دولاب يراه يدور، ويسقي حديقة فيها شجر ونبات ، فترى كلّ شيء من آلته مقدّرا بعضه يلقى بعضا على ما فيه صلاح الحديقة و بما فيها ؟ وبِمَ كان يثبت هذا القول لو قاله؟ وما ترى الناس كانوا قائلين منه لو سمعوه منه ؟ أفينكر أن يقول في دولاب خشب خسيس مصنوع بحيلة قصيرة لمصلحة قطعةٍ من الأرض : إنّه كان بلا صانع ومقدّر، ويقدر أن يقول في هذا الدولاب الأعظم المخلوق بحكمة تقصر عنها أذهان البشر لصلاح جميع الأرض وما عليها : إنّه شيء اتّفق أن يكون بلا صنعة ولا تقدير لو اعتلّ هذا الفلك كما تعتلّ الآلات التي تتّخذ للصناعات وغيرها أيّ شيء كان عند الناس من الحيلة في إصلاحه» . ۱
هذا نبذة ممّا قاله عليه السلام في خلق السماوات .
فصل : في خلق الأرضيّات
قال عليه السلام : «فكِّر يا مفضّل فيما خلق اللّه عزّوجلّ من هذه الجواهر الأربعة ۲ ليتّسع ما يحتاج إليه منها ، فمن ذلك سعة هذه الأرض وامتدادها ، فلولا ذلك كيف كانت تتّسع لمساكن الناس ومزارعهم ومراعيهم ومنابت أخشابهم وأحطابهم والعقاقير العظيمة والمعادن الجسيمة غناؤها ؟ ولعلّ من ينكر هذه الفلوات الخاوية والقفار الموحشة، فيقول : ما المنفعة فيها ؟ فهي مأوى هذه الوحوش ومحالّها ومرعاها ، ثمّ فيها بعدُ منتفسٌ ومضطرب للناس إذا احتاجوا إلى الاستبدال بأوطانهم ، فكم بيداء ، وكم فَدْفَد ۳ حالت قصورا وجنانا بانتقال الناس إليها وحلولِهم فيها ، ولولا سعة الأرض وفسحتها لكان الناس كمن هو في حصار ضيّق لايجد منه مندوحةً من وطنه ، وإذا حزبه أمر يضطرّه إلى الانتقال عنه .
1.توحيد المفضّل ، ص ۱۲۶ ـ ۱۳۷ ؛ بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۱۱۱ ـ ۱۱۷ .
2.المراد بالجواهر الأربعة هي التراب والماء والهواء والنار .
3.الفَدْفَدُ : الفلاة التي لاشيء بها . وقيل : هي الأرض الغليظة ذاتُ الحصى . وقيل : المكان الصُّلب . لسان العرب ، ج ۳ ، ص ۳۳۰ (فدفد) .