109
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

العمل في كلّ باب، وإن اُودعت فيها بأسانيد مخصوصة ، وأنّه ـ طاب ثراه ـ لم يحكم بصحّة تلك الأخبار إلّا بعد اقترانها بما يوجب كمال الاطمئنان والوثوق بورودها عن المعصومين عليهم السلام ، ومتضمّناتها أحكام واصليّة جائزة العمل بها إلى زمان ظهور وليّ الأمر وصاحب العصر صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الكرام .
وقد أعطانا الإمام عليّ بن الحسين عليهماالسلام في هذا الباب دستورا لنعمل به ؛ قال عليه السلام بعد ذكر الصحابة المرضيّين :
«اللّهمَّ وأوْصِلْ إلى التابعينَ لهم بإحسان [...] الذين قَصَدوا سَمْتَهم ، وتَحَرَّوْا وِجْهَتَهم ، ومَضَوْا على شاكلتهم ، لم يَثْنِهِمْ ريبٌ في بصيرتهم ، ولم يَخْتَلِجْهم شكٌّ في قَفْو آثارهم والائتمام بمنارهم ۱ ، مُكانفين ومُوازرين لهم ، يَدينونَ بِدينهم ، ويَهتدونَ بِهَدْيِهم ، يَتّفقونَ عليهم ، ولا يَتَّهِمُونَهم فيما أدّوا إليهم» الدعاء . ۲
ولعلّ ظنّنا واطمئناننا بورود تلك الأخبار عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام ، الحاصل من جهة أخبار هؤلاء الأخيار ، ليس بأقصر من الظنّ الحاصل بالاجتهاد بين آراء الجارحين والمعدّلين، الذين كان من الظاهر البيّن أنّ تلك الآراء لم تحصل لهم بالمعاشرة أو الشياع إلّا في قليل ، وفي الباقي إمّا بنقل النقلة ـ وإذ لم يذكروا أسماءهم ، فمن أين لنا المعرفة بحالهم ـ أو بالروايات التي يحتاج إلى النظر في أسانيدها .
فما ذكره مؤلّفو كتب الرِّجال من أحوال من لم يكن معاصرا لهم ، بل كان قبلهم بسنين كثيرة ، قبولنا له بمحض حسن ظنّنا بهم أنّهم لم يألوا جهدا في تحصيل الاطمئنان ، مع أنّه يُحتمل أن يكون على وجه اجتهاد منهم ، وكانوا قد أخطأوا ؛ لمساهلةٍ وتقصير في بذل المجهود ، فلو قلنا على سبيل حسن ظنّ بثقة الإسلام : إنّه لم يَأْلُ جهدا في تعرّف أحوال الخبر الذي أدّاه إلينا وأخبر بصحّته ؛ بمعنى أنّه كان معمولاً بين علماء أصحاب الأئمّة عليهم السلام ، مرجعا لعظماء الشيعة ، لا بمعنى أنّي ظانّ بثقة راويه ، أو

1.في المصدر : «والائتمام بهداية منارهم» .

2.الصحيفة السجّاديّة ، ص ۴۰ ، الدعاء ۴ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
108

مؤلّفه قدس سره ، وتلك الاُصول وإن كانت لغاية شهرتها مستغنية عن أن يطلب سندها ويعتمد عليها من جهة السند ، لكنّ الشائع المتعارف روايتها عن مشايخ الإجازة من باب نقلنا لحديث الكافي عن مشايخنا في الإجازة إلى أن يبلغ إلى الكليني ، ثمّ عنه إلى المعصوم عليه السلام بالسند الذي في الكافي ، ولا نبالي بعدم ثقة المشايخ ، وكان الاعتماد فيما أخذه المصنّف ـ طاب ثراه ـ من الاُصول على شهرتها وشهرة العمل بما فيها بين علماء الأصحاب وعظمائهم ، وإن تكلّموا أحيانا في أحوال رجال السند، فذلك إمّا لحصول مراتب الاطمئنان المنحفظ في الجميع من جهة الاعتماد على المآخذ ـ أي الاُصول ـ وإمّا من جهة إظهار كمال الاطمئنان بصحّة الخبر الذي نقل عن غير العادل المحكوم عليه وعلى غيره من أخبار الكتاب في أوّل الكتاب بالصحّة ، مع إظهار أنّ الراوي ليس مرضيّا ، كما ذكر الصدوق قدس سرهفي كتاب إكمال الدِّين وإتمام النِّعمة مذمّةً كثيرةً لأحمد بن هلال ۱ ، ومع ذلك نقل عنه الأخبار في الفقيه، ۲ وذكر في أوّله : أنّي لستُ ممّن يروي كلّ ما روي له ، بل أروي ما أعتمد عليه وأحكم بصحّته ۳ . وهل عدم المبالاة بذلك إلّا لما ذكرناه ؟

ولننتقل إلى نوع آخر من الكلام :

اعلم أنّ آراء مصنّفي كتب الرجال في كثير من الرواة مختلفة يحتاج الفقيه إلى الترجيح ، وكذا أسماء كثير من الرواة مشتركة ، يحتاج في الإخراج من الاشتراك إلى الفحص عن الأمارات الظنّية ، وإذ لم يكن بدّ في تحصيل الاعتقاد بصحّة الخبر من جهة السند إلى ترجيح ظنّي ، فالظنّ بالرؤوف الرحيم ـ تعالى شأنه ـ أن لا يداقّ ذوي الألواح الساذجة التي حصل لهم بتتبّع أحوال صاحب الكافي ظنّ قويّ بأنّه صادق فيما أخبر به من أنّه أخذ أخباره من كتب معتبرة كان عليها اعتماد الأصحاب ، وبرواياتها

1.راجع : كمال الدين ، ج ۱ ، ص ۷۶ .

2.لم نجد نقله رحمه اللّه عن أحمد بن هلال في الفقيه إلاّ واحدا : ج ۳ ، ص ۱۴۳ ، ح ۳۵۲۶ .

3.الفقيه ، ج ۱ ، ص ۲ ، ونصّه هكذا : «ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رَوَوْه ، بل قصدتُ إلى إيراد ما أفتى به، وأحكُمُ بصحّته، وأعتقد فيه أنّه حجّة فيما بيني و بين ربّي» .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 135556
صفحه از 637
پرینت  ارسال به