إلّا من يوكل بتوجيه الرزق له من هذا وشبهه، فإنّه لمّا كان الثعلب يضعف عن كثير ممّا يقوى عليه السباع من مساورة الصيد ، اُعين بالدهاء والفطنة والاحتيال لمعاشه .
والدلفين يلتمس صيد البحر ، فيكون حيلته في ذلك أن يأخذ السمك فيقتله ويشرّحه ۱ حتّى يطفو على الماء ، ثمّ يكمن تحته ويثور الماء الذي عليه حتّى لا يتبيّن شخصه ، فإذا وقع الطير على السمك الطافي وثب إليها فاصطادها ، فانظر إلى هذه الحيلة كيف صار طبعا في هذه البهيمة لبعض المصلحة» .
قال المفضّل : فقلت : خبّرني مولاي عن التنين والسحاب .
فقال عليه السلام : «إنّ السحاب كالموكّل به يختطفه حيث ما يفقه ۲ كما يختطف حجر المغناطيس الحديد ، فهو لا يطلع رأسه من الأرض خوفا من السحاب ، ولا يخرج إلّا في القيظ ۳ مرّة إذا أضحت ۴ السماء ، فلم يكن فيها نكتة من غيمة» .
قلت : فلِمَ وكّلت السحاب بالتنين يرصده ، ويختطفه إذا وجده ؟
قال : «ليدفع عن الناس مضرّته» .
فقلت : لقد وصفت يا مولاي من أمر البهائم ما فيه معتبرٌ لمن اعتبر ، فصِفْ لي الذرّة والنملة والطير .
فقال عليه السلام : «يا مفضّل ، تأمّلْ وجه الذرّة الحقيرة الصغيرة ، هل تجد فيها نقصا عمّا فيه صلاحها ؟ فمن أين هذا التقدير والصواب في خلق الذرّة إلّا من التدبير القائم في صغير الخلق وكبيره ، اُنظر إلى النمل واحتشاده في جمع القوت وإعداده ، فإنّك ترى الجماعة منها إذا نقلت الحَبّ إلى زُبْيَتِها بمنزلة جماعة من الناس ينقلون الطعام أو غيرَه ، بل للنمل في ذلك من الجدّ والتشمير ليس للناس مثله ؛ أما تراهم يتعاونون على النقل كما يتعاون الناس على العمل ، ثمّ يعمدون إلى الحَبّ فيقطعونه قِطَعا كيلا ينبت فيفسد عليهم ، فإن أصابه ندى فأخرجوه فنشروه حتّى يجفّ ، ثمّ لا يتّخذ النمل الزبية إلّا في