179
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

وكذلك الليل لو امتدّ مقدار هذه المدّة ، كان يعوق أصناف الحيوان عن الحركة والتصرّف في طلب المعاش حتّى يموت جوعا ، وتخمد الحرارة الطبيعيّة من النبات حتّى يعفن ويفسد ، كالذي تراه يحدث على النبات إذا كان في موضع لا تطلع عليه الشمس .
اعتبر بهذا الحرّ والبرد كيف يتعاوران ويتصرّفان هذا التصرّفَ في الزيادة والنقصان والاعتدال لإقامة هذه الأزمنة من السنة وما فيه ۱ من المصالح ، ثمّ هما بعدُ دباغ الأبدان التي عليهما بقاؤها وفيهما صلاحها ؛ فإنّه لولا الحرّ والبرد وتداولهما الأبدان لفسدت وخوت ۲ وانتكثت .
فكِّر في دخول أحدهما على الآخر بهذا التدريج والترسّل ؛ فإنّك ترى أحدهما ينقص شيئا بعد شيء ، والآخَرَ يزيد مثل ذلك ، حتّى ينتهي كلّ واحد منهما منتهاه في الزيادة والنقصان ، ولو كان دخول إحداهما على الاُخرى مفاجأةً لأضرّ ذلك بالأبدان وأسقمها ؛ كما أنّ أحدكم لو خرج من حمّام حارّ على موضع البرودة لضرّه ذلك وأسقم بدنه .
فلِمَ جعل اللّه عزّوجلّ هذا الترسّل في الحرّ والبرد إلّا للسلامة من ضرر المفاجأة [ولم جرى الأمر على ما فيه السلامة من ضرر المفاجأة] لولا التدبير في ذلك ، فإن زعم زاعم أنّ هذا الترسّل في دخول الحرّ والبرد إنّما يكون لإبطاء مسير الشمس في الارتفاع والانحطاط ، سُئل عن العلّة في إبطاء مسير الشمس في ارتفاعها وانحطاطها ، فإن اعتلّ في الإبطاء ببُعد ما بين المشرقين ، سُئل عن العلّة في ذلك ، فلا تزال هذه المسألة ترقى معه إلى حيث رقى من هذا القول حتّى استقرّ على العمد والتدبير ، لولا الحرّ لما كانت الثمار الجاسية المُرّة تنضج فتلين وتعذب ، حتّى يتفكّه بها رطبة ويابسة ، ولولا البرد لما كان الزرع يفرخ [هكذا] ويريع الريعَ الكثير الذي يتّسع للقوت

1.في المصدر : «فيهما».

2.خَوَت ، أي انهدمت . لسان العرب ، ج ۱۴ ، ص ۲۴۵ (خوا) .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
178

فيبقى في قِلالها لمن يحتاج إليه ، ويذوب ما يذوب منه ، فيجري منه العيون الغزيرة التي يجتمع منها الأنهار العظام ، وينبت منها ضروب من النبات والعقاقير التي لا ينبت مثلها في السهل ، ويكون فيها كهوف ومعاقل للوحوش من السباع العادية ، ويتّخذ فيها الحصون والقلاع المنيعة للتحرّز من الأعداء ، وينحت منها الحجارة للبناء والارحاء ، ويوجد فيها معادنُ لضروب من الجواهر ، وفيها خلال اُخرى لا يعرفها إلّا المقدّر لها في سابق علمه .
فكِّر يا مفضّل في هذه المعادن وما يخرج منها من الجواهر المختلفة ، مثل الجصّ والكلس والجبسين والزرانيخ ۱ والمرتك والتوتيا والزيبق والنحاس والرصاص والفضّة والذهب والزبرجد والياقوت والزمرّد وضروب الحجارة ، وكذلك ما يخرج منها من القار والموميا والكبريت والنفط وغير ذلك ممّا يستعمله الناس في مآربهم ، فهل يخفى على ذي عقل أنّ هذه كلّها ذخائرُ ذخرت للإنسان في هذه الأرض ليستخرجها، فيستعملها عند الحاجة إليها» . ۲

فصل : في اختلاف الليل والنهار

قال عليه السلام : «فكِّر يا مفضّل في مقادير الليل والنهار كيف وقعت على ما فيه صلاح هذا الخلق ، فصار منتهى كلّ واحدٍ منها إذا امتدّ إلى خمس عشرة ساعة لايجاوز ذلك ، أفرأيت لو كان النهار مقداره مائة ساعة أو مائتي ساعة ألم يكن من ذلك بوار كلّ ما في الأرض من حيوان ونبات ؟ أمّا الحيوان فكان لا يهدأ ولا يقرّ طول هذه المدّة ، ولا البهائم كانت تمسك عن الرعي لو دام لها ضوء النهار ، ولا الإنسان كان يفتر عن العمل والحركة ، وكان ذلك سيهلكها ۳ أجمع ، ويؤدّيها إلى التلف . وأمّا النبات فكان يطول عليه حرّ النهار ووهج الشمس حتّى يجفّ ويحترق .

1.في المصدر : «الزرنيخ» .

2.توحيد المفضّل ، ص ۱۵۱ ـ ۱۵۳ ؛ بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۱۲۷ ـ ۱۲۸.

3.في المصدر : «ينهكها»

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 133014
صفحه از 637
پرینت  ارسال به