باب التكبير في أيّام التشريق
قال الشيخ في المبسوط :
وينبغي أن يكبّر الإنسان بمنى عقيب خمس عشرة صلاة من الفرائض، يبدأ بالتكبير يوم النحر بعد الظهر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث، وفي الأمصار عقيب عشر صلوات، يبدأ عقيب الظهر يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثاني من أيّام التشريق - إلى قوله - : ومن أصحابنا من قال : إنّ التكبير واجب . ۱
وبه قال في الاستبصار ۲ محتجّا بقوله تعالى : «وَاذْكُرُوا اللّه َ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ»۳ ، وبأخبار ظاهرة فيه، ذكر أكثرها المصنّف في الباب، ثمّ عارضها بموثّق عمّار بن موسى، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن رجل ينسى أن يكبّر في أيّام التشريق؟ قال : «إن نسي حتّى قام [ من موضعه] فليس عليه شيء ». ۴
وأجاب : بأنّ نفي وجوب الإعادة لا يدلّ على نفي الوجوب، مستنداً بأنّ صلاة الجمعة واجبة وليس على من نسيها قضاء جمعة، وإنّما يلزمه فرض آخر . وقال : «ونظائر ذلك كثيرة ». ۵
وهذا القول هو محكي في المختلف ۶ عن السيّد المرتضى ، ۷ والأوّل هو المشهور بين الأصحاب ، ۸
وقد حملوا الأمر في الأخبار المشار إليها على الندب ، كما أنّ لفظ الواجب محمول عليه في موثّق عمّار بن موسى، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «التكبير واجب في دبر كلّ صلاة فريضة أو نافلة أيّام التشريق» ۹ بقرينة عطف النافلة على الفريضة، فإنّ أحداً لم يقل بوجوب الذِّكر عقيب النوافل ، فتأمّل .
ثمّ المشهور عدم استحبابه عقيب النوافل ؛ قال الشيخ في التهذيب : «فأمّا صلاة النافلة فليس بعدها تكبير أيّام التشريق ».
واحتجّ عليه بما رواه في الصحيح عن داوود بن فرقد، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «التكبير في كلّ فريضة وليس في النافلة تكبير أيّام التشريق »؟! ۱۰
وحمل موثّق عمّار المتقدّم على نفي الحظر عمّن كبّر بعدها؛ معلّلاً بأنّ الإنسان غير ممنوع عن التكبير في جميع الأحوال فكيف بعد صلاة النوافل .
وفي الاستبصار قال باستحبابه عقيب النوافل أيضا حيث قال : «فأمّا ما تضمّن خبر عمّار الساباطي فالوجه فيما يتعلّق بالنافلة أن نحمله على ضرب من الاستحباب دون الإيجاب ». ۱۱ واستشهد لنفي الإيجاب هنا بخبر داوود بن فرقد .
هذا ، وقد اختلفت الأخبار في كيفيّة التكبيرات ، ففي صحيحتي زرارة ۱۲ ومنصور بن حازم ۱۳ ما ترى ، ومثلهما في حسنة معاوية بن عمّار بزيادة: «والحمد للّه على ما أبلانا» ۱۴ في آخرها ، وروى الشيخ ۱۵ ما رواه المصنّف عن زرارة بهذا السند بعينه، وليس فيه قوله : «وللّه الحمد» في البين، واختلافها محمول على مراتب الفضيلة .
والمشهور بين الأصحاب ما قاله في المبسوط : وهو: «اللّه أكبر اللّه أكبر، لا إله إلّا اللّه واللّه أكبر، اللّه أكبر على ما هدانا، وله الشكر على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام ». ۱۶
وفي النهاية ۱۷ والسرائر ۱۸ مثله ، لكن فيهما : «والحمد للّه » بدل «وله الشكر »، ولم أجد لهم مستنداً ، والأحسن ما تضمّنته الأخبار المشار إليها ، ثمّ إنّه يتحقّق الطلب بالمرّة ويستحبّ التكرار إجماعا، كما يفهم من صحيحة محمّد بن مسلم . ۱۹
1.المبسوط، ج ۱، ص ۳۸۰.
2.الاستبصار، ج ۲، ص ۲۹۹، باب التكبير أيّام التشريق.
3.البقرة (۲) : ۲۰۳ .
4.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۷۰، ح ۹۲۴، وص ۴۸۷، ح ۱۷۳۹؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۹۹، ح ۱۰۷۱؛ وسائل الشيعة، ج ۷، ص ۴۶۵، ح ۹۸۷۳.
5.الاستبصار، ج ۲، ص ۲۹۹ ۳۰۰، ذيل الحديث ۱۰۷۱.
6.مختلف الشيعة، ج ۲، ص ۲۷۳.
7.الانتصار، ص ۱۷۱.
8.اُنظر: مدارك الأحكام، ج ۴، ص ۱۱۵ ۱۱۶؛ وج ۸ ، ص ۲۴۲ ۲۴۳.
9.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۷۰، ح ۹۲۳، وص ۴۸۸، ح ۱۷۴۴؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۹۹، ح ۱۰۷۰؛ وسائل الشيعة، ج ۷، ص ۴۶۲، ح ۹۸۶۳، وص ۹۶۶ ۹۶۷، ح ۹۸۷۷.
10.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۷۰، ح ۹۲۵. ورواه أيضا في الاستبصار، ج ۲، ص ۳۰۰، ح ۱۰۷۲؛ وسائل الشيعة، ج ۷، ص ۴۶۷، ح ۹۸۷۸.
11.الاستبصار، ج ۲، ص ۳۰۰.
12.الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۷، ص ۴۵۸، ح ۹۸۵۳.
13.الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۷، ص ۴۵۹، ح ۹۸۵۴.
14.الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۷، ص ۴۵۹، ح ۹۸۵۵.
15.تهذيب الأحكام، ج ۳، ص ۱۳۹، ح ۳۱۳.
16.المبسوط للطوسي، ج ۱، ص ۳۸۰.
17.النهاية، ص ۱۳۶.
18.السرائر، ج ۱، ص ۶۱۰ ۶۱۱ .
19.الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۵ ، ص ۲۶۸، ح ۶۵۱۱ .