115
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

ذلك عندهم باُمور :
أحدها : ما رأوه من الاختلاف في ظاهر ۱ الآيات والأخبار التي لا تتطابق إلّا بتأويل بعضها بما يرجع إلى بعض ، وذلك نوع من الاجتهاد المحتاج فيه إلى وضع الاُصول والضوابط .
والثاني : ما رأوه من كثرة الوقائع التي لا نصّ فيها على الخصوص مع مسيس الحاجة إلى ۲ أحكامها .
والثالث : ما رأوه من اشتباه بعض الأحكام وما فيه من الإبهام ، الذي لا ينكشف ولا يتعيّن إلّا بتحصيل الظنّ فيه بالترجيح ، وهو عين الاجتهاد .
فأوّلوا الآيات والأخبار الواردة في المنع من الاجتهاد والعمل بالرأي بتخصيصها بالقياس والاستحسان ونحوهما من الاُصول التي تختصّ بها العامّة ، والواردةِ في النهي عن تأويل المتشابهات ومتابعة الظنّ بتخصيصها [باُصول الدين ، والواردةِ في ذمّ الأخذ بإتّفاق الآراء بتخصيصها] بالآراء الخالية عن قول المعصوم ؛ لما ثبت عندهم أنّ الزمان لا يخلو من إمامٍ معصوم .
فصار ذلك كلّه سببا لكثرة الاختلاف بينهم في المسائل، وتزايدِه ليلاً ونهارا ، وتوسّعِ دائرته مُدَدا وأعصارا ، حتّى انتهى إلى أن تراهم مختلفين في المسألة الواحدة على عشرين قولاً ، أو ثلاثين ، أو أزيد ؛ بل لو شئت أقول : لم يبق مسألة فرعيّة لم يختلفوا فيها ، أو في بعض متعلّقاتها ؛ وذلك لأنّ الآراء لا تكاد تتوافق ، والظنون قلّما تتطابق ، والأوهام ۳ تتشاكس ۴ ، ووجوه الاجتهاد تتعاكس ، والاجتهاد يقبل التشكيك ، ويتطرّق إليه الركيك ، فيتشبّه بالقوم من ليس منهم ، ويُدخل نفسه في جملتهم وهو ۵
بمعزل عنهم ، فظلّت المقلّدة في غمار آرائهم يعمهون ، وأصبحوا في لجج أقاويلهم يغرقون .
ليت شعري ، كيف [ذهب عنهم] ما ينحلّ به عقد هذه المشكلات عن ضمائرهم ؟! أم كيف خفي عنهم ما ينقلع به اُصول هذه الشبهات عن سرائرهم ؟! ألم يسمعوا حديث

1.في المصدر : «ظواهر».

2.في المصدر : + «معرفة» .

3.في المصدر : «والأفهام».

4.أي تتخالف . لسان العرب ، ج ۶ ، ص ۱۱۲ (شكس) .

5.في المصدر : «من هو» بدل «وهو» .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
114

وكانوا ممنوعين عن ذلك ۱ من جهتهم عليهم السلام ، ومن جهة صاحب الشرع بالآيات الصريحة والأخبار الصحيحة ، وكان المنع من ذلك كلّه معروفا من مذهبهم، مشهورا بينهم ۲ حتّى بين مخالفيهم ، كما صرّح به طائفة من الفريقين .
ثمّ لمّا انقضت مدّة ظهور الأئمّة المعصومين ـ صلوات اللّه عليهم أجمعين ـ وانقطعت السفراء بينهم وبين شيعتهم ، وطالت الغيبة ، واشتدّت الفرقة ، وامتدّت دولة الباطل ، وخالطت الشيعة بمخالفيهم ، وألفت في صِغَر سنّهم بكتبهم ؛ إذ كانت هي المتعارفَ تعليمها في المدارس والمساجد وغيرها ؛ لأنّ الملوك وأرباب الدول كانوا معهم ، والناس إنّما يكونوا مع الملوك وأرباب الدول ، فعاشرتْ معهم في مدارسة العلوم الدينيّة ، وطالعوا كتبهم التي صنّفوها في اُصول الفقه التي دوّنوها لتسهيل اجتهاداتهم التي عليها مدار أحكامهم ، فاستحسنوا بعضا ، واستهجنوا بعضا . أدّاهم ذلك إلى أن صنّفوا في ذلك العلم كتبا إبراما ونقضا ، وتكلّموا فيما تكلّم العامّة فيه من الأشياء التي لم يأت بها الرسول صلى الله عليه و آله ، ولا الأئمّة المعصومون صلوات اللّه عليهم أجمعين ، وكثّروا بها المسائل ، ولبّسوا على الناس طرق الدلائل .
وكانت العامّة قد أحدثوا في القضايا ۳ أشياءَ كثيرةً بآرائهم وعقولهم في جنب اللّه ، واشتبهت أحكامهم بأحكام اللّه ، ولم يقنعوا بإبهامِ ما أبهم اللّه ، والسكوت عمّا سكت اللّه ، بل جعلوا للّه شركاء ، وحكموا كحكمه ، فتشابه الحكم عليهم ، بل للّه الحكم جميعا وإليه يرجعون ۴ ، وسيجزيهم اللّه بما كانوا يعملون . ۵
ثمّ لمّا كثرت تصانيف أصحابنا في ذلك ، وتكلّموا في اُصول الفقه وفروعه باصطلاحات العامّة ، اشتبهت اُصول الطائفتين واصطلاحاتهم بعضا ببعض ، وانجرّ ذلك إلى أن التبس الأمر على طائفة منهم حتّى زعموا جواز الاجتهاد والحكم بالرأي ، ووضع الضوابط والقواعد لذلك ، وتأويل المتشابهات بالتظنّي والترائي ، والأخذ باتّفاق الآراء ، وتأيّد

1.في المصدر : + «كلّه» .

2.في المصدر : «منهم» .

3.في المصدر : + «والأحكام».

4.اقتباس من الآيتين ۷۰ و ۸۸ من سورة القصص (۲۸) : «...لَهُ الْحُكْمُ وَاِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» .

5.اقتباس من بعض الآيات ، منها الآية ۱۸۰ من سورة الأعراف (۷): «...سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 127974
صفحه از 637
پرینت  ارسال به