167
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

وبضعف بصائرهم إلى التكذيب والعنود ، حتّى أنكروا خلق الأشياء ، وادّعوا أنّ كونها بالإهمال ، لا صنعة فيها ولا تقدير ، ولا حكمة من مدبّر ولا صانع ، تعالى اللّه عمّا يصفون ، وقاتلهم اللّه أنّى يؤفكون ، فهم في ضلالهم وعَمْيهم بمنزلة عُمْيان دخلوا دارا قد بُنيت أتقنَ بناءٍ وأحكمَه ، وفُرشت بأحسن الفراش وأفخره ، واُعدَّ فيها ضروب الأطعمة والأشربة والملابس التي يحتاج إليها ولا يستغنى عنها ، ووضع كلّ شيء من ذلك موضعه على صواب من التقدير ، وحكمة من التدبير ، فجعلوا يتردّدون فيها يمينا وشمالاً ، ويطوفون بيوتها إقبالاً وإدبارا ، محجوبةً أبصارهم عنها لا يبصرون بنية الدار وما اُعدَّ فيها ، وربما عثر بعضهم بالشيء الذي قد وضع موضعه، واُعدّ للحاجة إليه، وهو جاهل بالمعنيّ فيه ولما اُعدَّ ولماذا جعل كذلك ، فتذمّر ۱ وتسخّط، وذمّ الدار وبانيها ، فهذه حال هذا الصنف في إنكارهم ما أنكروا من أمر الخلقة وثبات الصنعة ؛ فإنّهم لمّا غربت أذهانهم عن معرفة الأسباب والعلل في الأشياء، صاروا يجولون في هذا العالم حيارى ، ولا يفهمون ما هو عليه من إتقان خلقته ، وحسن صنعه ، وصواب تهيئته .
وربّما وقف بعضهم على الشيء لجهل سببه والإرب فيه ، فيسرع إلى ذمّه ووصفه بالإحالة والخطأ ، كالذي أقدمت عليه المانية ۲ الكفرة ، وجاهرت به الملحدة المارقة الفجرة وأشباههم من أهل الضلال المعلّلين أنفسهم بالمحال ؛ فيحقّ على من أنعم اللّه

1.تذمّر هو : لام نفسه ، أو تغضّب . لسان العرب ، ج ۴ ، ص ۳۱۱ (ذمر) .

2.في المصدر : المنانيّة . وفي البحار : «المانويّة» وقال في البحار : «والمانويّة: فرقة من الثنويّة أصحاب ماني، الذي ظهر في زمان سابور بن أردشير ، وأحدث دينا بين المجوسيّة والنصرانيّة ، وكان يقول بنبوّة المسيح على نبيّنا وآله و عليه السلام، ولايقول بنبوّة موسى على نبيّنا وآله وعليه السلام ، وزعم أنّ العالم مصنوع مركّب من أصلين قديمين ؛ أحدهما نور، والآخر ظلمة ، وهؤلاء ينسبون الخيرات إلى النور ، والشرور إلى الظلمة ، وينسبون خلق السباع والمؤذيات والعقارب والحيّات إلى الظلمة ؛ فأشار إلى فساد وهمهم بأنّ هذا لجهلهم بمصالح هذه السباع والعقارب والحيّات التي يزعمون أنّها من الشرور التي لايليق بالحكيم خلقها» . بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۶۱ . وللمزيد راجع : الملل والنحل للشهرستاني ، ج ۲ ، ص ۸۱ ؛ مروّج الذهب ، ج ۱ ، ص ۱۵۵ ؛ الفهرست ، ص ۴۵۶ ؛ الفرق بين الفرق ، ص ۱۶۲ و ۲۰۷ ؛ الآثار الباقية للبيروني ، ص ۲۰۷ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
166

للمؤلّف :

نعوذ باللّه من تلك العقيدة إذتهوي بصاحبها ذروة الجبل
وكيف أجحد ترتيب الوجود وقدأراه نحوَ قطار النُّوق والجمل
كلّا بكلّ ربوطا غير منقطعكلّا بكلّ منوطا غير منفصل
بل إن تأمّلتها ألفيت سلسلةاُحيل فكّ ثوانيها من الاُول
والطريق الصواب في الاستدلال هو مسلك اُولي الألباب من البحث عن لطائف التدبير ، والتفكّر والتدبّر في خلق السماوات والأرض؛ «رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـذَا بَـطِلاً»۱ والتفطّن بمشاهدة اتّصال الصنع وتمام التدبير لوحدة الصانع القدير، عظم شأنه وفخم برهانه .
وها أنا ذاكرٌ لك ما نبّه عليه الإمام أبو عبداللّه جعفر بن محمّد الصادق عليهماالسلام من دقائق الصنع ولطائف التدبير في كلّ واحد واحد من الاُمور المذكورة في الآية الشريفة في الحديث المشهور بكتاب المفضّل ، والمفضّل هو الذي ذكره الشيخ الأجلّ المفيد ـ طاب ثراه ـ في إرشاده وقال : «إنّه من خواصّ أصحاب الصادق عليه السلام وبطانته وصاحب سرّه» . ۲
وأذكر أوّلاً ديباجة ذلك الكتاب المستطاب ؛ لما فيه من الفوائد الجليلة :
قال الصادق عليه السلام : «يا مفضّل ، إنّ اللّه كان ولا شيء قبله ، وهو باقٍ ولا نهاية له ، فله الحمد على ما ألهمنا ، والشكر على ما منحنا ، فقد خصّنا من العلوم بأعلاها ، ومن المعاني بأسناها ، واصطفانا على جميع الخلق بعلمه ، وجعلنا مهيمنين عليهم بحكمه» .
قال المفضّل : يا مولاي ، أتأذن لي أن أكتب ما تشرحه ؟ وكنت أعددت معنى ما أكتب فيه .
فقال لي : «افعل» .
ثمّ قال لي : «يا مفضّل ، إنّ الشكّاك جهلوا الأسباب والمعاني في الخلقة ، وقصرت أذهانهم عن تأمّل الصواب والحكمة فيما ذرأ الباري ـ جلّ قدسه ـ وبرأ من صنوف خلقه في البرّ والبحر ، والسهل والوَعْر ، فخرجوا بقصر علومهم إلى الجحود ،

1.آل عمران (۳) : ۱۹۱ .

2.الإرشاد ، ج ۲ ، ص ۲۱۶ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 133161
صفحه از 637
پرینت  ارسال به