111
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

بهم ، من غير فرق بينهم وبين ثقاة الإماميّة الذين لم يزالوا على الحقّ ، مع أنّ تأريخ الرواية عنهم غير مضبوط ليعلم أنّه هل كان بعد الرجوع أو قبله ، بل بعض الرواة ماتوا على مذاهبهم الفاسدة من الوقف ، وكانوا شديدي التعصّبِ والتصلّبِ فيه ، ولم يُنقل رجوعهم إلى الحقّ في وقتٍ من الأوقات أصلاً ، والأصحاب يعتمدون عليهم ويقبلون أحاديثهم ، كما قبلوا حديث عليّ بن محمّد بن رباح ، وقالوا : إنّه صحيح الرواية ، ثبتٌ ، معتمد على ما يرويه ، وكما قبل المحقّق في المعتبر رواية عليّ بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام معلّلاً ذلك بأنّ تغيّره إنّما كان في زمن الكاظم عليه السلام ۱ ، فلا يقدح فيما قبله ، وكما حكم العلّامة في المنتهى بصحّة حديث إسحاق بن جرير ۲ ؛ وهؤلاء الثلاثة من رؤوساء الواقفيّة .
قلت : المستفاد من تصفّح كتب علمائنا المؤلّفة في السير والجرح والتعديل أنّ أصحاب الإماميّة ـ رضي اللّه عنهم ـ كان اجتنابهم عن مخالطة من كان من الشيعة على الحقّ أوّلاً ، ثمّ أنكر إمامة بعض الأئمّة عليهم السلام في أقصى المراتب ، وكانوا يحترزون عن مجالستهم والتكلّم معهم ، فضلاً عن أخذ الحديث عنهم ، بل كان تظاهرهم بالعداوة لهم أشدّ من تظاهرهم بها للعامّة ؛ فإنّهم كانوا يلاقون العامّة ويجالسونهم، وينقلون عنهم، ويُظهرون لهم أنّهم منهم ؛ خوفا من شوكتهم ، لأنّ حكّام الضلال منهم .
وأمّا هؤلاء المخذولون فلم يكن لأصحابنا الإماميّة ضرورة داعية إلى أن يسلكوا معهم على ذلك المنوال وسيّما الواقفيّة ؛ فإنّ الإماميّة كانوا في غاية الاجتناب لهم والتباعد عنهم حتّى أنّهم كانوا يسمّونهم بالممطورة ـ أي الكلاب التي أصابها المطر ـ وأئمّتنا عليهم السلام لم يزالوا ينهون شيعتهم عن مخالطتهم ومجالستهم ، ويأمرونهم بالدّعاء عليهم ، ويقولون : إنّهم كفّار مشركون زنادقة ، وإنّهم شرّ من النواصب، وإنّ من خالطهم وجالسهم فهو منهم ، وكُتُب أصحابنا مملوّة بذلك، كما يظهر لمن تصفّح كتاب الكشّي وغيره .
فإذا قبل علماؤنا ـ وسيّما المتأخّرون منهم ـ روايةَ رجلٍ من ثقاة أصحابنا عن أحد هؤلاء ، وعوّلوا عليها ، وقالوا بصحّتها مع علمهم [بحاله] فقبولهم لها وقولهم بصحّتها

1.المعتبر ، ج ۱ ، ص ۶۸ .

2.منتهي المطلب ، ج ۲ ، ص ۲۶۸ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
110

مجتهدٌ بصدق متضمّنه ، كيف ومن رجال بعض الأسانيد من هو مشهورٌ بالكذب وفساد المذهب وسوء الحال ، كأحمد بن هلال ومن لُقّبوا بالممطورة؛ ۱ لعداوتهم مع الأئمّة عليهم السلام ، والواقفيّة التي كانوا على الوقف مدَّةَ حياتهم ؟! وهل يظنّ بثقة الإسلام ومن كان مثلَه في ثقته وعقله ودينه أن يحكم بما ظنّ بصحّته من جهة ظنّ بحسن حال رجال سنده، بأنّي أوردته ليكون مرجعا للإخوان، يعملون به إلى انقضاء الدهر ، وما عسى أبو حنيفة يتوقّع من أصحابه ذلك مع جرأته على اللّه وعدم ديانته وتقواه ؟!
وقد تلخّص بما ذكرنا أنّ طريق السلوك في أخبار الكافي وما كان مثله ـ ممّا اُخبر بصحّته بالمعنى الذي ذكرناه ـ أن لا يترك الحديث بمجرّد أنّ راويَهُ ممّن لم يُذكر في كتب الرِّجال بالتوثيق ، بل يجعل تصحيح المؤلّف لأصل الحديث بمنزلة توثيق الرِّجاليّين لراويه إن لم يجعل أقوى ، ويجري في المتعارضات الترجيحاتُ المأثورة على وجه الأخذ بالأحرى إن تيسّر ، وإلّا العمل بواحد على وجه التسليم ، وأنّه حكمٌ واصليّ إلى زمان فرج آل محمّد عليهم السلام ، الذي هو زمان ظهور الأحكام الواقعيّة ، كما أنّ فصل المرافعات في هذه النشأة بالظاهر ، والحكم الواقعي في النشأة الآخرة ، ويحتاط في العمل بقدر أن لايُفضي إلى الضيق والشغل عمّا هو أهمّ من الضروريّات الدينيّة والمعارف اليقينيّة ، وسيجيء في كتاب الإيمان والكفر أنّ «أفضل العبادة إدمان التفكّر في اللّه وفي قدرته» . ۲

نقلُ مقالٍ لينتفع به من فُتحت عين عبرته :

قال الشيخ الجليل بهاء الملّة والدِّين قدس سرهفي مشرق الشمسين :
فإن قلت : إنّ كثيرا من الرواة كعليّ بن أسباط والحسن بن بشّار وغيرهما كانوا أوّلاً من غير الإماميّة ، ثمّ تابوا ورجعوا إلى الحقّ ؛ والأصحاب يعتمدون على حديثهم ويثقون

1.الممطورة : الكلاب المبتلّة بالمطر . ولقّبوا الواقفيّة وبعض فرق الشيعة المنحرفة بذلك ، بمناسبة كمال الاحتراز عنهم ، ككمال الاحتراز عن تلك الكلاب . راجع : بحار الأنوار ، ج ۴۸ ، ص ۲۶۸ .

2.الكافي ، ج ۲ ، ص ۵۵ ، باب التفكّر ، ح ۳ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 135548
صفحه از 637
پرینت  ارسال به