101
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

يُريبُك إلى ما لا يُريبُك » ۱ هذا .
وقوله عليه السلام : «وأمرٌ مشكل يردّ علمه إلى اللّه ورسوله» يدلّ على أنّ التخلّص من المشكل إنّما هو بالسؤال ؛ لأنّ الردّ كناية عن ذلك .
وفي هذا ردٌّ صريح على المخطّئة الذين يقولون : لنا في المشكل أن نجيل فكرنا ونرجّح طرفا ؛ فإنّ كثيرا ممّا يحتاج إليه الاُمّة قد أبهم اللّه حكمه الذي قدّر في اللوح ، ولم يُعلم به نبيّه ؛ ليكون مجالاً لأفكار العلماء ، فيثابوا ثوابين إن اتّفق الإصابة ، وواحدا إن أخطأوا ، وليس ممّا جاء به النبيّ واستودعه اُولي الأمر وأمر الناس بالسؤال عنهم ؛ «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَن ـ بِطُونَهُ مِنْهُمْ» ، ۲«فَسْـ?لُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»۳ .
قال ابن الأثير في النهاية : «المحدّثون يسمّون أصحاب القياس أصحاب الرأي ؛ يعنون أنّهم يأخذون بآرائهم فيما يشكل من الحديث ، أو ما لم يأت فيه حديث ولا أثر » ۴ انتهى .
ثمّ من الظاهر أنّ السؤال عند التيسّر ، فإذا لم يتيسّر فإن أمكن التوقّف أو الاحتياط ، وإلّا فالعمل بأيّهما شاء على وجه التسليم .
وهاهنا إشكال: وهو أنّه قد بيّن صلى الله عليه و آله أنّ المجمع عليه لا ريب فيه ، فكان المناسب أن يأمر به أوّلاً، وقدّم اعتباره على اعتبار الأعدليّة .
والجواب: أنّ الغرض نهجُ عدّةِ سُبُلٍ يحصل بكلّ منها الخروج عن مضيق الحيرة في زمان الهدنة ، إلى أن يأذن اللّه لوليّ الأمر إعلان الحقّ والصدع بالأحكام الواقعيّة ، وتصيرَ كلمة اللّه هي العُليا ، ويتقشّعَ بنور الحقّ غمائم الباطل التي طبّقت وعمّت وجه

1.الانتصار ، ص ۳۶۳ ، المسألة ۱۴۵ ؛ الناصريّات ، ص ۱۳۹ ، المسألة ۳۸ ؛ إرشاد القلوب ، ج ۱ ، ص ۱۲ ؛ غررالحكم ، ص ۷۱ ؛ كشف الغمّة ، ج ۱ ، ص ۵۳۵ ؛ عوالي اللآلي ، ج ۳ ، ص ۳۳۰ ، ح ۲۱۴ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۲۷ ، ص ۱۶۷ ، ح ۳۳۵۰۶، عن جوامع الجامع . سنن الترمذي ، ج ۴ ، ص ۷۷ ؛ سنن النسائي ، ج ۸ ، ص ۳۲۷ ؛ مسند أحمد ، ج ۱ ، ص ۲۰۰ ؛ المستدرك للحاكم ، ج ۲ ، ص ۱۳ .

2.النساء (۴) : ۸۳ .

3.النحل (۱۶) : ۴۳ .

4.النهاية ، ج ۲ ، ص ۱۷۹ (رأى) .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
100

العامّة ، وإذ فرض الراوي أنّ الحاكمين المتمسّك كلّ منهما بخبر رواه عدلان مرضيّان، فليس واحد من الخبرين منحولاً إلى الأئمّة عليهم السلام ، فإذا كان أحدهما مشتهرا بين الأصحاب والآخر غير مشتهر ، فعدم الاشتهار إمّا من جهة اشتباهٍ وقع فيه من راويه؛ فإنّ كونه عدلاً مرضيّا إنّما ينافي الكذبَ والميلَ إلى هواه ، لا وقوعَ الاشتباه . وإمّا من جهة أنّ متضمّن الخبر من باب الرخصة ، والرخصة في الأغلب ما كان مرجوحا بالنسبة إلى الأصل والعمل به ؛ لطروّ ضرورة مثل تأخير من شَغَلَهُ شاغل قويّ الظهرين إلى أن يبقى من اليوم بمقدار ثمان ركعات ، ولأجل ندرة الطروّ لم يشتهر ، فإذا احتمل الطرفين فهو من الشبهات .
فقوله عليه السلام في ذلك السياق : «وإنّما الاُمور ثلاثة» إلى آخره، لبيان أنّ غير المشتهر ليس ممّا يحكم بعدم وروده من المعصوم ، بل ممّا لا يعمل به ؛ لكونه من الشبهات التي من ارتكبها وقع في المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم، على تقدير كون احتمال المحرّم هو الواقع .
فالبيّن رشدُه : ما ثبت الرخصة بعمله، سواء كان العمل من جهة الترجيح بأحد من وجوه المرجّحات المأثورة ـ اتّفق مطابقته للحكم الواقعي ، أو لم يتّفق ـ أو من جهة العلم بكون عمل الرسول والأئمّة عليهم السلام على ذلك ، كما في المشتهر بين أصحاب الأئمّة عليهم السلام .
والبيّن غيُّه : ما وجب تجنّبه ، سواء كان من جهة كونه خلاف الاُمّة ، أو من جهة اختصاصه بالعامّة، وعدم ورود الرخصة من الأئمّة عليهم السلام بالعمل به لغير التقيّة .
والشبهات : ما كان متّصفا بصفة مسوّغة للعمل ، مثل كونه من أخبار كتب معروفة بين القدماء ، غيرِ ممنوع عندهم الأخذُ منها وإعمال وجوه الترجيحات المأثورة عن الأئمّة عليهم السلام فيها ، ككتاب حريز ونوادر الحكمة وأمثالهما ممّا ذكره الصدوق في أوائل الفقيه ، والشيخ في أواسط التهذيب ، ومع ذلك كان محلّاً للريبة ؛ بسبب مصادفة أمر كمعارضة المشتهر بين أصحاب الأئمّة إيّاه ، وقد ورد في الخبر : «دَعْ ما

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 135668
صفحه از 637
پرینت  ارسال به