103
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

وقوله عليه السلام : «فارجه حتّى تلقى إمامك». في القاموس : «الإرجاء : التأخير» ۱ .
فإن كان الغرض إثبات الفعل للفاعل مطلقا من غير اعتبار تعلّقه بمن وقع عليه ، نزّل التأخير المتعدّي منزلةَ اللازم ، ولم يقدّر له مفعول ، كما قيل في قوله تعالى : «هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» ؛ ۲ فإنّ المعنى : لايستوي من وجد له حقيقة العلم ومن لا يوجد ، فالهاء في «ارجه» للسكت ، والمعنى : فعليك بالتوقّف والحال هذه ، إلى زمان لقاء إمامك . ويحتمل أن يكون الهاء ضميرا راجعا إلى فصل الأمر المدلول عليه بسياق الكلام .
وكيف كان ، فالعمل في مدّة الإرجاء ينبغي أن يكون بالاحتياط .
ولا يجري في الواقعة المفروضة في هذا الحديث العملُ بأيّما أخذت من باب التسليم وسعك ؛ لأنّ العادة لم تجر بانفصال نزاع المتخاصمين بذلك .
نعم ، يمكن للمدّعي أن يصبر على الضرر، ويترك النزاع للاحتياط ، ولأجل هذا لم يذكر في هذا الحديث التخلّص بالعمل بأيّما شاء على وجه التسليم مع كمال البسط والتفصيل ، ولكون هذا النوع من التخلّص غير داخل في وجوه الترجيح ، بل هو ترك الترجيح ، لم أتعرّض له حين ذكر الوجوه العشرة .
وينبغي أن لا يغفل أنّ ذلك فيما يجري ذلك إنّما هو بعد ثبوت المتعارضين عن المعصوم عليه السلام ثبوتا شرعيّا ، فهو وسائر أصناف التخلّص ـ التي تحصل بإعمال الوجوه المأثورة للترجيح ـ متساويان في كونهما على وجه الإطاعة لهم عليهم السلام ، وغرضهم نهج مناهجَ تخرج شيعتهم عن بيداء الحيرة ، ويسلكونها في زمان الفترة ، فالرجوع إلى وجوه الترجيح التي قرّروها لنا وعدم القناعة بعدم الترجيح أيضا من باب التسليم لهم والائتمام بهم ، لا لتحصيل الظنّ بإصابة الواقع .
وبالجملة : المدار في هذه الأعصار ـ التي لم تصل أيدينا إلى صاحبنا صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين ـ العملُ بالأحكام الواصليّة ، ولا ضرورة لنا ـ معاشرَ

1.القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۳۳۳ (رجأ) .

2.الزمر (۳۹) : ۱۰ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
102

الدنيا ، وليس الغرض إلزامَ الترتيب ، ولعلّك مستغنٍ في إثبات عدم لزومه بما سمعت في خلال ذكر أصناف وجوه الترجيح ، وإن ذكر في هذا الحديث بعض الوجوه عقيب سؤال عن عدم تيسّر بعض ، فهو من باب ذكر إحدى الكفّارات على أنّه إحدى ما تجزي ، ثمّ تعقّبها باُخرى إذا أظهر عدم تيسّر تلك ، لا على لزوم تقديمها على غيرها، وتخصيصها بالذكر لابتدارها إلى الذهن ، أو لمناسبتها لحال السائل ، مثل ذكر الصوم لمن شُوهِد من حاله الفقرُ ، وذكر إعتاق الرقبة لمن شوهد من حاله الغنى ، فلستَ ذكرتها على الوجه الذي ذكرتها لضرورة الترتيب ، بل لأنّها إحدى ما يحصل به التخلّص .
وقوله عليه السلام : «ينظر فيما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به»؛ يعني إن تمسّك كلّ واحد من المفتين برواية عنده ، ولم يرَ ما عند الآخر راجحا على ما عنده ، فطريق الفصل أن ينظر أيّ الروايتين موافقة للكتاب والسنّة ومخالفة للعامّة، فيأخذانها، ويتّفقان على الإفتاء بها ، ويتركان الاُخرى .
والمراد بالكتاب والسنّة، الظاهر المفيد للاطمئنان بصحّة متضمّن الخبر ، لا النصّ المعلوم المراد ، ولهذا احتيج إلى تقوية الاطمئنان بانضمام مخالفة العامّة واعتبارها أيضا ؛ مثال ذلك خبران ورد أحدهما في مسح الرجلين ، والآخر في غَسلهما ، وكلّ منهما مرويّ عن ثقة عدل، لا يفضل أحدهما على الآخر ، والاُولى موافقة لظاهر آية «وَأَرْجُلَكُمْ»۱ على قراءة الجرّ ، والاُخرى لظاهر الآية على قراءة النصب ، والاُولى مخالفة لمذهب العامّة ، فترجّح على الاُخرى .
وظاهر أنّ اعتبار الموافقة للكتاب والسنّة لا يتأتّى ولا يستتبّ ۲ للعامّي المستفتي ، ولهذا جعلناه ضابطة للمفتي ؛ ويشهد لذلك قول السائل : «أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنّة» إلى آخره ؛ يعني إن ادّعى كلاهما أنّهما عرفا حكمه من الكتاب والسنّة، بقي نزاعنا بلا فصل ، غير أنّا نقدر على أن نعلم بالسؤال عن الناس ما يوافق مذهب العامّة ، فقوله عليه السلام : «ما خالف العامّة ففيه الرشاد» ضابطة للمستفتي في هذه الصورة .

1.المائدة (۵) : ۶ .

2.لايستتب ، أي لايستقام ولايتبيّن . الصحاح ، ج ۱ ، ص ۹۰ ؛ لسان العرب ، ج ۱ ، ص ۲۲۶ (تبب) .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 135602
صفحه از 637
پرینت  ارسال به