523
شرح فروع الکافي ج5

باب دخول المدينة وزيارة النبيّ صلى الله عليه و آله والدعاء عند قبره

قال الشيخ في التهذيب :
وقبره صلى الله عليه و آله بالمدينة في حجرته التي تُوفّي فيها، وكان قد أسكنها في حياته عائشة بنت أبي بكر بن أبي قحافة ، فلمّا قبض النبيّ صلى الله عليه و آله اختلف أهل بيته ومَن حضر من أصحابه في الموضع الذي ينبغي أن يُدفن فيه، فقال بعضهم: يُدفن بالبقيع، وقال آخرون: يُدفن في صحن المسجد، وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «إنّ اللّه لم يقبض نبيّه إلّا في أطهر البقاع، فينبغي أن يُدفن في البقعة التي قُبض فيها »، فاتّفقت الجماعة على قوله عليه السلام ودفن في حجرته . ۱
قوله في حسنة معاوية بن عمّار : «اللّهمَّ أعطه الدرجة والوسيلة في الجنّة وابعثه مقاما محموداً يغبطه به الأوّلون والآخرون ).] ح 1 / 8098] الظاهر أنّ الدرجة هنا هي المرتبة الرفيعة التي تسمّى بالوسيلة ، فالعطف للتفسير .
وقال سيّد الوصيّين عليه السلام على ما نقله عنه المصنّف في كتاب الروضة في خطبة الوسيلة : «الوسيلة أعلى درج الجنّة، وذروة ذوائب الزلفة، ونهاية غاية الاُمنية، لها ألف مرقاة، ما بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس الجواد مئة عام وفي نسخة ألف عام وهو ما بين مرقاة درّة، إلى مرقاة جوهرة، إلى مرقاة زبرجدة، إلى مرقاة لؤلؤة، إلى مرقاة ياقوتة، إلى مرقاة زمرّدة، إلى مرقاة مرجانة، إلى مرقاة كافور، إلى مرقاة عنبر، إلى مرقاة يلنجوج، ۲ إلى مرقاة ذهب، إلى مرقاة فضّة، إلى مرقاة غمام، إلى مرقاة هواء، إلى مرقاة نور، قد أنافَت على كلّ الجنان، ورسول اللّه صلى الله عليه و آله [ يومئذ] قاعد عليها، مُرتَدٍ بريطتين: ريطة ۳ من رحمة اللّه ، وريطة من نور اللّه ، عليه تاج النبوّة وإكليل الرسالة، قد أشرق بنوره الموقف ، وأنا يومئذٍ على الدرجة الرفيعة وهي دون درجته ، وعَليَّ ريطتان: ريطة من ارجوان النور، وريطة من كافور ، والرُّسل والأنبياء قد وقفوا على المراقي، وأعلام الأزمنة وحجج الدهور عن أيماننا، قد تجلّلتهم حُلَل النور والكرامة، لا يرانا مَلكٌ مقرّب ولا نبيٌّ مرسل إلّا بُهت بأنوارنا وعجب من ضيائنا وجلالتنا .
وعن يمين الوسيلة عن يمين الرسول غمامة بَسطَة البصر، يأتي منها النداء : يا أهل الموقف، طوبى لمن أحبّ الوصيّ وآمن بالنبيّ الاُمّي العربي ، ومَن كفر به فالنار موعده .
وعن يسار الوسيلة عن يسار الرسول ظُلَّة يأتي منها النداء : يا أهل الموقف، طوبى لمَن أحبّ الوصيّ وآمن بالنبيّ الاُمّي ، والذي له المُلك الأعلى لا فاز أحد ولا نال الرَّوح والجنّة إلّا من لقى خالقه بالإخلاص لهما والاقتداء بنجومهما . ۴
وقال البيضاويّ في قوله سبحانه : «عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاما مَحْمُودا»۵ : «انتصابه على الظرف بإضمار فعله ، أي فيقيمك مقاما أو يتضمّن يبعثك معناه أو الحال، بمعنى أن يبعثك ذا مقام محمود ». ۶
وفي مجمع البيان :
المقام بمعنى البعث، فهو مصدر من غير جنسه ، أي يبعثك يوم القيامة بعثا أنتَ محمودٌ فيه ، ويجوز أن يجعل البعث بمعنى الإقامه، كما يُقال : بَعَثتُ بعيري ، أي أَثَرتهُ وأقمته فيكون معناه: يقيمك ربّك مقاما محموداً تحمدك فيه الأوّلون والآخرون . ۷
ثمّ قال البيضاويّ :
وهو مطلق في كلّ مقام يتضمّن كرامة ، والمشهور أنّه مقام الشفاعة؛ لما روى أبو هريرة أنّه عليه السلام قال : «هو المقام الذي أشفع فيه لاُمّتي »، ولإشعاره بأنّ الناس يحمدونه لقيامه فيه، وما ذاك إلّا مقام الشفاعة . ۸
وفي المجمع :
وقد أجمع المفسِّرون على أنّ المقام المحمود هو مقام الشفاعة، وهو المقام الذي يشفع فيه للناس، وهو المقام الذي يعطى فيه لواء الحمد، فيوضع في كفّه، ويجتمع تحته الأنبياء والملائكة، فيكون عليه السلام أوّل شافع وأوّل مشفّع . ۹
ويشمل ذلك جميع المقامات التي قالته العامّة في ذلك المقام .
قال طاب ثراه حاكيا عنهم : ذهب بعضهم إلى أنّ هذا المقام هو الشفاعة في تعجيل الحساب حين اهتمّ الخلائق لمقاساة كرب المحشر وطول مكثهم له .
وقال بعضهم : هو الشفاعة في إخراج العصاة من النار حتّى لا يبقى إلّا مَن وجب عليه الخلود فيها .
وقال بعضهم : هو أنّه تعالى يناديه يوم القيامة والناس سكوت : يا محمّد، فيقول : لبّيك وسعديك والخير في يديك ، لأنّه مقام تحمده الخلائق فيه .
وقيل : هو أنّه تعالى يكسوه حلّة خضراء، ثمّ يناديه فيقول ما شاء أن يقول .
وقال بعضهم : هو أنّه على كرسيّ الربّ بين يديّ اللّه عزّ وجلّ .
وقال بعضهم : هو كون آدم عليه السلام وذرّيّته تحت لوائه في عرصات القيامة من أوّل اليوم إلى دخول مَن يدخل الجنّة وخروج من يخرج من النار ، وأوّل ذلك إجابة المنادي وحمده للّه عزّ وجلّ بما ألهمه ، ثمّ الشفاعة في تعجيل الحساب وإراحة الناس من كرب المحشر، وهو المقام المحمود الذي حمده فيه الأوّلون والآخرون ، ثمّ شفاعته فيمن يدخل الجنّة بغير حساب، ثمّ فيمن يخرج من النار حتّى لا يبقى فيها مَن في قلبه مثقال ذرّة من الإيمان . ۱۰

1.تهذيب الأحكام، ج ۶ ، ص ۲ ۳، باب الأوّل نسب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وتاريخ مولده ووفاته وموضع قبره.

2.يلنجج ويلنجوج: عود البخور. مجمع البحرين، ج ۴، ص ۱۱۰ (لجج).

3.الريطة: كلّ ملاءة ليست بلفقين. وقيل: كلّ ثوب رقيق لين. النهاية، ج ۲، ص ۲۸۹ (ريط).

4.الكافي، ج ۸ ، ص ۲۴ ۲۵، ح ۴.

5.الإسراء (۱۷) : ۷۹ .

6.تفسير البيضاوي، ج ۳، ص ۴۶۳.

7.مجمع البيان، ج ۶ ، ص ۲۸۴.

8.تفسير البيضاوي، ج ۳، ص ۴۶۲ ۴۶۳.

9.مجمع البيان، ج ۶ ، ص ۲۸۴.

10.اُنظر: جامع البيان للطبري، ج ۱۵، ص ۱۷۹ ۱۸۳؛ تفسير الثعلبي، ج ۶ ، ص ۱۲۳ ۱۲۵؛ تفسير السمعاني، ج ۳، ص ۲۷۰؛ المحرّر الوجيز، ج ۶ ، ص ۲۸۴؛ تفسير الرازي، ج ۲۱، ص ۳۱؛ تفسير القرطبي، ج ۱۰، ص ۳۰۹ ۳۱۲.


شرح فروع الکافي ج5
522

باب

وفي بعض النسخ: «باب لقاء الإمام ». أراد قدس سره ما أشرنا إليه من أنّ الغرض الأصلي من إيجاب الحجّ لقاء الإمام عليه السلام وأنّ الحجّ لا يتمّ إلّا به .
ويدلّ عليه زائداً على ما رواه المصنّف ما رواه الصدوق في العلل عن إسماعيل بن مهران، عن جعفر بن محمّد عليهماالسلامقال : «إذا حجّ أحدكم فليختم حجّه بزيارتنا؛ لأنّ ذلك من تمام الحجّ ». ۱
وعن الحسن بن عليّ الوشّا، قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول : «إنّ لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وأنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم، فمَن زارهم رغبةً في زيارتهم وتصديقا بما رغبوا فيه كانوا أئمّتهم شفعاؤهم يوم القيامة ». ۲

باب فضل الرجوع إلى المدينة

قال طاب ثراه :
قال قطرب ۳ وغيره: اشتقاق المدينة من أدان إذا دان والذكر الطاعة، وقيل : مَن مَدْن ومَدُن بإسكان الدال وضمّها . ۴
وقال الآبي في كتاب إكمال الإكمال : روي أنّ للمدينة في التوراة أحد عشر إسما: المدينة وطابة وطيبة والسكينة وجابرة والمجفّة والمحبوبة والقاصدة والمجبورة والعذراء والمرحومة . ۵
ومن أسمائها يثرب، قال السهيلي : إنّما سمّيت يثرب باسم رجل من العمالقة، وهو أوّل من نزلها منهم، وهو يثرب بن قايد بن عقيل بن هلايل بن عوض بن عملاق ، فلمّا حلّها النبيّ صلى الله عليه و آله كره لها هذا الاسم؛ لما فيه من لفظ التثريب، وسمّاها طيبة وطابة والمدينة .
ثمّ قال : فإن قيل : قد سمّاها اللّه تعالى به في القرآن؟ فالجواب إنّما سمّاها به حاكيا عن المنافقين في قوله تعالى : «وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ»۶ ، فنبّه بما حكى عنهم أنّهم رغبوا عمّا سمّاها به اللّه تعالى ورسوله صلى الله عليه و آله وأبوا إلّا ما كانوا عليه في الجاهليّة ، واللّه سبحانه قد سمّاها المدينة في قوله : «مَا كَانَ لِاَهْلِ الْمَدِينَةِ»۷ . ۸
وقال عياض : سمّاها أيضا طابة تفؤّلاً بالطيب أو لتطيب سكناها للمسلمين، أو لتطيب حالها، أو لتطيب الدّين بها، وكره اسمها يثرب لما فيه من الثراب، وكانت الجاهليّة تسمّيها بذلك . ۹

1.علل الشرائع، ص ۴۵۹، الباب ۲۲۱، ح ۱؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج ۲، ص ۲۹۲ ۲۹۳، الباب ۶۶ ، ح ۲۸؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۲۴، ح ۱۹۳۱۶.

2.علل الشرائع، ص ۴۵۹، الباب ۲۲۱، ح ۳؛ الفقيه، ج ۲، ص ۵۷۷ ، ح ۳۱۶۰؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام ، ج ۲، ص ۲۹۱ ۲۹۲، الباب ۶۶ ، ح ۲۴. ورواه ابن قولويه في كامل الزيارات، ص ۲۳۶ ۲۳۷، ح ۳۵۲؛ والشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج ۶ ، ص ۷۸ ۷۹، ح ۱۵۵، وص ۹۳، ح ۱۷۵؛ والشيخ المفيد في كتاب المزار، ص ۱۸۴، الباب ۱۱ من القسم الثاني، ح ۲؛ وفي المقنعة، ص ۴۷۴ مرسلاً. وهذا الحديث هو الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۲۲، ح ۱۹۳۱۴.

3.هذا هو الظاهر الموافق لسائر المصادر، وفي الأصل: «مطرف».

4.شرح صحيح مسلم للنووي، ج ۹، ص ۱۵۵.

5.حكاه عنه والد الشارح في شرحه على الكافي، ج ۷، ص ۳۷۲. وانظر: تاريخ المدينة لابن شبّة، ج ۱، ص ۱۶۳.

6.الأحزاب (۳۳) : ۱۳ .

7.التوبة (۹) : ۱۲۰ .

8.إلى هنا مذكورة في شرح اُصول الكافي للمولى صالح المازندراني، ج ۷، ص ۳۷۲.

9.اُنظر: تاريخ المدينة لابن شبّة، ج ۱، ص ۱۶۳ ۱۶۵.

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 184252
صفحه از 856
پرینت  ارسال به