وما يرد في الأرض للبذر ، أفلا ترى ما في الحرّ والبرد من عظيم العناء والمنفعة، وكلاهما مع عنائه والمنفعة فيه يؤلم الأبدان ويمضّها ؛ وفي ذلك عبرة لمن فكّر ، ودلالة على أنّه من تدبير الحكيم في مصلحة العالم وما فيه» . ۱
فصل : فيما أنزل اللّه من السماء من ماءٍ
قال عليه السلام : «فكِّر يا مفضّل في الصحو والمطر كيف يعتقبان ۲ على هذا العالم لما فيه صلاحه ، ولو دام واحد منهما عليه كان من ذلك فساده ؛ ألا ترى أنّ الأمطار إذا توالت عفنت البقول والخضر ، واسترخت أبدان الحيوان ، وخثر ۳ الهواء ، فأحدث ضروبا من الأمراض ، وفسدت الطرق والمسالك ، وأنّ الصحو إذا دام جفّت الأرض ، واحترق النبات ، وغيض ماء العيون والأودية ، فأضرّ ذلك بالناس ، وغلب اليبس على الهواء، فأحدث ضروبا اُخرى من الأمراض ، فإذا تعاقبا على العالم هذا التعاقبَ اعتدل الهواء، ورفع كلّ واحد عاديةَ الآخَر ، فصلحت الأشياء واستقامت .
فإن قال قائل : ولِمَ لا يكون في شيءٍ من ذلك مضرّة البتّة ؟
قيل : ليمض ذلك للإنسان ويؤلمه بعض الألم ، فيرعوي عن المعاصي ، فكما أنّ الإنسان إذا سقم بدنه احتاج إلى الأدوية المرّة البشعة ليقوم طباعه ، ويصلح ما فسد منه، كذلك إذا طغى وأشر احتاج إلى ما يعضه ويؤلمه ليرعوي ، ويقصر عن مساويه ، ويثبته على ما فيه حظّه ورشده .
ولو أنّ مَلِكا من الملوك قسم من أهل مملكته قناطيرَ من ذهب وفضّة ، ألم يكن سيعظم عندهم ويذهب له به الصوت ؟ فأين هذا من مطرة رواء يعمّ به البلاد ، ويزيد في الغلّات أكثر من قناطير الذهب والفضّة في أقاليم الأرض كلّها ؟ أفلاترى المطرة الواحدة ما أكبر قدرَها ، وأعظم النعمةَ على الناس فيها وهم عنها ساهون ، وربما عاقت