ومثله في الكشّاف ، وزيد فيه : «لأنّه مُولى أعظم النِّعم ، فكان حقيقا بأقصى غاية الخضوع». ۱
أقول : لا شكّ في أنّه تعالى مُولى أعظم النِّعم ، وأنّه حقيقٌ بأقصى غاية الخضوع ، ولكنّ الكلام في أنّه هل هو معنى العبادة ومناط تحقّقها ، أم معناها أعمّ من ذلك ؟ ولم يذكر أهل اللغة ـ الذين كتبهم متداولة ـ لها معنى ، والشارع استعمل ما اشتقّ منها مرّة في تعظيم المشركين لأصنامهم وتقريب القربان لأجلها ، ومرّة في اتّباع الهوى والشيطان ، وعهِدَ سبحانه إلى العباد بوساطة السفراء والأنبياء أن لا يعبدوا الشيطان ، وأمر بقصر العبادة له تعالى ، ونهى عن اتّخاذ معبود سواه ، كقوله تعالى : «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» ، ۲ وقوله تعالى : «أَلَا نَعْبُدَ إِلَا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْـ?ا»۳ ، وقوله تعالى : «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَـبَنِى ءَادَمَ أَن لَا تَعْبُدُواْ الشَّيْطَـنَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَ أَنِ اعْبُدُونِى هَـذَا صِرَ طٌ مُّسْتَقِيمٌ »۴ ، وقوله تعالى : «وَ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَ لَا يَنفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هَـؤُلَاءِ شُفَعَـؤُنَا عِندَ اللَّهِ»۵ ، وقوله تعالى حكايةً عن عَبَدة الأوثان : «لَوْ شَآءَ الرَّحْمَـنُ مَا عَبَدْنَـهُم»۶ ، وقوله تعالى : «أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ»۷ إلى غير ذلك .
ومقتضى كلام هؤلاء الأعلام أنّ أقصى غاية الخضوع هو المناط في تحقّقها ، وهو المختصّ باللّه تعالى ، وأنّ التوبيخات التي وردت على الإطاعة والاتّباع للشيطان والهوى إنّما هي إذا كان اتّباعا على ذلك الحدّ من الخضوع ، ولو كان دون الأقصى فليس بعبادة وإن كان مذموما على بعض الوجوه .
وهذا المعنى ليس في كتب اللغة المتداولة ، ولا هو منقولاً عن النبيّ صلى الله عليه و آله وأهل بيته المعصومين عليهم السلام ، ولعلّ الدليل على ذلك ـ كما يومي إليه كلامهم ـ حكم العقل باختصاص أقصى غاية الخضوع باللّه ، وعدم جريان حكم الإشراك على إيقاع ما عداه