ذلك عندهم باُمور :
أحدها : ما رأوه من الاختلاف في ظاهر ۱ الآيات والأخبار التي لا تتطابق إلّا بتأويل بعضها بما يرجع إلى بعض ، وذلك نوع من الاجتهاد المحتاج فيه إلى وضع الاُصول والضوابط .
والثاني : ما رأوه من كثرة الوقائع التي لا نصّ فيها على الخصوص مع مسيس الحاجة إلى ۲ أحكامها .
والثالث : ما رأوه من اشتباه بعض الأحكام وما فيه من الإبهام ، الذي لا ينكشف ولا يتعيّن إلّا بتحصيل الظنّ فيه بالترجيح ، وهو عين الاجتهاد .
فأوّلوا الآيات والأخبار الواردة في المنع من الاجتهاد والعمل بالرأي بتخصيصها بالقياس والاستحسان ونحوهما من الاُصول التي تختصّ بها العامّة ، والواردةِ في النهي عن تأويل المتشابهات ومتابعة الظنّ بتخصيصها [باُصول الدين ، والواردةِ في ذمّ الأخذ بإتّفاق الآراء بتخصيصها] بالآراء الخالية عن قول المعصوم ؛ لما ثبت عندهم أنّ الزمان لا يخلو من إمامٍ معصوم .
فصار ذلك كلّه سببا لكثرة الاختلاف بينهم في المسائل، وتزايدِه ليلاً ونهارا ، وتوسّعِ دائرته مُدَدا وأعصارا ، حتّى انتهى إلى أن تراهم مختلفين في المسألة الواحدة على عشرين قولاً ، أو ثلاثين ، أو أزيد ؛ بل لو شئت أقول : لم يبق مسألة فرعيّة لم يختلفوا فيها ، أو في بعض متعلّقاتها ؛ وذلك لأنّ الآراء لا تكاد تتوافق ، والظنون قلّما تتطابق ، والأوهام ۳ تتشاكس ۴ ، ووجوه الاجتهاد تتعاكس ، والاجتهاد يقبل التشكيك ، ويتطرّق إليه الركيك ، فيتشبّه بالقوم من ليس منهم ، ويُدخل نفسه في جملتهم وهو ۵
بمعزل عنهم ، فظلّت المقلّدة في غمار آرائهم يعمهون ، وأصبحوا في لجج أقاويلهم يغرقون .
ليت شعري ، كيف [ذهب عنهم] ما ينحلّ به عقد هذه المشكلات عن ضمائرهم ؟! أم كيف خفي عنهم ما ينقلع به اُصول هذه الشبهات عن سرائرهم ؟! ألم يسمعوا حديث
1.في المصدر : «ظواهر».
2.في المصدر : + «معرفة» .
3.في المصدر : «والأفهام».
4.أي تتخالف . لسان العرب ، ج ۶ ، ص ۱۱۲ (شكس) .
5.في المصدر : «من هو» بدل «وهو» .