فيبقى في قِلالها لمن يحتاج إليه ، ويذوب ما يذوب منه ، فيجري منه العيون الغزيرة التي يجتمع منها الأنهار العظام ، وينبت منها ضروب من النبات والعقاقير التي لا ينبت مثلها في السهل ، ويكون فيها كهوف ومعاقل للوحوش من السباع العادية ، ويتّخذ فيها الحصون والقلاع المنيعة للتحرّز من الأعداء ، وينحت منها الحجارة للبناء والارحاء ، ويوجد فيها معادنُ لضروب من الجواهر ، وفيها خلال اُخرى لا يعرفها إلّا المقدّر لها في سابق علمه .
فكِّر يا مفضّل في هذه المعادن وما يخرج منها من الجواهر المختلفة ، مثل الجصّ والكلس والجبسين والزرانيخ ۱ والمرتك والتوتيا والزيبق والنحاس والرصاص والفضّة والذهب والزبرجد والياقوت والزمرّد وضروب الحجارة ، وكذلك ما يخرج منها من القار والموميا والكبريت والنفط وغير ذلك ممّا يستعمله الناس في مآربهم ، فهل يخفى على ذي عقل أنّ هذه كلّها ذخائرُ ذخرت للإنسان في هذه الأرض ليستخرجها، فيستعملها عند الحاجة إليها» . ۲
فصل : في اختلاف الليل والنهار
قال عليه السلام : «فكِّر يا مفضّل في مقادير الليل والنهار كيف وقعت على ما فيه صلاح هذا الخلق ، فصار منتهى كلّ واحدٍ منها إذا امتدّ إلى خمس عشرة ساعة لايجاوز ذلك ، أفرأيت لو كان النهار مقداره مائة ساعة أو مائتي ساعة ألم يكن من ذلك بوار كلّ ما في الأرض من حيوان ونبات ؟ أمّا الحيوان فكان لا يهدأ ولا يقرّ طول هذه المدّة ، ولا البهائم كانت تمسك عن الرعي لو دام لها ضوء النهار ، ولا الإنسان كان يفتر عن العمل والحركة ، وكان ذلك سيهلكها ۳ أجمع ، ويؤدّيها إلى التلف . وأمّا النبات فكان يطول عليه حرّ النهار ووهج الشمس حتّى يجفّ ويحترق .