113
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

المحن ، إلّا شرذمة ممّن عصمه اللّه وبسفينة أهل البيت نجّاه ، وبالتمسّك بالثقلين أبقاه ، واستكتم الناجون دينهم ، وصانوا وتينهم ۱ ، فاستبقى اللّه عزّوجلّ بهم رمق الشريعة في هذه الاُمّة ، وأبقى بإبقاء نوعهم سُنّة خاتم النبيّين صلى الله عليه و آله إلى يوم القيامة ، فبعث إماما ۲ بعد إمام ، و[أقام] خَلَفَ شيعة لهم بعد سلف ، فكان لا يزال طائفة من الشيعة ـ رضوان اللّه عليهم ـ يحملون الأحاديث في الفروع والاُصول عن أئمّتهم عليهم السلام بأمرهم وترغيبهم، ويروونها عن الآخَرين ۳ ، ويروي الآخَرون للآخَرين ، وهكذا إلى أن وصلت إلينا ، والحمدُ للّه ربّ العالمين .
وكانوا يثبتونها في الصدور ، ويسطّرونها في الدفاتر ، ويَعُونَها ۴ كما يسمعونها ، ويحفظونها كما يتحمّلونها ، ويبالغون في نقدها وتصحيحها ، وردّ زيفها ، وقبول صحيحها ، وتخريج صوابها وسليمها من خطأها وسقيمها ، حتّى يرى أحدهم لا يستحلّ نقلَ ما لا وثوق به، ولا إثباتَ ذلك في كتبه إلّا مقرونا بالتضعيف ، ومشفوعا بالتزييف ، طاعنا فيمن يروي كلَّ ما يُروى ويسطر كلّ ما يُحكى ، كما هو غير خافٍ على من تتبّع كتب الرِّجال وتعرّف منها الأحوال .
وكانوا لا يعتمدون على خبرٍ ۵ ناقلُه منحصر في مطعون أو مجهول ، وما لا قرينة معه تدلّ على صحّة المدلول ، ويسمّونه الخبرَ الواحد الذي لايوجب علما ولا عملاً .
وكانوا لا يعتقدون في شيءٍ من تفاصيل الاُصول الدينيّة ، ولا يعملون في شيءٍ من الأحكام الشرعيّة إلّا بالنصوص المسموعة عن أئمّتهم عليهم السلام ولو بواسطة ثقة أو بوسائطِ ثقاةٍ .
وكانوا مأمورين بذلك من قِبَل اُولئك السادات ، ولا يستندون في شيءٍ منها إلى تخريج الرأي بتأويل المتشابهات ، وتحصيل الظنّ باستعانة الاُصول المخترعات ، الذي يسمّى بالاجتهاد ، ولا إلى اتّفاق آراء الناس الذي يسمّى بالإجماع ، كما يفعل ذلك كلّه الجمهور من العامّة .

1.الوتين : عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه . القاموس المحيط ، ج ۴ ، ص ۲۷۴ (وتن) .

2.في المصدر : «فبعث إمام هدى» .

3.في المصدر : «لآخرين» بدل «عن الآخرين» .

4.أي يحفظونها.

5.في المصدر : «على الخبر الذي كان» بدل «على خبر» .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
112

لابدّ من ابتنائه على وجهٍ صحيح لا يتطرّق به القدح إليهم ، ولا إلى ذلك الرجل الثقة الراوي عمّن هذا حاله ، كأن يكون سماعه منه قبل عدوله عن الحقّ وقوله بالوقف ، أو بعد توبته ورجوعه إلى الحقّ ، أو أنّ النقل إنّما وقع عن أصله الذي ألّفه واشتهر عنه قبل الوقف ، أو من كتابه الذي ألّفه بعد الوقف، ولكنّه أخذ ذلك الكتاب عن شيوخ أصحابنا الذين عليهم الاعتماد ، ككتب عليّ بن الحسين الطاطري ؛ فإنّه وإن كان من أشدّ الواقفيّة عنادا للإماميّة ، إلّا أنّ الشيخ شهد له في الفهرست بأنّه روى كتبه عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم ، إلى غير ذلك من المحامل الصحيحة .
والظاهر أنّ قبول المحقّق ـ طاب ثراه ـ رواية أبي حمزة مع شدّة تعصّبه في مذهبه الفاسد مبنيّ على ما هو الظاهر من كونها منقولة من أصله ، وتعليله رحمه اللهيُشعر بذلك ؛ فإنّ الرجل من أصحاب الاُصول . وكذلك قول العلّامة بصحّة رواية إسحاق بن جرير عن الصادق عليه السلام ؛ فإنّه ثقة من أصحاب الاُصول أيضا ، وتأليف أمثال هؤلاء اُصولهم كان قبل الوقف ؛ لأنّه وقع في زمن الصادق عليه السلام ، فقد بلغنا عن مشايخنا رحمهم اللهأنّه كان [من] دأب أصحاب الاُصول أنّهم إذا سمعوا من أحد الأئمّة عليهم السلام حديثا بادروا إلى إثباته في اُصولهم ؛ لئلّا يعرض لهم نسيان لبعضه أو كلّه بتمادي الأيّام ، وتوالي الشهور والأعوام ۱ .
انتهى ما أردنا نقله من شيخنا البهائي رحمه الله .
أقول : من تأمّل هذا النقل حقّ التأمّل ، لم يبق له توقّف في صحّة ما ذكرنا في أمر ثقة الإسلام ـ قدّس اللّه روحه ـ وأخباره ، وكذا غيره ممّن حذى حذوه .

تتميم :

قال العالم الربّاني مولانا محسن ـ طاب ثراه ـ في أوّل الوافي :
أوّل من أحدث الجدال في الدِّين واستنباط الأحكام بالرأي والتخمين في هذه الاُمّة أئمّة الضلال خذلهم اللّه تعالى ، ثمّ تبعهم في ذلك علماء العامّة ، ثمّ جرى على منوالهم فريقٌ من متأخِّري الفرقة الناجية بخطأٍ وجهل، و نحنُ نَقُصُّ عليك نَبَأَهُمْ بالحَقِّ ۲ : إنّه لمّا افتتن الناس بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فغرقوا في لُجج الفتن ، وهلكوا في طوفان

1.مشرق الشمسين ، ص ۲۷۳ ـ ۲۷۴ .

2.اقتباس من الآية ۱۳ من سورة الكهف (۱۸).

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 131654
صفحه از 637
پرینت  ارسال به