰۶؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۱۵۸، ح ۱۸۸۶۲.

9.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۴۰، ح ۸۰۸ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۱۱، ح ۱۹۰۰۵.

10.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۲۲، ح ۷۴۹؛ وهذا هو الحديث السابع من باب الذبح من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۱۵۵، ح ۱۸۸۵۶.

11.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۳۷، ح ۷۹۸؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۸۵، ح ۱۰۱۰؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۱۵۸، ح ۱۸۸۶۳.

12.تذكرة الفقهاء، ج ۸ ، ص ۳۴۰؛ المغني لابن قدامة، ج ۳، ص ۴۷۲؛ الشرح الكبير، ج ۳، ص ۴۶۲.

13.الخلاف، ج ۲، ص ۳۴۵، المسألة ۱۶۸.

14.السرائر، ج ۱، ص ۶۰۲ .

15.مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۲۸۹.

16.حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۲۸۹.

17.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۴۰، ح ۸۱۰ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۱۵۵ ۱۵۶، ح ۱۸۸۵۷.

18.صحيح البخاري، ج ۲، ص ۱۹۰؛ مسند أحمد، ج ۱، ص ۲۵۸؛ صحيح مسلم، ج ۴، ص ۸۴ ؛ السنن الكبرى للنسائي، ج ۲، ص ۴۴۵، ح ۴۱۰۳؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۵ ، ص ۱۴۲.

19.صحيح البخاري، ج ۲، ص ۱۹۰، ورواه ابن ماجة في سننه، ج ۲، ص ۱۰۱۳ ۱۰۱۴، ح ۳۰۵۰.

20.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۲۲، ح ۷۵۰؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۸۴، ذيل ۱۰۰۸.

21.صحيح البخاري، ج ۲، ص ۱۹۰، ورواه مسلم في صحيحه، ج ۴، ص ۸۲ ۸۳ ؛ و أبو داود في سننه، ج ۱، ص ۴۴۷، ح ۲۰۱۴؛ والنسائي في السنن الكبرى، ج ۲، ص ۴۴۷، ح ۴۱۰۹.

22.صحيح البخاري، ج ۲، ص ۱۹۰، وما بين الحاصرتين منه. ونحوه في ج ۷، ص ۲۲۵؛ صحيح مسلم، ج ۴، ص ۸۳ ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۵ ، ص ۱۳۹.

23.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۶۴.

24.الكافي في الفقه، ص ۲۰۰ ۲۰۱.

25.البقرة (۲): ۱۹۶.

26.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۶۴. ومثله في تذكرة الفقهاء، ج ۸ ، ص ۳۴۱. وانظر: المجموع للنووي، ج ۸ ، ص ۲۱۶.

27.فتح العزيز، ج ۷، ص ۳۸۰ ۳۸۱.

28.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۴۱؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۱۷، ح ۱۹۰۲۲.

29.الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۴۰، ح ۸۰۹ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۱۵، ح ۱۹۰۱۷.

30.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۴۱.

31.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۴۱، ح ۸۱۲ ؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۸۵، ح ۱۰۱۱؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۱۷ ۲۱۸، ح ۱۹۰۲۳.

32.في هامش الأصل: «الطريق إليه صحيح، لكنّ علىّ بن أبي حمزة مشترك، منه عفي عنه».

33.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۴۱، ح ۸۱۳ ؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۸۵، ح ۱۰۱۲. وهذا هو الحديث الخامس من باب الحلق والتقصير من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۱۸، ح ۱۹۰۲۶.

34.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۴۲، ح ۸۱۷ ؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۸۶، ح ۱۰۱۶؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۲۱، ح ۱۹۰۳۵.

35.الحديث التاسع من الباب المتقدّم؛ تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۴۲، ح ۸۱۶ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۱۹، ح ۱۹۰۲۹.

36.الحديث الثامن من الباب المتقدّم؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۱۸، ح ۱۹۰۲۵.

37.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۴۲، ح ۸۱۵ ؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۸۶، ح ۱۰۱۴؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۲۲۰، ح ۱۹۰۳۳.

38.في صحيحة أبي بصير المتقدّمة آنفا.

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 189717
صفحه از 856
پرینت  ارسال به