185
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

مع اليسرى من مآخيره . وينقل الاُخريَيْنِ أيضا من خلاف؛ ليثبت على الأرض، ولا يسقط إذا مشى .
أما ترى الحمارَ كيف يذلّ للطحن والحمولة وهو يرى الفرس مودعا منعّما ، والبعيرَ لا يطيقه عدّة رجال لو استعصى كيف ينقاد للصبيّ ؟
والثور الشديد كيف كان يذعن لصاحبه حتّى يضع النِيرَ على عنقه ويحرث به .
والفرس الكريم يركب السيوف والأسنّة بالمواتاة لفارسه .
والقطيع من الغنم يرعاه رجل واحد ، ولو تفرّقت الغنم فأخذ كلّ منها في ناحية لم يلحقها .
وكذلك جميع الأصناف المسخَّرة للإنسان ، فبِمَ كانت كذلك إلّا بأنّها عدمت العقل والرويّة ، فإنّها لو كانت تعقل وتروي في الاُمور كانت خليقةَ أن تلتوي على الإنسان في كثير من مآربه ، حتّى يمتنع الجمل على قائده ، والثور على صاحبه ، وتتفرّق الغنم عن راعيها ، وأشباه هذا من الاُمور .
وكذلك هذه السِّباع لو كانت ذوات عقل ورويّة فتوازرت ۱ على الناس ، كانت خليقةَ أن تحاجّهم فمن كان يقوم للاُسد والذئاب والنمورة والدِّبَبَة لو تعاونت وتظاهرت على الناس ؟ أفلا ترى كيف حجز ذلك عليها ، وصار مكان ما يخاف من إقدامها ونكايتها تهاب مساكن الناس وتحجم عنها ، ثمّ لا تظهر ولا تنتشر لطلب قوتها إلّا بالليل ، فهي مع صولتها كالخائف للإنسان ، مغمومةٌ ۲ ممنوعة منهم ، ولولا ذلك لساورتهم في مساكنهم وضيّقت عليهم .
ثمّ جعل في الكلب من بين هذه السِّباع عطفٌ على مالكه ، ومحاماة عنه ، وحفاظ له، فهو ينتقل على الحيطان والسطوح في ظلمة الليل لحراسة منزل صاحبه ، وذبّ الذعار عنه ، ويبلغ من محبّته لصاحبه أن يبذل نفسه للموت دونه ودون ماشيته ، ويألفه غايةَ الاُلف حتّى يصبر معه على الجوع والجفوة ، فلِمَ طبع الكلب على هذا الاُلف إلّا ليكون

1.توازرت ، أي اجتمعت واتّحدت .

2.في المصدر : «مقموعة» أي مقهورة ذليله .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
184

تأمّل التدبير في خلق آكلات اللحم من الحيوان حين جُعلت ذوات أسنان حِداد وبراثنَ شِداد وأشداقٍ وأفواه واسعة ، فإنّه لمّا قدّر أن يكون طعمها اللحم خلقت خلقةً تشاكل ذلك ، واُعينت لسلاح وأدوات تصلح للصيد ، وكذلك تجد سباعَ الطير ذواتِ مناقيرَ ومخالبَ مهيّئة لفعلها ، ولو كانت الوحوش ذواتِ مخاليبَ كانت قد اُعطيت ما لا يُحتاج إليه ، أعني السلاح الذي به تصيد وتتعيّش ، أفلاترى اُعطي كلّ واحد من الصنفين ما يشاكل صنعه وطبعه ، بل ما فيه صلاحه وبقاؤه .
اُنظر الآنَ إلى ذوات الأربع، كيف تراها تتبع اُمّهاتها مستقلّةً بأنفسها ، لاتحتاج إلى الحمل والتربية كما يحتاج أولاد الإنس ، فلأجل أنّه ليس عند اُمّهاتها ما عند اُمّهات البشر من الرفق والقيام بالتربية والقوّة عليها والأكفّ والأصابع المرساة ؛ لذلك اُعطيت النهوضَ والاستقلالَ بأنفسها ، وكذلك ترى كثيرا من الطير كمثل الدجاج والدرّاج والقبج تدرج وتلقط حين ينقاب [عنها] البيض .
فأمّا ما كان ضعيفا لا نهوض فيه كمثل فراخ الحمام واليمام والحمر فقد جُعل في الاُمّهات فضلُ عطفٍ عليها ، فصارت تمجّ الطعام في أفواهها بعد ما توعيه ۱ حواصلَها ۲ ، فلا تزال تغنوها حتّى تستقلّ بأنفسها ، ولذلك لم ترزق الحمام فراخا كثيرا مثل ما ترزق الدجاج لتقوى الاُمّ على تربية فراخها ، فلا تفسد ولا تموت ، فكلٌّ اُعطي بقسط من تدبير الحكيم اللطيف الخبير .
اُنظر إلى قوائم الحيوان كيف تأتي أزواجا ليتهيّأ للمشي ، ولو كانت أفرادا لم تصلح لذلك ؛ لأنّ الماشي ينقل قوائمه ويعتمد عليه ؛ فذو القائمتين ينقل واحدة ويعتمد على واحدة ، وذو الأربع ينقل اثنتين ، ويعتمد على اثنتين، وذلك من خلاف ؛ لأنّ ذا الأربع لو كان ينقل قائمتين من أحد جانبيه، ويعتمد على قائمتين من الجانب الآخَر، لما يثبت على الأرض كما لا يثبت السرير وما أشبهه ، فصار ينقل اليمنى من مقاديمه

1.توعيه ، من أوعى الزاد ونحوه ، أي جعله في الوعاء . لسان العرب ، ج ۱۵ ، ص ۳۹۷ (وعي) .

2.الحوصل والحوصلة والحوصلاء من الطائر بمنزلة المعدة من الإنسان . لسان العرب ، ج ۱۱ ، ص ۱۵۴ (حصل) .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 128300
صفحه از 637
پرینت  ارسال به