عليه ـ بمعرفته، وهداه لدينه ، ووفّقه لتأمّل التدبير في صنعة الخلائق ، والوقوف على ما خلقوا له من لطيف التدبير وصواب التعبير بالدلالة القائمة الدالّة على صانعها ـ أن يُكثر حمد اللّه مولاه على ذلك ، ويرغب إليه في الثبات عليه والزيادة منه؛ فإنّه جلّ اسمه يقول : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ»۱ » .
هذا ما ذكره عليه السلام في الديباجة .
وأنا أذكر بعدُ من المطالب ما هو شرح وتفصيل لأحوال كلّ واحدة من دلائل الربوبيّة التي ذكرت في الآية ، وذلك في فصول :
فصل: في بديع خلقة السماوات
قال عليه السلام في المجلس الرابع من الكتاب : «قد شرحت [لك] يا مفضّل خلق الإنسان وما دبّر به وتنقّله في أحواله وما فيه من الاعتبار ، وشرحت لك أمر الحيوان ، وأنا أبتدئ الآنَ بذكر السماء والشمس والقمر والنجوم والفلك والليل والنهار والحرّ والبرد والرياح والجواهر الأربعة ـ : الأرضِ ، والماء ، والنار ، والهواء ـ والمطر والصخر والجبال والطين والحجارة والمعادن والنبات والنخل والشجر، وما في ذلك من الأدلّة والعِبر .
فكِّر يا مفضّل في لون السماء وما فيه من صواب التدبير ؛ فإنّ هذا اللون أشدّ الألوان موافقةً للبصر وتقوية ، حتّى أنّ من صفات الأطبّاء لمن أصابه شيء أضرّ ببصره إدمانَ النظر إلى الخضرة وما قرب منها إلى السواد ، وقد وصف الحُذّاق منهم لمن كان كَلَّ بصرُه الإطلاعَ في إجّانة ۲ خضراء مملوءةٍ ماءً ؛ فانظر كيف جعل اللّه ـ جلّ وتعالى ـ أديم السماء بهذا اللون الأخضر إلى السواد ليمسك الأبصار المتقلّبة عليه فلا ينكأ فيها بطول مباشرتها له ، فصار هذا الذي أدركه الناس بالفكر والرويّة والتجارب يوجد مفروغا عنه في الخلقة حكمة بالغة ۳ ليعتبر بها المُعتبِرون ، ويُفكِّر فيها الملحدون ، قاتلهم اللّه أنّى